يتنافس فيها أكثر من 15 ألف مرشح.. ما تأثير القبيلة في حسم الانتخابات البرلمانية بالجزائر؟

لضراوة المنافسة، لجأ مرشحون إلى تقوية حظوظهم بتعبئة العشائر، خاصة في المحافظات الداخلية والجنوبية، حيث تتركز الكتلة الناخبة، بينما تتضاءل هذه الاستعانة في الدوائر الحضرية الكبرى

المنافسة الإنتخابية تدفع مترشحين في الجزائر إلى تقوية حظوظهم البرلمانية بتعبئة العشائر (الجزيرة)
المنافسة الانتخابية تدفع مترشحين في الجزائر إلى تقوية حظوظهم البرلمانية بتعبئة العشائر (الجزيرة نت)

تبرز العصبية القَبلية لتعوّض تراجع نفوذ "المال السياسي" في انتخابات البرلمان بالجزائر، حيث تشترط المادة 200 من القانون الجديد "ألا يكون المترشّح معروفا لدى العامة بصلته بأوساط المال والأعمال المشبوهة، وتأثيره بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على الاختيار الحُر للناخبين وحسن سير العملية الانتخابية".

ويشهد الاستحقاق الانتخابي المقرر بتاريخ 12 يونيو/حزيران منافسة كبيرة بدخول 1438 قائمة تمثل الأحزاب والمستقلين، وتضم أكثر من 15 ألف مترشِّح، يتدافعون للظفر بمقاعد مجلس النواب البالغة 407 مقاعد.

ولضراوة المنافسة، لجأ مرشحون إلى تقوية حظوظهم بتعبئة العشائر، خاصة في المحافظات الداخلية والجنوبية، حيث تتركز الكتلة الناخبة. بينما تتضاءل هذه الاستعانة في الدوائر الحضرية الكبرى التي تبقى نسب المشاركة الشعبية فيها ضعيفة أصلا، ما يُعطي دورا مؤثرا للعامل القَبلي في الانتخابات بالمناطق الأخرى، بحسب المحللين.

وبرزت في الحملة الدعائية اللقاءات العشائرية مع المترشحين من أبناء القبيلة مرفقة بتزكيات جماعية لهم، وتحت شعار "الأقربون أوْلى بالأصوات".

ويوثّق تقرير لوزارة الحرب الفرنسية بتاريخ 23 يناير/كانون الثاني 1851، عدد القبائل الجزائرية آنذاك بـ1145 قبيلة من أصول أمازيغية وعربية وأندلسية، يُتوقع أن يشكل تعدادها اليوم عشرات الملايين من سكان الجزائر البالغين نحو 44 مليونا، حتى وإن ضعفت روابطهم العشائرية.

العصبية القبليّة تعوّض تراجع المال السياسي في إنتخابات برلمان الجزائر، بحسب مراقبين (الجزيرة)
دور القبيلة ظل حاضرا في كل الاستحقاقات الانتخابية بالجزائر (الجزيرة نت)

سلطان القبيلة

يقول المرشّح عن محافظة أم البواقي بالشرق الجزائري علي جرمان، إنّ الانتماء القبلي في دائرته الانتخابية "حاسم لدرجة معتبرة جدا"، حيث يعتمد قبول الترشيح على قوائم الأحزاب، وحتى الأحرار، على التوزيع الجغرافي للمترشحين داخل المحافظة أولاً، ثم على قوّة العشائر التي ينتمون إليها داخل كل منطقة.

ويقرّ جرمان بتوظيفه شخصيّا لانتمائه القَبلي في تمرير الترشّح حزبيّا والاستفادة منه في جمع الأنصار عن طريق دعم أعيان القبيلة.

ويؤكد للجزيرة نت أن الحظ يحالف قطعًا أي قائمة تدخل بعدة مرشحين عن قبائل قوية، و" كلّ الخوف في حال ترشَّح اثنان أو أكثر من نفس العشيرة على قوائم متفرقة".

وحينها، يضيف جرمان، إمّا أن تتبنّى القبيلة، عبر لقاء جامع، المرشح الذي تسانده على حساب أبنائها المرشحين الآخرين، أو تنقسم أصوات العشيرة بينهم، فتنعدم فرصة الفوز في الانتخابات، مما يخلّف تداعيات سلبية على تماسكها الاجتماعي.

ويعتقد سعد صدارة، الأكاديمي الذي ينحدر من محافظة الجلفة بوسط الجزائر، أنّ للقبيلة تأثيرا بارزا في نتائج العملية الانتخابية هناك، ما يجعلها الملاذ الأول للمترشح في جمع الأصوات، سواء داخل عشيرته أو بالاستعانة بعشائر أخرى.

ومع أنّ القبيلة ليست الحاسم الوحيد، مثلما يقول، خصوصًا إذا كان حجمها الانتخابي محدودا، فإن سلطانها السياسي يظل قويا على المترشحين وعلى الانتخابات برمتها، وتبرز بصورة أكبر في النطاق الجغرافي المنغلق.

وبالجنوب الشرقي، يقول المناضل السياسي علي حلواجي، إنّ الانتماء القبلي داعم ومؤثر في الانتخابات دون أن يكون حاسمًا، بمعنى أنّ من يملك وعاءً بصفة أخرى، مثل الحزب، فإن عشيرته تضيف له لتضمن مقعده النيابي.

العشائرية تؤثر بقوة في الانتخابات البرلمانية ولم تتراجع بالقدر المطلوب، بحسب مراقبين (الجزيرة)
العشائرية تؤثر بقوة في الانتخابات البرلمانية ولم تتراجع بالقدر المطلوب بحسب مراقبين (الجزيرة نت)

علاقات زبونية

من جهته، يرى أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة الجزائر نور الدين بكّيس، أنّ ظاهرة العشائريّة العرقية والجهوية ما تزال قائمة ومحسوسة حتى في المدن الجزائرية الكبرى، ولو بمستويات أقل، حيث تؤثر بقوة في الانتخابات البرلمانية منذ عشرات السنين، ولم تتراجع بالقدر المطلوب.

وفسّرها بهشاشة مؤسسات الدولة واعتماد النخب الحاكمة لعلاقات زبونيّة، إذ توزع الريع على المواطنين بحسب انتماءاتهم الجهوية والعرقية، ووفقا لمكانتهم داخل الجماعة الأوليّة التي تتعامل معها السلطة، كما حدث مع الأعيان والأشراف والزوايا.

يقول بكّيس للجزيرة نت، إن الالتزام بالولاء للبنى التقليدية عند الانتخاب راجع للمرور الحتمي على تنظيماتها عند البحث عن الترقية الاجتماعية والحماية. كما يتفاعل مواطنو المناطق البعيدة مع المركز عن طريق تلك البُنى التقليدية القائمة على الانتماءات الأولية، بما فيها العرقية والجهوية.

وبالتالي، فإنّ الرابطة لا تعكس علاقة اقتناع واستسلام، بحسب بكّيس، وإنما مصلحة تبادلية، يقدم بموجبها المواطن الولاء السياسي مقابل تحقيق أشكال من الترقية والحماية بوساطة تلك البنى.

ولا يتوقع بكّيس أيّ تراجع لأدوارها الوظيفية، طالما لم يتم بناء مؤسسات قوية تنظم حياة الأفراد، بناء على المنظومة القانونية، وليس وفقًا للعلاقات الزبونية.

إدريس عطية يرى أنّ تأثير العامل القبلي سيكون ضعيفا في 12 يونيو حزيران مقارنة بالاستحقاقات الماضية (الجزيرة)
إدريس عطية يرى أنّ تأثير العامل القبلي سيكون ضعيفا في 12 يونيو/حزيران مقارنة بالاستحقاقات الماضية (الجزيرة نت)

تأثير ضعيف

بالمقابل، يتوقع أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر إدريس عطية، أنّ يكون تأثير العامل القبلي ضعيفا هذه المرّة مقارنة بالاستحقاقات الماضية، لكنه يعتقد في الوقت ذاته أن "القبيلة تبقى ملاذ بعض المترشحين من أنصار النمط القديم في الممارسة السياسية، الذين لم ولن يستوعبوا مفاهيم الديمقراطية الوطنية والمجتمع المدني المسؤول".

ويشير عطية، للجزيرة نت، إلى ارتفاع منسوب الوعي لدى عموم الجزائريين بثقافة سياسية مقبولة، مما يعزز "الابتعاد عن الروابط القبلية والعشائرية في محافظات عديدة".

وتشهد الجزائر دينامية مجتمعية ترسخ الولاءات العُلوية المرتبطة بمشروع الدولة-الأمة، بحسب عطية، بدل الارتكاز إلى ولاءات تحتية، محصورة في القبيلة أو العشيرة.

ويضيف أنّ قانون الانتخابات المعدل رسّم هندسة جديدة بوجوب التصويت على القائمة المفتوحة عوض المغلقة، ما نزع الاحتكار والعشائريّة عن القوائم الحزبية والمستقلّة.

وفي مراهنته على نضج الناخب الجزائري وانحيازه لمصلحته الوطنية لا القبلية، يذكر أنّ نسبة 75% من المترشحين هم من فئة الشباب، ويشكّل الجامعيون 80% منهم، وهذا أكبر دليل، باعتقاد عطية، على أن متغير القبيلة والعشيرة سيكون ضعيفًا في الاستحقاقات المقبلة.

المصدر : الجزيرة