الجزائر.. كيف تغيرت الخريطة البرلمانية خلال 30 عاما؟

ستجرى الانتخابات البرلمانية الأولى في 12 يونيو/حزيران 2021، وذلك بعد اندلاع الحراك الشعبي الذي أسقط الولاية الرئاسية الخامسة لعبد العزيز بوتفليقة.

خلال 30 عاما تغيرت خريطة تمثيل الأحزاب في البرلمان (غيتي)

تستعد الجزائر لإجراء سابع انتخابات برلمانية ديمقراطية منذ 30 عاما، بعد أن احتكر حزب جبهة التحرير الوطني (قائد حرب التحرير) العمل الحزبي منذ الاستقلال (1962) دون أن يتاح النشاط القانوني لأي حزب آخر.

وستجرى الانتخابات البرلمانية الأولى في 12 يونيو/حزيران 2021، وذلك بعد اندلاع الحراك الشعبي الذي أسقط الولاية الرئاسية الخامسة لعبد العزيز بوتفليقة الذي أُجبر على تقديم استقالته قبل أيام من انتهاء ولايته الرابعة في الثاني من أبريل/نيسان 2019، تحت ضغط شعبي وأيضا من قائد الجيش الراحل أحمد قائد صالح.

وخلال 30 عاما تغيرت خريطة تمثيل الأحزاب في البرلمان، ولكن باستثناء انتخابات 1991 فاز الحزبان المواليان للسلطة (جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي) في جميع الانتخابات التي أجريت في 1997، و2002، و2007، و2012 و2017.

انتخابات 1991: التنافس السياسي ينحدر إلى صراع مسلح

  • اكتسحت الجبهة الإسلامية للإنقاذ الدور الأول من الانتخابات التشريعية بـ188 مقعدا من إجمالي 389 مقعدا، مقابل 25 مقعدا لجبهة القوى الاشتراكية، وجبهة التحرير الوطني 16 مقعدا.
  • الرئيس الجزائري الراحل الشاذلي بن جديد (1980-1992) لم يبد حينئذ اعتراضه على رئاسة شخصية إسلامية للحكومة، كما أبدت قيادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ من جهتها مرونة عندما قدمت عرضا تضمن تنازلها عن رئاسة الحكومة لزعيم جبهة القوى الاشتراكية حسين آيت أحمد، حسب شهادة وزير الخارجية الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي.
  • ولكن تيارا متطرفا داخل جبهة الإنقاذ رفع شعارات مستفزة للطرف الآخر من قبيل "الديمقراطية كفر"، وتوعد بأن تكون هذه آخر انتخابات يتم إجراؤها قبل إقامة دولة إسلامية.
  • أثار ذلك فزعا لدى تيارات متشددة داخل السلطة، وحتى المعارضة العلمانية، وعجّل بتدخل كبار قادة الجيش لوقف المسار الانتخابي، بعد أن أجبروا الرئيس الشاذلي بن جديد على الاستقالة في 11 يناير/كانون الثاني 1992.
  • وسرعان ما أدى ذلك إلى صدام في الشارع، بين أنصار الجبهة الإسلامية وقوات الشرطة والجيش، انتهى بحلها واعتقال قادتها، ودخول البلاد في فراغ دستوري بعد رفض رئيس البرلمان عبد العزيز بلخادم ترؤس البلاد مؤقتا.
  • ثم تشكل المجلس الأعلى للدولة (مجلس رئاسي من 5 أعضاء)، برئاسة زعيم تاريخي يدعى محمد بوضياف، اغتيل لاحقا.

انتخابات 1997: حزب عمره أشهر يكتسح البرلمان

  • أجريت عام 1997 أول انتخابات بعد وقف المسار الانتخابي، ولكن المعارضة اتهمت السلطة بتزويرها لمصلحة حزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي أُسس من رحم جبهة التحرير الوطني، بعد أن عارض الأمين العام له، عبد الحميد مهري، وقف المسار الانتخابي.
  • ورغم اتهامات التزوير التي لاحقت التجمع الوطني الديمقراطي -الذي لم يمر على تأسيسه سوى بضعة أشهر قبل الانتخابات- فإنه لم يحصل سوى على نحو ثلث المقاعد، أو ما يعادل 165 مقعدا من إجمالي 380 مقعدا.
  • تزعمت "حركة مجتمع السلم" (المحسوبة على الإخوان المسلمين) التيار الإسلامي -بعد حلّ جبهة الإنقاذ- وحلّت في المرتبة الثانية بنحو 15% (65 مقعدا)، وحافظت جبهة التحرير الوطني على المرتبة الثالثة لكنها رفعت رصيدها إلى 62 مقعدا من 16 في الانتخابات السابقة.
  • ورغم تهم التزوير التي لاحقت حكومة أحمد أويحيى الذي أصبح زعيم التجمع الوطني الديمقراطي، فإنه تمكن من تشكيل حكومة ائتلافية ضمت أيضا حركة مجتمع السلم بزعامة الراحل محفوظ نحناح، وحزب جبهة التحرير الوطني بعد إطاحة زعيمه مهري في ما يسمى بـالمؤامرة العلمية، وجناحا في حركة النهضة، فتسبب ذلك في انسحاب رئيسها وتشكيله حزبا جديدا.

انتخابات 2002: جبهة التحرير تستعيد القيادة

  • وصل عبد العزيز بوتفليقة إلى رئاسة البلاد في 1999 وأعاد لحزب جبهة التحرير الوطني أسبقيته على التجمع الوطني الديمقراطي، ليكون حزب السلطة الأول، وخريطة البرلمان تغيرت بصورة لافتة.
  • فاز حزب جبهة التحرير الوطني بـ199 مقعدا من إجمالي 389 مقعدا أو ما يفوق 51%، ما أهّله لتشكيل الحكومة منفردا لكنه كان خاضعا لإرادة الرئاسة.
  • تراجع التجمع الوطني الديمقراطي إلى المرتبة الثانية، وتقهقرت حصته البرلمانية من 165 مقعدا إلى 47 مقعدا فقط.
  • السقوط الحر لم يشمل التجمع الوطني الديمقراطي وحده، بل كان أقسى على حركة النهضة التي كادت تودع البرلمان لولا المقعد الوحيد والمشكوك فيه الذي حصلت عليه.
  • حصلت حركة الإصلاح الوطني التي أسسها زعيم النهضة السابق على 43 مقعدا، وحلّت ثالثة، وافتكت زعامة التيار الإسلامي، رغم أن عمرها لم يتجاوز حينئذ 3 أعوام.
  • التصويت العقابي للأحزاب الإسلامية التي شاركت في الحكومة بلغ أيضا حركة مجتمع السلم التي خسرت نحو نصف مقاعدها، وحصلت على 38 مقعدا محتلة المرتبة الرابعة، ولكنها نجت من مصير حركة النهضة.
  • استغل حزب العمال مقاطعة جبهة القوى الاشتراكية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية للانتخابات، ليرفع رصيده من 4 مقاعد إلى 21.

انتخابات 2007: "مجتمع السلم" تتزعم الإسلاميين

  • تكرّست هيمنة حزبي السلطة على أغلبية المقاعد في البرلمان، إذ حافظ حزب جبهة التحرير على المرتبة الأولى رغم تراجعه بـ63 مقعدا، حيث حصل على 136 مقعدا من إجمالي 389، في حين قلص التجمع الوطني الديمقراطي الفارق معه بعد حصوله على 61 مقعدا بزيادة 14 مقعدا.
  • استعادت حركة مجتمع السلم زعامة التيار الإسلامي بحصولها على 52 مقعدا، في حين شهدت حركة الإصلاح الوطني التي أسسها جاب الله سقوطا حرا بحصولها على 3 مقاعد فقط، متأثرة بإبعادها لزعيمها، أما حركة النهضة فصعدت قليلا بحصولها على 5 مقاعد.
  • كانت هذه الانتخابات بداية انهيار التيار النهضوي الذي أسسه جاب الله، منذ نشاطه السرّي في السبعينيات إلى ذروة تألقه ما بين 2002 و2007، عندما تمكنت كتلة حركة الإصلاح من تقديم مقترح تعديل قانون الانتخابات، وحاز تأييد البرلمان، رغم إعلان رئيس الحكومة أحمد أويحيى معارضته له.
  • وكان ذلك أول مقترح قانون -وربما آخره- تتقدم به المعارضة ويفوز بتأييد أغلبية النواب رغم هيمنة أحزاب السلطة عليه وتضمنه مادة حساسة تتعلق بإلغاء تصويت أفراد الجيش داخل الثكنات، لصعوبة مراقبتها، واتهام أحزاب المعارضة بوقوع تزوير داخل الثكنات.
  • وميزت هذه الانتخابات صعود المستقلين واحتلالهم المرتبة الرابعة من حيث المقاعد (33) لكن تأثيرهم السياسي كان محدودا، وبعضهم من رجال الأعمال الذين زاد نفوذهم في الحياة السياسية.

انتخابات 2012: الربيع العربي عزز أحزاب السلطة

  • دخلت هذه الانتخابات مرحلة الرتابة، بعد تعزيز حزبي السلطة نتائجهما، بالتوازي مع رفع عدد مقاعد البرلمان إلى 462، بزيادة 73 مقعدا.
  • حصلت جبهة التحرير على 221 مقعدا، وهو رقم غير مسبوق في نتائج الحزب، لكن بنسب أقل من انتخابات 2002، أما التجمع الوطني فحصل على 70 مقعدا، حسب الجريدة الرسمية.
  • الإسلاميون رغم تحالف كل من حركات مجتمع السلم والنهضة والإصلاح ضمن ما سمي الجزائر الخضراء، فإن حصتهم مجتمعة تراجعت إلى 48 مقعدا نزولا من 60 مقعدا في آخر انتخابات.
  • لم يحصل جاب الله مع حزبه الجديد (جبهة العدالة والتنمية) سوى على 7 مقاعد، أما حركة التغيير المنشقة عن حركة مجتمع السلم فسقطت في أول اختبار بـ4 مقاعد.
  • كانت صدمة للتيار الإسلامي بكل أطيافه، فمع أن الربيع العربي جاء بالإسلاميين إلى السلطة في تونس والمغرب ومصر، فإن ذلك لم ينعكس إيجابا عليهم في الجزائر، رغم أن السلطات أرخت قبضتها القوية على صناديق الاقتراع لتجاوز العاصفة.

انتخابات 2017: المال الفاسد

  • شهدت هذه الانتخابات نزولًا حادًّا في مقاعد جبهة التحرير التي لم تحصل سوى على 161 مقعدا من إجمالي 462 بعدما خسرت 60 مقعدا، لكن التجمع الوطني سجل بالمقابل صعودا قويا بفوزه بـ100 مقعد مضيفا إلى حصته 30 مقعدا.
  • تواصل تراجع الإسلاميين متأثرين بانقسامهم رغم محاولة جمع شتاتهم عبر تحالفين، الأول يسمى تحالف حركة مجتمع السلم الذي ضم إليه حركة التغيير المنشقة عنها، وحصل على 34 مقعدا فقط.
  • أما الثاني فيدعى تحالف الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء وضمّ 3 أحزاب (حركة النهضة، وجبهة العدالة والتنمية بقيادة جاب الله، وحركة البناء الوطني)، وحصل على 15 مقعدا.
  • اللافت في هذه الانتخابات صعود حزبين حديثين مواليين للسلطة، أحدهما منشق عن حركة مجتمع السلم، ويحمل اسم تجمع أمل الجزائر، بقيادة الوزير السابق عمار غول، حصل على 20 مقعدا، وغرف من أصوات الإسلاميين.
  • والآخر أسسه عمارة بن يونس، الوزير السابق، القيادي المنشق عن التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، وأطلق على حزبه اسم الحركة الشعبية الجزائرية، حصل على 15 مقعدا، وكان تأثيره كبيرا في حزبه الأم الذي لم يحصل سوى على 9 مقاعد فقط.
  • حتى جبهة القوى الاشتراكية لم تتمكن من الحفاظ على 20 مقعدا التي تعودت الحصول عليها وحصلت على 14.
  • فرض رجال الأعمال أنفسهم ضمن قوائم المستقلين، التي حازت 28 مقعدا، وتدور حول بعضهم شبهات فساد، واعتُقل عدد منهم بعد رفع الحصانة عنهم، مع تفجر الحراك الشعبي في 2019.
المصدر : وكالة الأناضول