837 قائمة "حرة" تراهن على الميدان.. هل يتفوق المستقلون على الأحزاب في برلمان الجزائر؟

الطاهر غوار مترشح مستقل فضل النزول إلى ملاعب الكرة لتحسس انشغالات الرياضيين في المحافظة (الجزيرة)

في مدينة العلمة بمحافظة سطيف (شرق العاصمة الجزائر) اختار عبد الحفيظ بكيس، المحامي وأستاذ القانون الخاص، النزول إلى أكبر حي تجاري في البلاد، لمقابلة التجار والمواطنين ضمن فعاليات الحملة الدعائية الميدانية التي يخوضها بصفته مترشحًا مستقلا، ضمن قائمة "شباب تنمية الجزائر"، لانتخابات البرلمان المزمع تنظيمها في 12 يونيو/حزيران الجاري.

وهناك آثر الإصغاء إلى انشغالات كبار التجار والمستوردين ورجال المال، عوض دعوتهم لإسماعهم خطبة عصماء في قاعة مكيفة، فكانت الفرصة مواتية له لجسّ نبض الشارع مباشرة ومعرفة تحديات هذه الشريحة من المواطنين.

وأسهب هؤلاء في سرد تحديات التجارة الخارجية والاستيراد في زمن كورونا، ما أدى بكثير منهم إلى الإفلاس، كذلك طرحوا مشكلات التضخم الضريبي والديون البنكية لأصحاب القروض، مُطالبين بالإعفاء.

وقال بكيس، في تصريح للجزيرة نت، إنه فضّل الاتصال المباشر بالناخبين إيمانا منه أن العمل النيابي ميداني، والمواطن بحاجة إلى من ينزل إليه ليسمع همومه ثم يتكفل بها.

ورأى أن خطابات القاعات من طرف واحد منفّرة للناس، ولم تعد ذات فائدة دعائية، بفعل عزوف المواطنين أصلًا، ما جعلها أشبه بحوار طرشان وسط صراخات جوفاء.

من جهته، اختار الصيدلي إراوان محمد تقي الدين، وهو مترشح مستقل بقائمة "نخب الجزائر" عن محافظة عين تموشنت (غرب العاصمة)، اختار التوجه إلى ملاعب الأحياء الشعبية حيث شارك روادها لعبة الكرة فوق المستطيل الأخضر.

واغتنم حالة النفور من مرشحي الأحزاب، ليزرع الثقة ميدانيًّا بين المترشح والمواطن، التي انعدمت نتيجة ممارسات خطأ، ويتحسس مشكلاته اليومية عن قرب، على حدّ تعبيره.

وهي الطريقة الدعائية نفسها التي انتهجها الناشط والطبيب الطاهر غوار، المترشح المستقل في "قائمة النجاح" عن محافظة أم البواقي (شرق العاصمة)، إذ ركز على جولات محليّة إلى الفضاءات العامّة، وفي مقدمتها المساحات الرياضية، طمعًا في استقطاب الجماهير ورموز الملاعب.

كذلك عقد مقابلات كثيرة مع أعيان المنطقة وممثلي الجمعيات الأهلية لتبادل وجهات النظر بشأن الحاجات التنموية المستعجلة للمحافظة.

خطط انتخابية

وتظهر هذه التحركات أن المترشحين المستقلين قد حسموا أمرهم التنافسي بالرهان على النشاط الميداني، عبر النزول إلى المقاهي والأسواق ومختلف الأماكن العامة، لاستهداف الكتلة الصامتة، عوض عقد تجمعات تقليدية داخل قاعات مغلقة، على طريقة رؤساء الأحزاب، ولا حتى التعويل على الدعاية الافتراضية.

ويعتقد هؤلاء، في تصريحات للجزيرة نت، أن التجمعات الحزبية ليست في الواقع إلا "خطابا ذاتيا" بين القيادة ومناضليها، يتم التجنيد له بإمكانات كبيرة دون جدوى فعلية في إقناع الناخبين من خارج الإطار التنظيمي.

أما بشأن عدم التركيز على مواقع التواصل الاجتماعي، فهم يعتقدون أن رواد الفضاء الأزرق في عمومهم غير معنيين بالانتخابات في الجزائر، أي ينتمون إلى الفئة الشبابية المقاطعة تحت تأثير ناشطين سياسيين، وعليه لا فائدة من تضييع الوقت معهم.

وتجدر الإشارة إلى أن عدد القوائم الانتخابية المستقلة في هذا الاستحقاق بلغ 837 قائمة من مجموع 1483 قائمة مشاركة في انتخابات 12 يونيو/حزيران، وهو ما لم يحدث في تاريخ الانتخابات الجزائرية.

كذلك قررت السلطات أول مرة دعم المرشحين المستقلين من الشباب بـ300 ألف دينار جزائري، أي ما يعادل ألفي دولار لكل مترشح لتغطية نفقات الحملة الانتخابية.

عبد الحفيظ بكيس مترشح مستقل نزل إلى أكبر حي تجاري في الجزائر لمقابلة رجال المال والمواطنين (الجزيرة)

الاتصال المباشر

وفي تفسيره لسلوك المرشحين المستقلين ومدى أهمية الحملة الميدانية في الانتخابات الجزائرية، يرى الطاهر أعمارة الأدغم، أستاذ الإعلام بجامعة الوادي، أن قوائمهم لا تملك في الغالب قدرات التنظيم والتعبئة، ولا الإمكانات المادية مثل الأحزاب، فتلجأ إلى اللقاءات المباشرة، لأنها البديل الأكثر ضمانا لوصول الرسالة واستمالة الناخبين.

وأوضح، في تصريح للجزيرة نت، أن بعض القوائم مستقلة في الظاهر لكنها عشائرية الخلفية، ومن ثم تحاول الوصول إلى مناصريها المفترضين عبر اللقاءات المباشرة في تجمعات العشيرة وفروعها، والزيارات الأسرية للمترشح أو أفراد عائلته.

كذلك يوجد المرشح الحزبي لكن وراءه عشيرة، فيسهم في التجمعات الحزبية مع القائمة، ثم يتواصل مع العشيرة ميدانيا وأسريا وعبر لقاءات وزيارات أقرب إلى العفوية، على حد وصفه.

وأكد أن اللقاءات المباشرة لها فاعلية كبيرة، وفي التجارب الانتخابية السابقة وصل مترشحون إلى البرلمان عبر تكثيفها، وكاد آخرون أن يصلوا بجهود ركزت على الاتصالات الفردية والمقابلات الميدانية.

وأضاف أن حالة العزوف والتوجس لدى المواطنين تجعل تلك الدعاية ضرورية، فليس هناك تدافع وتنافس للمشاركة في التجمعات الحزبية، إذ يقتصر الحضور في الغالب على أعضاء الحزب وأسرهم والقريبين جدا منهم.

الأحزاب السياسية تعتمد على المهرجانات والمؤتمرات في دعايتها الانتخابية (الجزيرة)

الأفضلية للأحزاب

من جانب آخر، قال المحلل السياسي فاتح قرد، إن "مرشحي القوائم المستقلة يركزون على العمل المباشر وتكثيف الاتصال ميدانيا لمحاورة المواطن بشأن التردد الانتخابي بفعل اليأس من تغيير حالهم إلى الأحسن".

وأكد، في تصريح للجزيرة نت، أن المهرجانات الانتخابية تأثيرها ضعيف في تعديل قناعة المواطن، بخاصة أنها تضم في الغالب مناضلين للأحزاب، هم بالأساس داعمون، ولكن منظميها يرمون إلى تحقيق التأثير في بقية المنافسين بإظهار البهرجة اللازمة وتحقيق الإبهار الانتخابي.

ومع هذا لا يمكن الجزم، مثلما يضيف البرلماني السابق، أن المترشحين المستقلين سيكونون في حال أفضل من حيث النتائج يوم الاقتراع.

وسوّغ المحلل استشرافه بتعقد النظام الانتخابي الذي يجعل الأفضلية للأحزاب السياسية التقليدية والكبيرة التي تنتشر هياكلها ويتوزع ممثلوها في المحافظات والبلديات بوجه أكبر وأوسع من القوائم المستقلة، ما يمكنها من تجاوز عقبة العتبة المقدرة بـ(5%) من الأصوات الصحيحة.

والسبب الآخر هو عدم إغفال مترشحي الأحزاب السياسية أيضا العمل الميداني الذي يقومون به دون الحاجة إلى دعم رؤساء أحزابهم، ويكونون أكثر إقناعا إذا كانوا منتخبين وسبق لهم النجاح وتحقيق الإنجاز في إدارتهم للشأن المحلي أو أدائهم البرلماني السابق، على حد تعبيره.

المصدر : الجزيرة