معبر رفح.. حكايات مؤلمة وذل وابتزاز لمسافري غزة

رواية المعاناة تبدأ من "معدية الفردان" على قناة السويس المصرية، مرورا بكثير من الحواجز ونقاط التفتيش الأمنية والعسكرية المنتشرة في سيناء وصولا إلى معبر رفح البري.

عالقين من الفلسطينيين في الجانب المصري من معبر رفح
فلسطينيون عالقون على الجانب المصري من معبر رفح (الجزيرة-أرشيف)

ليلتان و3 أيام قضاها محمد أيوب ووالده المريض في العراء يفترشان الأرض ويلتحفان السماء مع آلاف العائدين من القاهرة إلى قطاع غزة، في رحلة كانت لا تستغرق سوى 6 ساعات.

ووصف أيوب -للجزيرة نت- هذه الرحلة بأنها "قطعة من جهنم"، تبدأ فصولها من "معدية الفردان" على قناة السويس المصرية، مرورًا بكثير من الحواجز ونقاط التقتيش الأمنية والعسكرية المنتشرة في سيناء وصولًا إلى معبر رفح البري.

معدية الفردان

خرج أيوب مع والده المريض من القاهرة فجر الاثنين الماضي، ووصلا إلى معدية الفردان، ليذهلهما مشهد مئات السيارات المتلاصقة في طابور طويل بانتظار إجراءات التفتيش المعقدة من جانب قوات الجيش المصري، قبل السماح لها بالمرور إلى الضفة الأخرى لاستكمال طريقها نحو غزة.

وقال أيوب "قضينا ليلتين على المعدية، وسط أجواء شديدة البرودة، شعرت فيهما بالقلق الشديد وبأنني لن أصل بوالدي المريض سالمًا إلى غزة".

ومنذ إغلاق "كوبري السلام" على قناة السويس لدواع أمنية، قبل نحو 7 أعوام، تخصص السلطات المصرية معدية الفردان لمرور الفلسطينيين ذهابًا وإيابًا، رغم وجود معديات أخرى، مما يتسبب في ازدحام شديد يعمق من معاناة المسافرين.

وكان أيوب غادر غزة قبل أكثر من شهرين في رحلة علاج لوالده المريض بسرطان الرئة، ولم يتمكن من العودة، بسبب إغلاق السلطات المصرية معبر رفح، وهو المنفذ الوحيد لمليوني فلسطيني من وإلى القطاع عبر الأراضي المصرية.

ما بعد مرسي

وزادت معاناة الغزيين على معبر رفح منذ إطاحة الجيش المصري الرئيس الراحل محمد مرسي عام 2013، إذ تغلق السلطات المصرية المعبر أوقاتا طويلة، وتفتحه استثنائيًا لأيام قليلة أمام الحالات الإنسانية.

وقال أيوب إن "ما يتعرض له المسافر الفلسطيني لا يصدّق ولا يطاق.. الكثير من الإهانات والذل والابتزاز والسرقة".

"سافرت إلى مصر وإلى دول كثيرة، لكنني لم أشاهد في حياتي ما شاهدته في أثناء عودتي الأخيرة إلى غزة.. أطفال ونساء ومسنّون ينامون على الأرض، ولا يجدون ما يقيهم برد الصحراء، ولا حمامات يقضون فيها حاجاتهم"، يضيف أيوب.

وزاد "كل شيء بالمال، ابتزاز حتى عند حاجتك إلى دخول حمام شديد القذارة، أو شراء طعام رديء، حتى أصبحت تكاليف الرحلة التي كانت لا تتجاوز 50 دولارًا تبلغ 500 دولار وأكثر".

وهذا المال لا يتوفر مع غالبية المسافرين فتكون معاناتهم مضاعفة، ويقول أيوب "شاهدت نساء ينزوين بعيدًا عن الأعين لقضاء حاجاتهن وراء شجرة".

مصر تفتح معبر رفح لثلاثة أيام فقط
غالبية من عادوا هم ممن دفعوا مبالغ مالية لوسطاء وشركة سياحية على علاقة بالأمن المصري (الجزيرة)

سرقة وابتزاز

وتشجع إجراءات التعقيد، التي تمارسها القوات الأمنية والعسكرية المصرية، على عمليات الابتزاز من جانب السائقين ومن وصفهم أيوب بـ"تجار المعاناة"، وقال "السفر عبر معبر رفح أصبح تجارة لأطراف كثيرة، ومن يفترض بهم الحماية والتسهيل يرتكبون ممارسات قطاع الطرق".

وأضاف "لأنني أعلم ما يتعرض له المسافر من عمليات نهب وسرقة، لم أحمل معي شيئا ثمينا، لكنني شاهدت بعيني مصادرة عناصر أمنية وعسكرية على الحواجز ونقاط التفتيش هدايا من حقائب المسافرين.. ورأيت سيدة ستينية تبكي وتتوسل إلى ضابط لكي لا يصادر هاتفًا محمولًا جلبته هدية لابنتها من تركيا وتمتلك فاتورة به وقد مرّت به من مطار القاهرة، لكن من دون جدوى، ولم تتوقف عن الدعاء عليه طوال الطريق إلى غزة".

ويعدّ أيوب نفسه من المحظوظين لوصوله سالمًا مع والده إلى غزة، رغم رحلة الآلام والمعاناة، في حين أن أيام فتح المعبر الأربعة لم تكن كافية ليجتاز آلاف الفلسطينيين رحلة العودة، وسيضطرون إلى انتظار موعد جديد لفتح المعبر.

وحسب "الهيئة العامة للمعابر والحدود" في وزارة الداخلية الفلسطينية، استطاع فقط 2702 من الفلسطينيين العودة إلى غزة.

ويقول ناشطون فلسطينيون -عبر مواقع التواصل الاجتماعي- إن غالبية من عادوا هم ممن دفعوا مبالغ مالية لوسطاء وشركة سياحية على علاقة بالأمن المصري في مقابل إجراءات تسهيل.

تجار السفر

وقال الكاتب الصحفي هشام ساق الله، في مقال سرد فيه معاناة صديق له خاض تجربة السفر المريرة، إن فتح المعبر أصبح فرصة للفاسدين من الضباط المصريين.

ولا تقتصر المعاناة على العائدين إلى غزة، فيقول ساق الله إن هناك شركات تستغل الراغبين في السفر من غزة للتنسيق لهم في مقابل مبالغ متفاوتة، تتجاوز ألف دولار للفرد الواحد، ويتقاسمها وسطاء في غزة وضباط متنفذين في مصر.

وأعربت فصائل المقاومة -في بيان- عن دهشتها مما يتعرض له العائدون إلى غزة، وأغلبهم من كبار السن والنساء والمرضى والطلاب، ومن مكوثهم أيامًا في البرد القارس.

وقالت إن "هذه المعاناة تزيد وطأة عذاب السفر والتعب عليهم، خصوصًا في ظل إغلاق معبر رفح لفترات متباعدة، رغم تقديرنا للظروف الأمنية التي تعيشها مصر الشقيقة".

وتزامنًا مع توجّه الفصائل إلى القاهرة للمشاركة في الحوار الوطني، تعالت الأصوات بأهمية بحث قضية معبر رفح مع السلطات المصرية، والمطالبة بضرورة إعادة العمل فيه بصورة طبيعية تحفظ كرامة المسافرين الفلسطينيين.

المصدر : الجزيرة