مؤتمرات بغداد قبل الانتخابات.. دعاية مبكرة للكاظمي أم خطوة لحفظ ماء الوجه؟

انقسمت الآراء وتعددت بشأن لغز توقيت عقد رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي المؤتمرات قبل فترة قصيرة من موعد الانتخابات النيابية العامة المقررة الشهر المقبل.

Baghdad Conference for Cooperation & Partnership
الكاظمي خلال ترأسه مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة (الأناضول)

لم تكُ بغداد معتدلة الجو سياسيا مع ارتفاع درجات الحرارة فيها في الصيف اللاهب -كما هو معروف عنها بهذا الفصل- بعد أن شهدت مؤتمرا تلو الآخر بحضور كبار المسؤولين العرب والأجانب، وآخرها مؤتمر لمساعدة العراق في استعادة الأموال المنهوبة.

انقسمت الآراء وتعدّدت بشأن لغز توقيت عقد رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي المؤتمرات قبل فترة قصيرة من موعد الانتخابات النيابية العامة المقررة الشهر المقبل.

فهناك من اعتبر أنها جاءت دعاية للكاظمي قبل الانتخابات، عله يقع عليه اختيار الكتلة الأكبر في البرلمان القادم لولاية ثانية.

وآخرون رأوا أن هذه المؤتمرات جاءت في وقت حساس -قبل انتهاء ولاية الكاظمي بأسابيع- لحفظ ماء الوجه بعد إخفاقات الحكومة في تنفيذ العديد من الوعود التي قطعها عند تولي السلطة في شهر مايو/أيار 2020.

ورغم أن الكاظمي لم يُرشح في الانتخابات المقرّر إجراؤها الشهر المقبل، فإن ذلك لم يشفع له بأن لا توجه له أصابع الاتهام بطموحه وسعيه بتوافقات سياسية لنيل ولاية ثانية، لا سيما مع أنباء تشير إلى تقربه من التيار الصدري مع تمتّعه بعلاقات جيدة مع أطراف كردية وشيعية وسنية لانتخابه رئيسا للوزراء مرة ثانية، وجعل هذه المؤتمرات دعاية انتخابية له وللقوى التي تسانده.

وذكرت مصادر إعلامية عراقية أن مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة الذي احتضنته العاصمة يوم 29 أغسطس/آب الماضي بحضور عدد من زعماء الدول الإقليمية قد بلغت تكلفته نحو 5 ملايين دولار، ويأتي ذلك في وقت يواجه فيه البلد تحديات سياسية واقتصادية وصحية مع حاجته لميزانية لإجراء الانتخابات.

السراجي اعتبر أن المؤتمرات والاتفاقيات التي قام بها الكاظمي كان يهدف منها التسويق لنفسه لولاية ثانية (الجزيرة نت)

التسويق لولاية ثانية

المتتبع لفترة حكم الكاظمي، وما قام به من تفريق للاحتجاجات الشعبية وإضعاف هيبة الدولة مقابل الفصائل المسلحة، يتبيّن له -حسب المحلل السياسي أحمد السرّاجي- طبيعة وبراغماتية الرجل بالرغبة في الكرسي حتى لوكان ذلك على حساب الشعب والدولة.

وعليه، فإن كل المؤتمرات والاتفاقيات التي قام بها الكاظمي في الداخل والخارج -كما يرى السرّاجي- لم يقصد منها أي منفعة للعراق، وإنما من أجل التسويق لنفسه لولاية ثانية، ضاربا عرض الحائط ما تقرّره نتائج الانتخابات كونه يعرف أن الرأي الأخير سيكون لسفارتي أميركا وإيران في تحديد شكل الحكومة، وليس اختيار الناخب.

الكاظمي يلقي كلمة الافتتاح في مؤتمر استرداد الأموال المنهوبة (مواقع التواصل)

رجل الكواليس المظلمة

ويعتبر السراجي أن لقاء الكاظمي بالرئيس الأميركي جو بايدن ومنحه الضوء الأخضر لعقد قمّة بغداد وزيارته الأخيرة إلى طهران هو ما يعزز حظوظ الكاظمي لنيل الولاية الثانية بحكومة يشكلها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بالاتفاق مع الفرقاء المتصارعين على السلطة الذين يعرفون تمام المعرفة أن اختلافهم يعني زوال الحكم منهم وسقوط السقف على الجميع.

وهذه الصفات في الكاظمي دفعت السرّاجي إلى أن يصفه -في حديثه للجزيرة نت- بأنه رجل الكواليس المظلمة الذي أصبح بين عشية وضحاها رئيسا للوزراء، كما دفعته إلى إثارة كثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام عن مؤهلاته وتاريخه السياسي حتى تتفق عليه الكتل السياسية وتحديدا "سائرون" و"الفتح" ليكون بهذا المنصب.

الجبوري اعتبر أن المؤتمرات التي استضافتها بغداد مؤخرا تسجل في خانة إنجازات الدولة العراقية (التواصل الاجتماعي)

عودة العراق مفاوضا قويا

بالمقابل يبدو رئيس أكاديمية التطوير السياسي والحكم الرشيد، عبد الرحمن الجبوري، أكثر مرونة تجاه الكاظمي بقوله إن رئيس الوزراء ليس لديه حزب للدخول في الانتخابات، لكنه يؤدي واجب الدولة العراقية لإعادة البلد الى واجهة المجتمع الدولي، مقرّا بأهمية هذه المؤتمرات بالنسبة للعراق على المستوى الاقتصادي والاجتماعي مع وجود قراءة حقيقية من المجتمع الدولي في الترتيبات الدولية.

وفي رده على سؤال للجزيرة نت حول إمكانية أن تصب هذه المؤتمرات في مصلحة الكاظمي، يقول الجبوري إنها لصالح الدولة العراقية، ويُشير إلى أنه كلما أصبحت علاقاتنا أفضل بات الأمان والاقتصاد في البلد أحسن، مطالبا بالنظر لهذه المؤتمرات على أنها للعراق -بمشاركة الدولة العراقية كلها- وليست لشخص معين.

ويضع الجبوري هذه المؤتمرات في خانة إنجازات الدولة العراقية مع أهميتها بالنسبة للدولة بوجود العراق ليكون حاضنة دولية، مستندا بذلك إلى الاتفاقات الاقتصادية التي أتت بها المؤتمرات الأخيرة للعراق، ومنها اتفاقه مع كبرى الشركات العالمية ومنها "توتال" الفرنسية.

ومن مخرجات هذه المؤتمرات التي يُشير إليها الجبوري هو وجود الدعم السعودي والتركي للعراق، بالإضافة إلى عودته بقوّة مفاوضًا بين إيران والسعودية، وقطر والسعودية.

النائب ندى شاكر جودت الجزيرة
ندى شاكر اعتبرت أن المؤتمرات الأخيرة في بغداد مجرد هالة إعلامية للانفتاح على المحيط (الجزيرة نت)

القرية المتهالكة

وإلى حد ما، تتفق عضوة لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية، ندى شاكر جودت، مع السرّاجي بتقليلها من أهمية وتأثير هذه المؤتمرات، وتتساءل عن الإنجازات التي جاءت بها على أرض الواقع في القطاعات الزراعية والصناعية والجانب الاقتصادي في حين أنها تمر بأسوأ مراحل تاريخها.

ورغم هذا الانتقاد اللاذع، فإن النائبة تشير إلى نقطة إيجابية قد تكون الوحيدة لهذه المؤتمرات وهي أنها مجرد هالة إعلامية للانفتاح على المحيط العربي والإقليمي والدولي لا غير، لكنها تعود لتنتقد مجددا من حكموا العراق الحاملين للجنسيات الأجنبية بأنهم جعلوا البلد أشبه ما يكون بـ"قرية متهالكة" في المنطقة بسبب تراجع مستويات الأمان والخدمات والسيادة فيه.

واستكمالا لانتقادها لهذه المؤتمرات -في حديثها للجزيرة نت- تستغرب ندى جودت من فتح الحدود لاستيراد السلع من بعض الدول -ومنها مصر والأردن- بدل العمل على حماية المنتج المحلي وتطويره وتنشيطه لتوفير فرص عمل للعاطلين عن العمل، والقضاء على الفقر والبطالة والجريمة المُنظمة وتعاطي المخدرات والمشاكل الأخرى التي يعاني منها البلد والتي أساسها التراجع الاقتصادي.

السهلاني وصف استضافة العراق للعديد من المؤتمرات بالحالة الإيجابية التي تحفز دولا أخرى للتعامل معه (الجزيرة نت)

أبعاد سياسية

أما النائب عن تحالف الفتح الدكتور وليد السهلاني يُشيد -مثل الجبوري- بهذه المؤتمرات ومحاولة الدولة للانفتاح كما حصل في الآونة الأخيرة، ويصفها بالحالة الإيجابية التي تعطي حافزا مهما لبقية الدول للتعامل معه.

يحاول الكاظمي عن طريق هذه المؤتمرات أن يعطي صورة مغايرة بقدرته على إيجاد مرونة أبعد مع دول العالم والدول التي دعمت ووقفت مع العراق إبان تشكيل حكومته، وإيجاد سبل التعاون الدبلوماسي -حسب السهلاني- ليكون له جانب إيجابي على المستوى الداخلي والدولي بأن تحقق هذه المؤتمرات أبعاد سياسية في حقبته بعد غياب طويل عنها وتحديدا خلال فترة الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

المصدر : الجزيرة