زيارة خاصة - د.وليد سيف - صوورة عامة
زيارة خاصة

وليد سيف.. تجربة الدرامة التاريخية

تستضيف الحلقة الكاتب الدرامي الدكتور وليد سيف الذي نقل الأدب إلى الدراما التلفزيونية وأعاد بقلمه إحياء أجمل قصص التاريخ العربي.

– الدراما الإنجليزية والعمل الجاد
– التغريبة الفلسطينية توثيق يشهد على هول المأساة

– المشروع الوطني الفلسطيني

– مشاكل الرقابة ومتاعبها

– الدولة الأندلسية في الأعمال الدرامية

 
undefined
undefined


إلسي أبي عاصي: ليس الأدب وحده هو الذي نقرأه بل يصلح أيضا أن نشاهده عبر شاشات التلفزة، ضيفنا نقل الأدب إلى الدراما التلفزيونية وأعاد بقلمه إحياء أجمل قصص التاريخ العربي فكان أن رأينا صلاح الدين الأيوبي يدخل القدس منتصراً وعبد الرحمن الداخل يقيم الخلافة الأموية في الأندلس، ورشدي اللاجئ الفلسطيني يحمل البندقية ردا على هزيمة عام 67 بعد معاناة مع الاحتلال والتشرد، إنه الكاتب الدرامي الدكتور وليد سيف الذي راكم ذاكرته الدرامية ووعيه لتأثير هذا الفن السردي من أيام الدراسة في بريطانيا.

الدراما الإنجليزية والعمل الجاد


وليد سيف: الذي جذبني كثيراً إلى الدراما هو الدراما البريطانية أثناء لدراستي للدكتوراه في جامعة لندن، ومن المعروف أن المسرح الإنجليزي من أكثر المسارح في العالم عراقة، وله تقليدياً له وجهة اجتماعية يعني لا يتوجه فقط إلى الترفيه وللمعالجات السطحية وإنما دائما يحمل رسالة اجتماعية وهنا نتحدث عن المسرح الجاد بطبيعة الحال، وانعكس هذا التراث المسرحي ذو الوجهة الاجتماعية انعكس في الدراما الإنجليزية التلفزيونية، فالحقيقة جذبتني كثيراً وأسست لديّ هذه الرغبة أو هذا الميل للكتابة التلفزيونية.


إلسي أبي عاصي: إذن الذاكرة أو المخزون الدرامي الذي كونته لم يأت من العالم العربي إنما أتى من بريطانيا؟


وليد سيف: نعم، لا بد أعترف بهذا، الحقيقة..


إلسي أبي عاصي: ولد الدكتور وليد سيف عام 1948 في طولكرم وهو إذ يعيش اليوم في عمّان قال لي أنه ابتاع قطعة أرض خارج العاصمة الأردنية لأن عندما رآها ذكرته بطبيعة قريته في طفولته، طفولةٌ تمتزج فيها الذكريات الحلوة بالمرة كونه فتح عينيه على النكبة فرآها عند حدود البيت.


وليد سيف: بطبيعة الحال تركت في نفوس الأسرة آثار عميقة شأن أسرتنا في هذا شأن الأسر الفلسطينية الأخرى، ولكن طولكرم أيضا مدينة حدودية هي قائمة على الحدود التي كانت تفصل بين فلسطين 48 التي اغتصبت في ذلك الحين وبين الضفة الغربية، ولعلها أقرب نقطة إلى الساحل الفلسطيني، وعندما تدخلين إلى مدينة طولكرم على الأقل فيما أتصورها في ذلك الزمان تجدين أن المدينة تقوم على تلة وتحت أقدامها سهل طولكرم، يبدأ ضيقاً عندما تدخلين إلى المدينة ثم يتسع فإذا مشيت في هذا السهل، كلما مشيت متقدمة نحو الغرب تجدين أنه يتسع ثم عند نقطة معينة تجدين لوحة الحدود فتشعرين أن هذا حلم الاتساع الذي مضيت معه في مشيك قد انقطع مع هذه الحدود، طبعاً عندما نعيش في بيئة من هذا النوع ونتجول في السهول ستبقى فلسطين 48 على مرمى بصرنا، هي تذكرنا في كل حين، وأذكر أنني عندما كنت أتجول في سهل طولكرم قريبا من مصادر الطبيعة الأولى كنت أنظر إلى الطيور الطائرة في السماء تتجه إلى الغرب فتملك حرية أن تقطع هذه الحدود في فضائها، بينما يحال بيننا وبين ذلك الجزء العزيز من وطننا.


إلسي أبي عاصي: في حديثك الكثير من الحنين وأنت تتذكر الأماكن والسماء والأرض، أنت لا تذهب إلى طولكرم..


وليد سيف: نعم منذ مدة، منذ فترة طويلة نسبياً منذ عام 1986 لم أذهب إلى طولكرم، لكن قبل ذلك كنت أذهب بين الفينة والأخرى بالتأكيد.


إلسي أبي عاصي: ما سبب انقطاعك؟


وليد سيف: والله هنالك ظروف قاهرة حالت بيني وبين الذهاب هناك ولكن إذا كان من المتعذر عليّ في الوقت الحاضر أن أذهب هناك فأنا أجدها في أحلامي دائما.


إلسي أبي عاصي: ظروف أمنية.. ظروف سياسية؟


وليد سيف: لأ، ظروف الحقيقية يعني لا أستطيع أن أذهب هناك بدون الهوية، هوية المواطن، وأنا لا أملكها في الوقت الحاضر وليس ثمّ سبيل آخر للذهاب إلا عن طريق السفارة الإسرائيلية.


إلسي أبي عاصي: لماذا لا تملكها؟ لا تملكها عن قرار يعني ويلا، لا تملكها عن قرار شخصي ويلا هناك أسباب أخرى؟


وليد سيف: لأ، هناك أسباب جعلتني أفقد هذه الهوية.


إلسي أبي عاصي: هل لنا أن نعرفها؟


وليد سيف: لا صعب في الوقت الحاضر..


إلسي أبي عاصي: طيب بكل الأحوال تأثرت خلال طفولتك في طولكرم بمشاهد اللاجئين ومخيم اللاجئين الذي نُصب في مدينتكم أو قريتكم إبان النكبة، ماذا تذكر من هذا المخيم؟


وليد سيف: هو كان الحقيقة من مقادير بيتنا أن يكون بحذاء المخيم مباشرة ليس بيننا وبينه إلا طريق ضيقة، وقبل التهجير وقبل نكبة عام 1948 التمس والدي لنفسه مكاناً قصياً في المدينة لبناء بيتنا هناك لأنه كان شديد الحساسية ولا يحب أن يخالط الناس كثيراً، فكان من حظه أنه بعد فترة قصيرة من بناء البيت حدثت النكبة ونصب المخيم مباشرة إلى جانب بيتنا فتفتح وعيي في الخمسينات وأنا طفل صغير على مشاهد البؤس المؤلمة جداً جداً في المخيم حيث بدأ على شكل خيام ثم بعد ذلك تطور شيئا فشيئا إلى حاله القائمة، فكل هذا ترك في نفسي آثار عميقة جداً.


إلسي أبي عاصي: هل صادقت أحد يعيش في المخيم؟


وليد سيف: بالتأكيد، بالتأكيد ودعيني الحقيقة أذكر شيئا أنا من خلال التغريبة الفلسطينية حاولت أن أقدم المخيم باعتباره البطل الجمّعي أو البطل الجَمعي مهم جدا في تاريخ الوطن الفلسطيني لأنه كان عنوان المأساة في الجهاد وكان حاضنة النضال والمقاومة من جهة أخرى، وأردت أيضاً من خلال ذلك أن اعتذر للمخيم عن الآخرين على نحو ما، لماذا لأن الحد ما بين المخيم وبين بقية المدينة لم يكن حداً مادياً فقط بين البؤس وبين عنوان المأساة وبين بقية أهل المدينة إنما كان في الواقع فاصلاً اجتماعياً مؤلماً.


إلسي أبي عاصي: يعني حتى في بين الفلسطينيين أنفسهم هناك تمييز بين لاجئ وبين صاحب أرض.


وليد سيف: نعم، يجب أن أعترف بهذه الحقيقة، ولذلك الحقيقة المخيم الفلسطيني كان البطل لأنه استطاع أن يتجاوز ثقل الظروف اللاإنسانية التي عاش بها إنسان المخيم لينتج أساتذة جامعيين، وأطباء، وعلماء..الخ، غيروا من أوضاع أسرهم على الرغم من جميع هذه الظروف القاهرة.

التغريبة الفلسطينية توثيق يشهد على هول المأساة


إلسي أبي عاصي: عندما كتبت التغريبة الفلسطينية دكتور وليد إلى أي مدى استوحيت مشاهد، وقصص، وحكايات، من مخيم طولكرم.


وليد سيف: يعني جزء كبير من المادة الحكائية، المادة السردية في مسلسل التغريبة الفلسطينية في الواقع لم يأت من فراغ، ولم يأت من خلال قراءات فقط للحق يعني، صدرت عن ذاكرتي المحمّلة بكل هذه القصص التي كنت أستمع إليها من أهل المخيم الذين كانوا يأتون ويجلسون مع والدي رحمه الله في دكانه الصغيرة، بالإضافة إلى ما كنت اسمعه من أهلي من والدي، ومن أعمامي، ومن أقاربي، ولكل منهم حكاية وقصة إلخ، وتتشابه القصص على نحو ما، فعندما جئت لكتابة العمل بالإضافة إلى المصادر المكتوبة الحقيقة وبالإضافة أيضاً إلى التجارب الشخصية، وجدت نفسي الحقيقة أركب الشخصيات من جماع هذه القصص فأستطيع أن أرد كل شخصية، يعني الشخصية ليس بالضرورة أن تحيل إلى شخصية واحدة ممكن أن تحيل إلى أكثر من شخصية.


إلسي أبي عاصي: مزيج..


وليد سيف: مزيج لهذه الشخصيات، ولعله لهذا السبب تكرر القول باعتبار ذلك جزء من ردود فعل الناس الذين شاهدوا العمل، تكرر القول هذا عمي، هذه الشخصية هي عمي، وهذه الشخصية خالي، وهذه جدتي، وهذا جدي.


إلسي أبي عاصي: حتى أنه قيل إنك في التغريبة الفلسطينية كتبت قصة عائلتك.


وليد سيف: نعم، إلى حد ما، حتى أبناء العائلة عندما شاهدوا العمل قالوا هذا فلان وهذا فلان وهذا فلان من عائلتك، لأنه لا يستطيع الإنسان أن يتحرر من محتوى وعيه ومن محتوى ذاكرته.


إلسي أبي عاصي: ولكن تحديداً أكثر لنكون أدق قيل أنك جسدت قصة عمك الدكتور محمود إبراهيم.


وليد سيف: نعم الذين يعرفون عمي الدكتور محمود إبراهيم لمسوا هذا.


إلسي أبي عاصي: متى دخل التليفزيون إلى المنزل إلى منزلكم هل تذكر؟


وليد سيف: لأ الحقيقة في طولكرم لم يدخل التليفزيون إطلاقاً لأنه أنا خرجت من طولكرم عام 1966 وكان لي من العمر 19 عاماً.


إلسي أبي عاصي: ولم تكن قد شاهدت التليفزيون.


وليد سيف: لا، لم يكن التليفزيون قد دخل المدينة، لم يكن هناك أصلاً بث محلي تليفزيوني، يعني التليفزيون الأردني لم يكن قد تأسس في ذلك الحين، ولكن أذكر أننا كنا نمر ببعض محلات بيع الأجهزة الكهربائية، وفي يعني قبل أن أترك طولكرم دخل التليفزيون وكان فقط يلتقط الإشارات من مصر بصورة مشوشة، فلم يكن هناك ما يشجع على شراء التليفزيون في ذلك الحين.


إلسي أبي عاصي: هذا كان في أي عام تقريباً؟


وليد سيف: هذا الكلام حتى عام 1966، لكن منذ أن أعتقد عام 1968 بدأ التليفزيون الأردني فصار من الطبيعي إنه الناس بالتدريج يعني يعتادون.


إلسي أبي عاصي: طيب ذاكرتك مع التليفزيون يعني هل كنت تشاهد مسلسلات عندما أتيح لك هذا الأمر، هل كنت تتابع ما يبثه التليفزيون؟


وليد سيف: نعم، كنا نشاهد التليفزيون بقدر معلوم، لأنه كانت لنا أنشطة أخرى، أنشطة ثقافية، وأدبية، وشعرية، فلم نكن نجلس أمام التليفزيون مدة طويلة لأنه أيضا كنا منشغلون في الجامعة ودرست بالجامعة وكنت في سكن الطلاب في ذلك الحين، فكنا نشاهد بين الفينة والأخرى ولكن لم نتعلق أو على الأقل أتحدث عن نفسي لم أتعلق ببرنامج معين أو بمسلسل معين، وكانت المسلسلات بدائية في ذلك الحين، وبالتالي لم تؤسس في المراحل الأولى لوعي بالدراما أو السرديات الدرامية بصورة عامة، كان هذا بعد وقت قصير.

[مشاهد من مسلسل التغريبة الفلسطينية ]

إلسي أبي عاصي: الحد الفاصل الذي وقف عنده وليد سيف طفلا في طولكرم عاد وأوقف عنده علي في التغريبة الفلسطينية، هذه الدراما التي جسدت معاناة الفلسطينيين من خلال حكاية أسرة فلسطينية عايشت الفترة بين الاحتلال البريطاني لفلسطين في الثلاثينات، والاحتلال الإسرائيلي في الستينات، سجلت نجاحاً واسعاً في عالم عربي تشح فيه الأعمال الدرامية المتعلقة بقضيته المركزية. بالنسبة لوليد سيف التغريبة الفلسطينية دليل لجميع الكُتّاب والمبدعين على أن التقصير تجاه القضية الفلسطينية مبالغ فيه لأنه يمكن تحقيق اختراق مهما كان النظام السياسي صلباً.


وليد سيف: على الأقل هذا ما يدعيه الكتاب، يعني حين يعتذرون عن عدم إسهامهم في تقديم أعمال درامية تتناول القضية الفلسطينية، على الرغم من أنها مستودع هائل للمعالجات الدرامية، نحن نعلم أن الحركة الصهيونية في كل سنة تنتج أعمالا درامية..

إلسي أبي عاصي : صحيح


وليد سيف: هائلة سواءً في السينما أو التلفزيون أو في المسرح من وحي المحرقة.


إلسي أبي عاصي : هناك الآلاف من الأعمال التي تؤرخ للمحرقة.


وليد سيف: تمام، وتوظفها سياسياً من أجل سياستها الصهيونية الحالية، فنحن أحرى وأحق وأجدر بأن نسطر أو نستعمل هذه المادة المتعلقة بالقضية الفلسطينية لنؤسس عليها أعمالاً درامية مختلفة لا سيما أننا نعيش في عصر الصورة والأعمال ذات الطابع البصري أكثر جاذبية من الآن من القراءة من مجرد القراءة، فيعتذر الكثير من الكتاب لسلطة النظام .. الخ. لعل ما يقولونه صحيح إلى حد ما، لعل على الأقل فيه شطر من الحقيقة، ما في شك إذا أراد الإنسان أن يكون أميناً على الحقائق التاريخية.


إلسي أبي عاصي: من هي الجهة التي تعتبر نفسها مهددة من تجسيد هذه القصص والحكايات المتعلقة بالقضية الفلسطينية؟


وليد سيف: لأنه ما في شك إذا تحدثنا بصراحة عن مجريات القضية الفلسطينية، لا بد أن نتحدث عن الواقع العربي ومن ثم هذا يحيل إلى النظام العربي بصورة عامة وانكساره أمام المشروع الصهيوني، وهذا يتضمن إدانة على نحو ما لهذا الواقع السياسي العام، فأقول هناك شقف من الحقيقة بشكل عام ولكن هذا لا يعذر الكتاب لأنهم يستطيعون دائماً كما قلت أن يخترقوا هذا النظام مهما كان صلباً، وأن يقدموا أعمالا ذا قيم ومقبولة في نفس الوقت.


إلسي أبي عاصي:عندما كتبت التغريبة الفلسطينية، هل واجهت صعوبة مثلاً في إيجاد إنتاج، في إيجاد من يتبنى هذا العمل مثلاً؟


وليد سيف: في هذه النقطة، هذا سؤال جيد جداً في الحقيقة لأنه بدلاً من أن نحيل التهمة فقط إلى الأنظمة فلنكن أمناء على الحقيقة، المشكلة كانت تبدأ دائماً من شركات الإنتاج نفسها، يعني هي تقدر مسبقاً أنه لن يسمح لها بعرض هذه الأعمال، وبالتالي إذا قامت بإنتاجها فسوف تخسر، فكانت تتجنب تبني مثل هذه الأعمال قبل أن يقال لها لا تفعلي، يعني هي تفترض..


إلسي أبي عاصي: نوع من الرقابة الذاتية.


وليد سيف: رقابة ذاتية، فلا تغامر بأموالها في مثل هذه الأعمال مع الأسف الشديد، ودعيني في هذا السياق أصحح بعض ما قيل عن تاريخ كتابتي لسيرة التغريبة الفلسطينية، أنا لم أكتبه في عام 2002 ولا حتى في عام 2000، أنا فرغت من كتابته في عام 1987، وكنت قد أنفقت فيه ثلاثة أعوام في البحث والدراسة وجمع القصص وثم في الكتابة، ومع الأسف الشديد بقي كل هذه السنوات بعد ذلك قيد الإنتاج دون أن ينتج.


إلسي أبي عاصي: ما هي أبرز العراقيل التي واجهتك من 1987؟


وليد سيف: تردد المنتجين، تردد المؤسسات الإنتاجية، يعني لم يصلني كتاب من حكومة تقول لا تفعل، إنما حتى الذي اشترى العمل ابتداء لم ينتجه.


إلسي أبي عاصي: طيب التحفظ كان على كل العمل أم نقاط معينه فيه؟


وليد سيف:لا لم يكن هناك أي تحفظ على العمل نفسه، ليس العمل..


إلسي أبي عاصي:على الفكرة بحد ذاتها.


وليد سيف: بالضبط على الخوف من أن القنوات التلفزيونية تتردد في عرض العمل، ومن ثم تذهب تكاليف الإنتاج هدراً، طبعاً هذا كان قبل أيضاً أن تتقدم الفضائيات، الفضائيات لا شك أنها كسرت احتكار الحكومات للقنوات التلفزيونية، وصارت تتمتع بهامشٍ أوسع من الحرية، وهذا الذي شجع على إنتاج العمل على هيئة التغريبة الفلسطينية.


إلسي أبي عاصي: طيب التغريبة حقق نجاحاً جماهيرياُ هائلاً، يسأل لماذا لم يكرر وليد سيف التجربة؟


وليد سيف: الحقيقة دائماً جزء من الإجابة على الأقل متضمن في السؤال، عندما يقدم على الأقل أتحدث عن موقفي الشخصي، عندما أقدم عملاً يحظى بنجاح كبير، أشعر بالهيبة من الجزء الثاني، أشعر بالهيبة من أن أتابع.. لأن الناس سيقيسون العمل التالي على السابق، فلا يجوز أن يكون أقل منه مستوى، بل يحسن أن يكون أفضل منه هذه نقطة، النقطة الثانية توقفت في التغريبة الفلسطينية عند عام 1968، إذا أردت أن أتابع من تلك النقطة حتى الآن لا شك أن المشاكل الرقابية، المشكلات الرقابية ستكون أكبر بكثير..

إلسي أبي عاصي: أسوأ بكثير..


وليد سيف: بالتأكيد، فلا بد أن تعالج هذه بحرص على نحو ما، وإن كان هذا ليس عذراً على الإطلاق فأنا عملياً ما أزال فعلاً مهتم بهذا الموضوع، وأفكر جدياً بعمل أعمال أخرى فلسطينية إما أن تكون إمتداداً للسيرة الفلسطينية وأجيالها الجديدة، وإما أن يكون عملاً جديداً تماماً بشخصيات جديدة.

المشروع الوطني الفلسطيني


إلسي أبي عاصي: بما أننا نتحدث عن التغريبة الفلسطينية، أنت لك آراء سياسية دكتور وليد مما يجري اليوم في القضية، برأيك المشروع الوطني الفلسطيني أين هو اليوم وأين أصبح؟


وليد سيف: هذا سؤال يحتاج إلى جلسات لكن باختصار بطبيعة الحال أنا لست ومن خلال مقالاتي عبرت عن هذا بوضوح وبصراحة، أنا ضد هذا الخط الذي تمضي فيه الآن السياسة الفلسطينية الرسمية، نحو تنازلات وبدون سقف وطني واضح إطلاقاً وبدون مرجعية واضحة، نتحدث عن الثوابت الفلسطينية، ولكن هذه الثوابت الفلسطينية تخضع الآن لتأويلات مختلفة، ويعاد تعريفها بين الفينة والأخرى على وفق الضغوط التي تمارس على الشعب الفلسطيني، وعلى النظام الفلسطيني إذا جاز التعبير، وأنا في رأيي أن المشكلة أن الحركة الوطنية الفلسطينية، دخلت في وقت مبكر إلى النظام الإقليمي والنظام الدولي، وعادة حركات التحرر تعمل خارج النظم الرسمية إلى أن تحقق التحرير وتقيم دولتها المستقلة، ثم بعد ذلك تندمج في النظام الإقليمي والنظام الدولي، يعني إذا دخلت فيه قبل أن تحقق هدف التحرير، يعني تحملت كل ضغوط ومغارم واشتراطات واستحقاقات النظام الرسمي العام، دون أن تكون قد حققت أهدافها الوطنية.


إلسي أبي عاصي: يقاوم وليد سيف عملية اختطاف أحلام جيل بأكمله على ما يقول، من المد القومي الذي وقفت في وجهه الأنظمة ذات الطابع البوليسي، إلى التجارب اليسارية التي لم تستطع أن تتكيف مع السياق العربي، إلى الاتجاه الإسلامي التحريري الذي اختطفه التطرف فسألته إذا كان توظيفه المستمر للتاريخ في الدراما يشكل جزءا من مقاومته هذه.


وليد سيف: ما في شك، الحقيقة توظيف التاريخ في الدراما، يتوجه بعدد من المنطلقات وإلى عدد من الغايات ما في شك أن، لأن أولا العمل الدرامي ليس عملا تسجيليا وليس عملا وثائقيا، فليس من مهمة العمل الدرامي الذي يستلهم المادة التاريخية فقط أن يقدم معلومات، أن يقدم قيمة معرفية فقط عن التاريخ الماضي، فان كان هذا هو الهدف فربما كان من الأجدى أن نلجأ إلى العمل التسجيلي أو العمل الوثائقي


إلسي أبي عاصي: ماذا يقدم أيضا؟


وليد سيف: العمل الدرامي هو عمل درامي عمل فني يقدم قيمة فنية وقيمة إنسانية تتجاوز خصوصية الزمان والمكان، يعني ينطلق من فترة تاريخية معينة، لها خصوصية معينة في زمانها ومكانها ولكن من خلال المعالجة الدرامية، تجاوز هذه الخصوصية إلى الأفق الإنساني ليخاطب الإنسان في الوقت الحاضر فالإنسان عندما يكتب، يكتب وفي ذهنه المتلقي الآن، فإذن يريد أن يرسل رسالة تتعلق بواقع الإنسان المعاصر، دون تعسف ودون أن يوظف التاريخ بطريقة فجة، بمعنى أنه يعني يحرف في الحقائق التاريخية ويخرج بها عن سياقها، ويسقط عليها أفكاره إسقاطا مقحما غير مقنع، ولابد أن ينطلق من ظروف الزمان والمكان بالفعل من خلال المعالجة الدرامية ليقدم رسالة إنسانية في الوقت الحاضر، وقيمة فنية جمالية في نفس الوقت، فإذن شأننا في التعاون دراميا مع المادة التاريخية هو نفس شأن الإنسان عندما يتعاون مع مادة الواقع القائم، لأنه في النهاية كلاهما يتعلق بالواقع القائم طالما أن الرسالة التي يريد أن يتوصل بها إلى المشاهد رسالة معاصرة.


إلسي أبي عاصي: إذا كان الحال كذلك لماذا دائما اللجوء إلى التاريخ، وهنا أنا أتحدث عن التاريخ القديم، هل من رسالة محددة من وراء ذلك؟


وليد سيف: نعم، كما قلت، طبعا هذا يختلف من مادة تاريخية إلى مادة تاريخية أخرى، يعني ليست هناك رسالة واحدة


إلسي أبي عاصي: يعني أكون أوضح دكتور وليد، معظم الأعمال التي كتبتها لم تحدث في القرن العشرين.


وليد سيف: نعم، لم تحدث في القرن العشرين، لكن النماذج الإنسانية التي تشخصت فيها موجودة بمظهر مختلف، وفي سياق آخر في القرن العشرين، الآن عندما نقرأ شكسبير لماذا نقرأه، فقط لنعرف كيف كانت الدراما في زمنه، هل نقرأه باعتباره وثيقة تاريخية فقط تدلنا على عصر من العصور الماضية، لا، طبعا مازلنا نقرأ فيه معان جديدة ما تزال هذه المعني تتجدد، ليه، لأنه صحيح انطلق من مادة تاريخية في عصره أو قبل عصره، ولكنه من خلال هذه المعالجة الدرامية تجاوز ظرفية الزمان والمكان ليخاطب الإنسان عامة، ومن ثم طبيعة الفن أنها تفتح الأعمال الفنية الإبداعية والأعمال الأدبية الإبداعية، أنها تفتح نفسها لمستويات مختلفة ومتجددة من التأويل وتنطلق من الخاص إلى العام والإنساني.


إلسي أبي عاصي: سأتوقف معك عند جملة مهمة قلتها، قلت صحيح أن الأحداث أو التواريخ لم تحدث في القرن العشرين في المسلسلات التي كتبتها ولكن الشخصيات ما زالت موجودة.


وليد سيف: نعم، النماذج الإنسانية والأسئلة الفكرية المطروحة السؤال حول الشورى، حول الديمقراطية حول الطغيان حول مفهوم العدالة حول طبيعة الإنسان المركبة، التي يعني تتجاذبها قوى مختلفة، تدفعها يمينا وشمالا والخيارات التي يقوم بها الإنسان حول مصيره، والعلاقة ما بين خيارات الإنسان وبين الأقدار و نحو ذلك، كل هذه أسئلة لها طابع إما وجودي أو سياسي أو إنساني عام.


إلسي أبي عاصي: صحيح، ولكن هناك من يقول أنك تتعمد اللجوء إلى هذا الأسلوب حتى تصبح الإسقاطات السياسية على الواقع، على واقعنا وعلى يومنا هذا أسهل يعني مثلا، من يسمع صلاح الدين يتحدث في مسلسل صلاح الدين، كلامه يصلح ليومنا هذا، هل هذا متعمد؟


وليد سيف: بالتأكيد، بالتأكيد على نحو ما ولكن كما قلت، لا يجوز أن يمارس هذا بطريقة فجة ومباشرة.


إلسي أبي عاصي: كيف تتجنب


وليد سيف: بأن أنطق الشخص بما يمكن أن ينطق به في عصره، يعني أن تتقمصي أسلوب العصر، ونظم المعاني التي كانت موجودة في ذلك العصر، ولكنها تترجم لدى المتلقي إلى لغة عصره هو.

[مقطع من مسلسل]

– قبل أن يصير المملوك مالكا ووزيرا في بغداد، القلعة ملكه على كل حال.

– إنها ارث أبينا شادي.

– انك لا تعلم خيرا من هذا، محروز هو الذي أقطعنا إياها ومن حقه استرجاعها متى شاء.


وليد سيف: ولكن التعمد هنا لا يعني أنني أريد هنا في هذه النقطة أن أؤكد كذا أو إلى آخره، عندما يكتب الكاتب عملا معينا، لا يستطيع أن يتحرر من محتوى وعيه، لا يستطيع أن يتحرر من الخلفية التي جاء منها، لا يستطيع أن يتحرر من أسئلة الواقع التي تحيط به، دعيني أضرب مثلا الحقيقة أعدت كتابة بعض الأعمال مرتين، يعني كتبتها في فترة معينة فلنقل أواخر السبعينيات أو أوائل الثمانينيات ثم عدت وأعدت كتابتها في بعد انتهاء الألفية الثانية


إلسي أبي عاصي: لأن الظروف و الأسئلة المحيطة بها ربما اختلفت.

وليد سيف: تماماً، هذا الذي كنت أريد أن أقوله، وجدته دون تخطيط مسبق، أكتب بطريقة مختلفة إلى حد ما، طبعا هناك بعض المبادئ الأساسية لا تزال قائمة، ولكن المعالجة اختلفت في توجهها الفكري، لأن الأسئلة الملحة في الوقت الحاضر، مختلفة عن الأسئلة التي كانت تلح علينا في ذلك الوقت وبقيت أسئلة مستمرة بالتأكيد، فإذن بغير وعي من الكاتب لا بد أن يستجيب للواقع الذي يتفاعل معه والأسئلة التي تتشخص في وعيه في ذلك الحين.

مشاكل الرقابة ومتاعبها


إلسي أبي عاصي: دكتور وليد هناك أيضا من عزى كتابتك عن التاريخ القديم كما ذكرنا، هو أن الموضوع يجنب كاتب الدراما والإنتاج والتليفزيونات التي تبث، يجنبها متاعب الرقابة هل هذا صحيح؟


وليد سيف: هذا غير صحيح إطلاقا، وأنا أستغرب من هذه العبارة التي تتكرر، يعني تقريبا في كل عام عندما يكون لنا عمل على سبيل المثال، وتجرى معنا مقابلة، نسأل هذا السؤال هل هو هروب إلى الماضي، وهذا غير صحيح إطلاقا كما هو معلوم، الذهاب إلى التاريخ لا يقصد به كما قلت ، لا يقصد به إطلاقا الهروب من الحاضر إلى الماضي لنعظم أمجاد الماضي أو لنظهر أخطاءها، إنما نقدم صورة واقعية ليس فيها ملائكة بإطلاق وليس شياطين بإطلاق.


إلسي أبي عاصي: لكن لا شك أنه على الأقل يجنبكم متاعب رقابية


وليد سيف: لماذا، لماذا يجنبنا متاعب رقابية، المشكلة الرقابية في إيه، في الأفكار يعني ما علمت أن..


السي أبي عاصي: يعني حتى أنت ذكرت دكتور وليد أنه مثلا في التغريبة الفلسطينية أنهيته في العام ثمانية وستين


وليد سيف: صحيح.


إلسي أبي عاصي: لو أردت أن تكتبه بعد العام 1968 لكنت واجهت مشاكل.


وليد سيف: يعني إشكاليات أكبر، لا أقول أنها غير قابلة للحل والمعالجة، ممكن وأنها ستجد منفذا للعرض، ستجد ما عندي مشكل في ذلك ولكن، هناك إشكاليات أكبر بكثير من السابق، لا شك في ذلك ولا ريب، هذه مسألة خاصة ولكن الآن العمل المعاصر الاجتماعي الذي يدور في الزمن المعاصر، هناك أعمال تعكس أو تجسد أفكاراً عميقة تستقطب هذا الواقع وعلاقاته ومشكلاته وإشكالاته، هناك أعمال أخرى لها طابع ميلو درامي أو طابع رومانسي أو تمثل قراءة مسطحة للواقع القائم، وكذلك التعامل مع التاريخ يمكن التعامل مع التاريخ بطريقة مسطحة غير واقعية لا تطرح أسئلة تهم الإنسان المعاصر، يمكن أن نتعامل معه بطريقة أخرى، الذي يقرر مدى معاصرة العمل أو راهنية هذا العمل، هو الأسئلة المطروحة فيه والأفكار التي يعبر فيها، التي عبر عنها في هذا العمل، لم أعلم أن هناك عملاً معاصراً مثلاً، تناول مباشرةً نظاماً عربياً خاصاً.


إلسي أبي عاصي: لماذا هذا لا يحدث.


وليد سيف: فلماذا يدعي الناس بأنه، والله نهرب إلى الماضي عن مواجهة الحاضر، مواجهة الحاضر بالأفكار وبالأسئلة وبالقضايا وبالنماذج الإنسانية، الذي يرضى عن أعمالنا التاريخية من صلاح الدين، يجد طابعاً سؤالاً عن التحرير، وسؤالاً عن الصراعات الداخلية ووحدة الأمة إلى آخره، هذه يعني أسئلة واضحة حاضرة.


إلسي أبي عاصي: لكن لن يحتاج أحد مثلاً في مسلسل صلاح الدين، لن يحتاجوا أن يحتجوا على سياسة معينة اتبعت في ذلك الحين بعكس اليوم.


وليد سيف: هو الآن لم يكن هنا مجال للاحتجاج لأنه لم يعرض من خلال قناة حكومية على سبيل المثال.


إلسي أبي عاصي: إذن الرقابة فقط تسري في القنوات الحكومية.


وليد سيف: الحكومية بصورة خاصة، طيب لا أريد أن يفوتني القول في بعض الأعمال التاريخية صدقيني، الآن تذكرت بعض الأعمال التاريخية رفضت الرقابة عرضها في دول معينة، الرقابة الرسمية.


إلسي أبي عاصي: على أي أساس.


وليد سيف: من الصعب أن نتحدث على أي أساس الآن، أحياناً على أساس المضمون، على أساس حتى أسم العمل، يحيل إلى شيءٍ معين إلى آخره، أحياناً أسماء شخصيات موجودة في العمل.


إلسي أبي عاصي: إذا كان حدث هذا، لو تضعنا أكثر في صورة.


وليد سيف: في الحقيقة لا أستطيع إنه أدخل في التفاصيل، ما في داعي لذلك، ولكن أضرب بهذا مثلاً على أن رهنية العمل ومعاصرة العمل، ليس لها علاقة بالفترة الزمنية التي تدور بها أحداث العالم إنما في الرؤية الفكرية والرؤية السياسية والأسئلة المطروحة.


إلسي أبي عاصي: عادةً تبلغون بهذا الشكل المباشر أو لم يذع أو لم يشترى هذا العمل لهذه الأسباب، أم أنه يقال لكم بطريقة غير مباشرة.


وليد سيف: كل ما في الموضوع يعتذر للشركة المنتجة عن شراء العمل، ثم يتسرب، يتسرب الكلام.


إلسي أبي عاصي: صقر قريش، ربيع قرطبة، ملوك الطوائف، ثلاثية الأندلس التي أعاد وليد سيف تعريف الجمهور من خلالها بتاريخ الأندلس وبأبطاله، من الذي أقاموا الدولة الأموية فيها، إلى أولئك الذين تناحروا حتى خسروها، عملٌ اتخذ جهداً يقاس بالسنوات بين البحث والكتابة والإنتاج، وما زال وليد سيف يعتزم العمل على مسلسل سقوط غرناطة الذي يحكي قصة سقوط الأندلس ومحنة المورسكيين، فما هو يا ترى سبب شغف وليد سيف بالتاريخ العربي في الأندلس.


وليد سيف: أكاد أقول لا أدري، لأنه منذ وعيت على نفسي وبدأت أقرأ عن الأندلس، وجدتني بطريقة روحية أو شبه روحية منجذباً إلى هذا التاريخ، ومسحوراً به، وشغوفاً به وعندما سافرت لأول مرة إلى الأندلس إلى اسبانيا، جنوب اسبانيا.


إلسي أبي عاصي: كان ذلك في أي عام.


وليد سيف: في الثمانينات أعتقد في الثمانينات، وجدتني في حالة أمشي وكأنني مسحور وأريد أن ألقي على كل ما أشاهد شيئاً من تلك الذاكرة التاريخية فأرى الأشياء في ضوئها، أريد أن أمحو الصور المعاصرة وأن ألبس الناس الثياب التاريخية القديمة وأراهم يمشون في الطرقات ويتحدثون بالعربية.


إلسي أبي عاصي: يعني تتخيل المسلسلات التي كتبتها.


وليد سيف: أرى المساجد المهجورة، فأرى المصلين بمخيلتي أن المصلين يدخلون والأذان يرفع منها وهكذا، وقد بالغت في ذلك بسبب هذا الشغف، لدرجة أنني كنت أتوقف عند بعض البيوت أو المحلات فأظنها من الأثر التاريخي لأكتشف أنها بناية معاصرة ولكنها استوحت الملامح الأندلسية القديمة.


إلسي أبي عاصي: وفوجئت بعد ذلك بما قاله له خالك.


وليد سيف: نعم بعض أخوالي كنت أذكر هذا الكلام أمامه وأقول أنني أحس وكأن هناك نداء داخلي، كان لي صلة من خلال أجداد في الأندلس لا أعلمها، فتنبه أحدهم بعضهم فقال نعم نحن أخوالك جئنا من الأندلس، ومن إيبيزا بالذات التي كانت تسمى اليابسة، جئنا إلى مصر أولاً ومن مصر إلى فلسطين، فلعل هذا هو له علاقة بهذا النداء، ولكن أريد أن أقول شيئاً آخر الأندلس هي قصة داخلية درامية ملحمية ساحرة، لم يحدث في التاريخ أن عاشت حضارة باهرة كانت أعظم حضارة تشع في العالم في حينها، على مدى ثمانمائة سنة، 8 قرون أن تعيش ثم تندثر وتنمحي ولا يبقى منها إلا الآثار وبعض الأمزجة، بعض يتعلق بالمزاج الاجتماعي الثقافي العام، لم يحدث هذا في التاريخ الذي نعرفه على الإطلاق، فمن هنا يأتي السحر، وبالإضافة لذلك إنه هذه كانت حوار الحضارات التسامح، التقاء الأديان ومنه انتقلت الحضارة العربية الإسلامية إلى يعني أو جوانب منها انتقلت إلى أوروبا، فكانت حلقة صلة بين الشرق والغرب وكانت مزاجاً من الحضارات الشرقية العربية الإسلامية.

الدولة الأندلسية في الأعمال الدرامية


إلسي أبي عاصي: يعني هل أردت من خلال المسلسلات التي كتبتها عن الدولة الأندلسية، أن تذكر بهذا التاريخ، بهذه العظمة.


وليد سيف: ما في شك هذا جانب من الموضوع، لكن أذكر أيضاً لماذا ذهبت الأندلس وهنا تأتي.


إلسي أبي عاصي: طيب قبل أن نأتي على هذا الموضوع، أريد فقط أن أسألك كما ذكرت ثمانمائة سنة والدولة الأندلسية هي بمثابة منارة، لماذا لا يتكرر هذا.


وليد سيف: هذه مسألة تتعلق في مجمل التاريخ العربي الإسلامي، وما يسمى بدورة الحضارات مع التحفظ في الواقع، نحن في حالة تراجع منذ قرونٍ طويلة، وإذا دخلنا في هذا الموضوع في الواقع يحتاج إلى جلسات لماذا حدث، هناك اجتهادات مختلفة لما حدث هذا التراجع الذي أفضى إلى انحطاط، هذا السؤال له هناك اجتهادات كثيرة في الإجابة، في معرض الإجابة عنه لكن في سؤال آخر أكثر خطورةً لماذا لم ننهض، طيب عرفنا أو اجتهدنا في تحليل أسباب التخلف، نحن الآن على وعي وقد اتصلنا بالحضارة الإنسانية بصورةٍ عامة ولكن لماذا لا المشروع النهضوي عمره الآن أكثر من قرنين من الزمان ولم ينجز وعده في إعادة إنتاج هذه الأمة والتي تكون دور أمة تسهم في الإنتاج الحضاري الإنساني بصورةٍ عامة..


إلسي أبي عاصي: لماذا لم ينجز؟


وليد سيف: هذا السؤال الحقيقة يطول الكلام عليه، لا ننسى أنه هناك بعض الناس من يميلون إلى أن يعزوا أسباب التخلف إلى عوامل ذاتية ويبرؤوا الخارج من هذه المسؤولية، وهناك في المقابل من يحمل المسؤولية للخارج اللاستعماري وكأنه يبرئ ذاك وأنا لا أبرئ هذا ولا ذاك، بل بالعكس أقول أن هناك علاقة شرطية ما بين عوامل التخلف الذاتي وبين العامل الخارجي الاستعماري لأنه الآن نحن نعيش في عالم يحكمه نظام كوني وبدأ يحكمه النظام الكوني منذ دخل الاستعمار أو خرج الاستعمار إلى العالم فلم تعد الأمم قادرة على أن تعيد إنتاج نفسها ضمن سياقها التاريخي المستقل، بل أصبح هناك أو نشأ نظام عالمي على نحوٍ ما هيكل عمل دولي هناك يوجد فيه مركز وتوجود فيها أطراف حددت لها وظائفها المسبقة في هيكل العمل الدولي فأصبحت مرتبطة بالمركز تدور حول هذا المركز، طبعاً معنى ذلك أنها خرجت من شرطها التاريخي إلى شرطٍ آخر وأصبح تاريخها ليس تاريخاً مستقلاً، كيف نتحرر من هذه التبعية وفي نفس الوقت ننفتح على الحضارات الأخرى ونسهم معها في بناء مستقبل أفضل للبشرية هذا هو التحدي الأكبر وهذا هو السؤال الأكبر والحديث عنه يطول بالتأكيد.


إلسي أبي عاصي: بالضبط، الدولة الأندلسية اندثرت لأنها تحولت إلى دولة ملوك الطوائف، هل يشبه حالنا هذا الآن؟


وليد سيف: نعم، ولكن مع فرق، في الحقيقة هذا السؤال جيد لأنه يعطيني فرصة لأؤكد حقيقةً ما، عندما نتحدث عن التاريخ ونقول نستخلص منه العبر ونقدم من خلاله رسائل تتعلق بالأسئلة الراهنة التي نعيشها هذا لا يعني أن التاريخ يكرر نفسه حرفياً، لا يكرر نفسه حرفياً، ملوك الطوائف هناك نعم كان هناك شبه بالطوائف التي نعيش فيها في الوقت الحاضر والتي هي أيضاً مسؤولة إلى حدٍ كبير عن حالة التخلف الذي نعيش فيه، هذه التجزئة القطرية التي هي مع الأسف الشديد مزاج خيار ذاتي لبعض القوى أو النخب المحلية أو العربية، وخيار أجنبي استعماري ويؤكد ما ذكرته من العلاقة الشرطية ما بين العوامل الذاتية والعوامل الاستعمارية الخارجية، هناك وجود شبه نعم بين هذا التاريخ الأندلسي القديم وبين التاريخ الحاضر، ولكن لا يعني أن اندثار الأندلس ينذر باندثارنا كما اندثرت الأندلس، الأمة تمتلك من الطاقات الكامنة ومن الإمكانيات ما يجعل اندثارها مستحيلاً، هلأ البعض يقول لا يمكن أن نندثر، نعم من حيث القوة السياسية والمشاركة في النظام العالمي من موقع الندية الخ.. هذا قائم ما في شك ونحن في حالة بائسة جداً جداً، لا أريد أن، ولكن لا أفقد ثقتي ومراهنتي على المستقبل وأذكر الناس بشيءٍ واحد، نحن ننظر إلى السلبيات فقط، نحن تعرضنا إلى هذه الهجمة الاستعمارية قبل مئتي عام ومازلنا نتعرض لها بأشكالٍ متطورة مختلفة حتى الوقت الحاضر واستهدفت بلادنا من حيث ثرواتها واستهدفت من حيث، التجزئة القطرية واستهدفت من حيث إقامة المشروع الصهيوني الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية لتكون وكيلاً متقدماً عن الاستعمار والإمبريالية في إحباط المشروع النهضوي العربي الإسلامي، هذا صحيح ولكن ما تزال هذه الأمة ولو كانت أمة أخرى لا تمتلك هذا العمق الحضاري التاريخي لربما اندثرت من قديم، ولكن ما تزال أمة تقاوم، تقاوم وجدانياً وتقاوم ثقافياً وتقاوم بسوائل مختلفة، حركة الاحتجاج ضد الهيمنة الإمبريالية الأميركية، أين تتمركز في الوقت الحاضر، تتمركز في المحيط العربي الإسلامي.


إلسي أبي عاصي: يشعر وليد سيف بكثيرٍ من الرهبة والمسؤولية لدى كتابة أي عملٍ جديد وكانت حاله كذلك لما زرناه حيث كان منكباً على التحضير لعمله القادم وهو سيرة وحياة ثاني الخلفاء الراشدين عمر ابن الخطاب، وقد قال لنا إن الإنتاج سخر لهذا العمل أهم الخبرات العالمية في مجال التصوير والديكورات للخروج بعملٍ ضخمٍ من كل النواحي، فلماذا سيرة عمر ابن الخطاب؟


وليد سيف: أتصور هذه الفترة التي كان يرعى فيها الإبل لأبيه الخطاب ويلبس مدرعة صوف ويحتطب لخالاته من بني مخزوم، يشهد في عمره هو الذي تجاوز الستين بقليل في عمره يشهد ويسهم في عملية التحول التي تنقل المجتمع العربي من مجتمع قبلي وينتظم في دولةٍ واحدة إلى دولةٍ عظمى ورثت العالم القديم وأنشأت فيها بفضل عمر ابن الخطاب مؤسسات إدارية معقدة.


إلسي أبي عاصي: سيؤرخ لكل هذه المراحل وكل حياته..


وليد سيف: نعم، وهذه كلها في إطار أربعين سنة أو أقل، حدث هذا التحول بكل أحداثه وتطوراته في هذه الفترة القصيرة فهي ظاهرة تاريخية عجيبة حقيقةً وهو غير، لا تشبهها تجربة أخرى، ففعلاً سيرة عمر ابن الخطاب تمنحنا هذه الفرصة لمعالجة كل هذه القضايا فضلاً عن أنها تمثل نموذجاً يحتذي في الحكم الرشيد، فنريد أيضاً من خلال هذه الشخصية أن نقيس الحاضر بالفترة التأسيسية للحضارة العربية الإسلامية، هذه الفترة التأسيسية وأيضاً نريد أن نزيل بعض الأوهام التي تتعلق بالإسلام والتي رسخها أولئك الذين اختطفوا الإسلام بعيداً عن مصادره الروحية الأصلية ومنظومته القيمية ذات الطابع الإنساني..


إلسي أبي عاصي: هذه الأوهام دكتور وليد أنتم تزيلونها لدى الجمهور العربي والإسلامي أم يجدر بكم أن تزيلوها لدى الجمهور الغربي؟


وليد سيف: نعم، هذا سؤال جيد لأنه نحن نصنع هذا العمل في ذهننا الجمهور العربي ثم الجمهور الإسلامي الواسع غير العربي كالأتراك والاندونيسيين والباكستانيين والماليزيين ونحو ذلك ثم في ذهننا الإنسانية قاطبة، نطمح إلى أن نتوصل به إلى الساحة الإنسانية العالمية وهناك تفكير للبعض إن إنجاز هذا العمل أن يبنى من مادته عمل سينمائي عالمي إنشاء الله يتوجه إلى المشاهد الغربي إضافةً إلى المشاهد العربي في المستقبل.


إلسي أبي عاصي: في المكتب الصغير خلف المنزل تركنا وليد سيف لأوراقه وأبحاثه وكتاباته حيث يواصل العمل دائماً على إبداعٍ جديد