"شيطان يتنقل عبر الطرقات".. هل النساء أكثر حرصا في قيادة السيارات؟

إحصائيات رسمية في لبنان تشير إلى أن الرجال يتسببون في حوادث مميتة بنسبة أكبر من النساء (بيكسابي)

"شيطان يتنقل عبر الطرقات" هي العبارة التي ترددت عام 1888 يوم قامت الألمانية بيرثا بنز بقيادة السيارة التي طورها زوجها كارل بنز وتعمل بالغازولين، وكانت الكنيسة حينها تعتبر أن كل عربة لا تجرها الخيول هي سحر وشعوذة.

قادت بيرثا السيارة دون إخبار زوجها بذلك، واصطحبت ولديها لمسافة تجاوزت 100 كيلومتر إلى منزل والدتها، وعادت لتكتشف أن هذه السيارة حققت شهرة بسرعة البرق، وسجلت كأول امرأة في العالم تقود سيارة، وسمي ذلك الطريق باسمها.

عربيا، كانت المصرية عباسية أحمد فرغلي أول امرأة تحصل على رخصة قيادة، وكان ذلك في فرنسا خلال عام 1920، أي قبل عام واحد من التاريخ الذي بدأت فيه الأميركية أميليا ماري إيرهارت دروس الطيران لتحلّق فوق العالم.

وتأخر حصول عباسية على رخصة القيادة في مصر إلى عام 1928.

قيادة المرأة للسيارة بدأت عام 1888- ببيكسابي
الألمانية بيرثا بنز كانت في عام 1888 أول سائقة في العالم (بيكسابي)

الدول العربية ورخص القيادة للسيدات

وبسرعة سلحفاة كسولة بدأت الدول العربية تعطي رخص القيادة للسيدات، من العراق عام 1936 إلى البحرين عام 1945 وكانت أول دول خليجية تقود فيها المرأة السيارة، إلى السودان فالكويت، فلبنان، والدول العربية الأخرى وصولا إلى السعودية التي بدأت بإصدار الرخص قبل نحو عام من الآن، فكانت بذلك آخر دولة في العالم تجيز للمرأة قيادة السيارة.

وفي هذا السياق، يقول بيار الضاهر للجزيرة نت إن والدته ماري ابنة الشيخ بطرس الخوري كانت من أوائل السيدات اللواتي قدن سيارة في لبنان، وكانت الأولى في محافظة الشمال عام 1948، وقد أهداها والدها بمناسبة زواجها في العام ذاته سيارة من نوع "كرايسلر إمبريال" (Chrysler Imperial).

سيارة الشفروليه موديل 1945 التي تعلمت عليها القيادة ماري بطرس الخوري وتبدو والدتها وجدتها في الصورة - من أرشيف بيار الضاهر
سيارة الشفروليه موديل 1945 التي تعلمت عليها ماري بطرس الخوري القيادة (الجزيرة)

بدأت بالجرار الزراعي

ويعود الضاهر إلى بعض أوراق جده الأرشيفية ليجد رخصة قيادة تعود إلى والدته التي توفيت عام 2017، ويقول إنها ولدت عام 1927 وليس 1926 كما هو مسجل في الوثيقة، وإنهم ربما أرادوا زيادة عمرها عاما للحصول على الرخصة.

ويضيف أنه خلال الحرب العالمية الثانية انتقلت عائلة الشيخ (لقب لطبقة من الوجهاء) بطرس الخوري إلى قرية "كرم سدة" شمالي لبنان، وكانت ابنته البكر ماري بدأت أولا بقيادة جرار زراعي، ثم تعلمت قيادة سيارة شفروليه موديل 1945.

وكانت ماري تقود السيارة وحدها في منطقة زغرتا الشمالية كما يروي الضاهر، ويرافقها السائق إلى المدن، ويقود مكانها في مدينة طرابلس بسبب البيئة المحافظة هناك التي لا تتقبل قيادة السيدات.

رخصة قيادة ماري بطرس الخوري - ارشيف بيار الضاهر
رخصة قيادة ماري بطرس الخوري من أرشيف ابنها بيار الضاهر (الجزيرة)

وبما أنها كانت ابنة لوجيه القرية الشيخ بطرس وزوجة الشيخ يوسف الضاهر كانت حركتها غير مقيدة، ولم يجرؤ أحد على التدخل، ولا حتى إسداء النصح، لما لمكانتها من رمزية اجتماعية في المنطقة، ويؤكد ابنها أنها فتحت الطريق أمام السيدات في طرابلس مطلع الخمسينيات لقيادة السيارة.

ويقول الضاهر إن والدته كانت سائقة بارعة إلى حد الاحتراف، تقود على طريق بشري الأرز الضيق والمثلج من دون تردد، وفي إحدى المرات تعطلت الفرامل في منحدر، فعرفت كيف تخفف سرعة السيارة بالغيار العكسي، وصدمتها بجانب الطريق بطريقة مدروسة حتى تتوقف، كما كانت تفحص المياه والزيت بشكل دوري، ويشير الضاهر إلى أن والده لم يكن يجيد القيادة.

ماري الخوري بسيارة زوجها - ارشيف بيار الضاهر
ماري الخوري بسيارة زوجها والتي كانت تتقن القيادة أكثر منه بحسب ابنها (الجزيرة)

مساعدة أم تدخّل

قد تكون ندرة السيدات اللواتي قدن السيارة حينها، والسير المتعثر لقيادة النساء للسيارات في الدول العربية عززا لدى الرجال فكرة عدم قدرتهن على سياقة السيارة وحدهن، وأن من واجبهم إرشادهن.

بعض السيدات قلن للجزيرة نت إنهن لا ينزعجن من تدخّل الرجل، ويحصرن الأمر بإطار المساعدة العادية، وأخريات اعتبرن هذا الإرشاد تكملة لسيمفونية التسلط الذكوري، واعتبار الرجل نفسه أفضل من المرأة في القيادة.

قيادة السيارة.. سيطرة

وفي هذا السياق، تقول ربى الضيقة إنها تعلمت القيادة أيام الجامعة، لكنها تمكنت منها بعدما علمها زوجها، لكن وجوده إلى جانبها لا يزال يصيبها بالتوتر، لكثرة تدخله وإرشاداته.

وتضيف أن أكثر الرجال يتدخلون "اقتربي، ارجعي.."، وعادة تنظر إليهم شذرا، أو تقفل الشباك وتتحول عدائية لأنها لا تحب نظرتهم كونها امرأة وتقود، وتعتبر أن الرجال لا يقودون أفضل من النساء ولا العكس، وكل شيء له علاقة بتفكير الشخص وتركيزه.

وتعتبر ربى أن القيادة تشعرها بالسيطرة، وأنها في اللحظة ذاتها تقود حياتها وتتحكم في مسارها واتجاهها، وتستمتع بالقيادة مهما كانت ظروف الطريق أو بُعده، وتقود بالكعب العالي، وتأخذ سيلفي وفيديو، وتضع المكياج وتشرب قهوتها وتتحرك براحة، مع تركيز كامل مهما بلغت المهام التي تقوم بها أثناء القيادة.

مجدلا خطار قادت السيارة في عرسها- الجزيرة
بسبب حبها للقيادة قادت مجدلا خطار السيارة يوم زفافها لملاقاة عريسها (الجزيرة)

القيادة بفستان العرس

كانت مجدلا خطار مولعة بالقيادة منذ صغرها، وتقول للجزيرة نت إنها في عمر 13 كانت تسرق سيارة والدها عندما ينام بعد الظهر، وتتدرب وحدها في طريق فرعي، إلى أن أصبحت تطلب من الجيران في القرية أن يسمحوا لها بقيادة سياراتهم يدوية كانت أم أوتوماتيكية.

وتحب مجدلا القيادة وتستمتع بكل ما يتعلق بالسيارات، وتختارها باهتمام وعناية، وتفضل القيادة لمسافات طويلة، وتستطيع حل كل المشاكل التي تواجه السيارة، لكنها الآن تتكل على زوجها وأخيها أكثر كما تقول.

وتثق مجدلا بقيادتها، وتخاف عندما تجلس إلى جانب أحد، وتنظر إلى المرايا كثيرا، وتدوس فرامل وهمية.

وبسبب حبها للقيادة قادت مجدلا السيارة يوم زفافها لملاقاة عريسها، وتقول إن تصميم فستانها البسيط سمح لها بذلك، وعبرت عن فرحتها بتلك الخطوة التي أضفت على الزفاف روحا شبابية وحيوية.

الرجال يتسببون بحوادث أكثر

وبينما يستعرض الرجال مهاراتهم في قيادة السيارة يتسببون بالحوادث بنسبة 80% بحسب الأمن الداخلي اللبناني، ففي عام 2018 تسببت النساء بـ11 حادثا مميتا أدت إلى وفاة 11 شخصا، في حين تسبب الرجال بـ204 حوادث مميتة توفي فيها 207 أشخاص.

وفي السياق ذاته، تعتبر شركات التأمين أن الرجال يكلفونها أموالا ونفقات أكثر من النساء.

المصدر : الجزيرة