الذكاء الاصطناعي يحارب الإشاعات ويرصد نظريات المؤامرة.. فيروس كورونا نموذجا

ساهمت الإشاعات التي لا أساس لها من الصحة في إرباك الجهود الحثيثة لمؤسسات الرعاية الصحية من أجل مكافحة الفيروس والسيطرة عليه.

artificial intelligence (pixabay)
بينت الدراسة أن التغريدات التي تحتوي على إشاعات ومعلومات خطأ تتضخم وتتغير مع مرور الزمن وتختلف عن المصدر الذي نشأت منه (مواقع التواصل الاجتماعي)

"اللقاحات والمطاعيم المضادة لفيروس كورونا تسبب العقم، وهي إحدى الأساليب الجهنمية التي ابتدعتها حكومة العالم الخفية كي تقضي على البشر وتمنع تكاثرهم"!

هذه إحدى الإشاعات التي انتشرت بكثرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي في الأيام الأخيرة، وفي الحقيقة فإن الشخص الذي أرسل إلي هذه "التغريدة" لم يكن شخصا أميًّا أو جاهلًا، بل هو أستاذ جامعي يزيد عمره على 50 عامًا، وقد نصحني بشدة ألا آخذ المطعوم، ثم أرسل إلي فيديو منتشرًا عبر يوتيوب يتحدث فيه أشخاص -يبدو أنهم أطباء- عن المؤامرة التي تقف خلف وباء كورونا والأهداف الخفية منه.

وفي الحقيقة، ومنذ أن بدأت جائحة كورونا في أوائل العام الماضي والإشاعات المتعلقة بالفيروس لا تتوقف، ملايين التغريدات والمنشورات والفيديوهات تم تداولها بكثافة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأغلبها يقع ضمن سياق نظرية المؤامرة التي ترمي إلى الحدّ من أعداد البشر، أو السيطرة عليهم وتدجينهم والتعامل معهم كما الحيوانات الأليفة التي تسهل قيادتها والتحكم بها.

وساهمت هذه الإشاعات التي لا أساس لها من الصحة، والتي لا يعرف أحد من بدأها أو يقف خلفها، في إرباك الجهود الحثيثة التي بذلتها مؤسسات الرعاية الصحية في مختلف دول العالم من أجل مكافحة الفيروس والسيطرة عليه، ولنأخذ مثالا واقعيا حيًّا التلكؤ في الإقبال على أخذ المطاعيم واللقاحات المضادة للفيروس في عدد كبير من دول العالم.

فمن بدأ هذه الإشاعات أول مرة ومن يقف خلفها وماذا يبغي من ورائها؟

لا أحد يعرف أو يستطيع أن يعرف.

لكن مهلًا، كان هذا صحيحًا إلى ما قبل بضعة أيام فقط، أما الآن وبفضل الذكاء الاصطناعي فقد أصبح ممكنا تحديد مصدر هذه الإشاعات وكيف بدأت ومن يقف خلفها.

فحسب دراسة نُشرت الأسبوع الماضي في مجلة "أبحاث الإنترنت الطبية" (Medical Internet Research) توصل فريق بحث  أميركي إلى تصميم برنامج جديد للتعلم الآلي يحدد بدقة جميع الإشاعات ونظريات المؤامرة المتعلقة بفيروس كورونا المسبب لمرض "كوفيد-19″، المنتشرة عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، ويرصد كيف بدأت وتطورت مع الزمن، وذلك من شأنه أن يساعد مسؤولي الصحة العامة في المستقبل على محاربة مثل هذه المعلومات المضللة، والقضاء عليها في مهدها.

Artificial Intelligence (geralt via pixabay)
كثير من دراسات التعلم الآلي التي تبحث في الإشاعات والمعلومات المضللة التي تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي تركز على تحديد مختلف أنواع نظريات المؤامرة (مواقع التواصل الاجتماعي)

تقول الدكتوره كورتني شيلي الأستاذة الباحثة في مجموعة نظم المعلومات والنمذجة في مختبر لوس ألاموس الوطني والمؤلفة المشاركة في الدراسة إن "كثيرا من دراسات التعلم الآلي التي تبحث في الإشاعات والمعلومات المضللة التي تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي تركز على تحديد مختلف أنواع نظريات المؤامرة، لكننا في المقابل ركزنا في بحثنا على بناء فهم أعمق وأشمل لكيفية بدء هذه النظريات وتغيرها وتطورها كلما زاد انتشارها، لأن الناس بوجه عام يميلون إلى تصديق الإشاعات خاصة السيئة منها".

وتضيف شيلي "البرنامج الذي صممناه سيمكن مسؤولي الصحة العامة في المستقبل من مراقبة تطور الإشاعات ونظريات المؤامرة التي تنتشر وتكتسب زخمًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومن ثم بناء حملات إعلامية للقضاء عليها في مهدها وقبيل انتشارها على نطاق واسع لا تمكن السيطرة عليه".

والدراسة التي جاءت تحت عنوان "الفكرة التي سأشاركها أولًا" (Thought I’d Share First) استخدمت بيانات مجهولة المصدر في "تويتر" لوصف أبرز 4 إشاعات (نظريات مؤامرة) متعلقة بفيروس كورونا وتحديدها، ومعرفة أكثرها انتشارا في الأشهر الخمسة الأولى من بدء الوباء. وهذه الإشاعات الأربع هي أن أبراج بث شبكات الجيل الخامس لشبكات الاتصالات تنشر الفيروس، وأن مؤسسة بيل وميلندا غيتس ساهمت في صنع الفيروس ونشره، وأن الفيروس قد تمت هندسته بيولوجيا أو طوّر في المختبر عمدا، وأن المطاعيم المضادة للفيروس التي كانت قيد التطوير في ذلك الوقت سيكون لها آثار صحية خطرة على البشر.

من جانبه، قال داكس جيرتس، عالم الحاسوب في مختبر لوس ألاموس الوطني والمشارك في الدراسة "بدأنا البحث بدراسة قاعدة معلومات مكونة من نحو 1.8 مليون تغريدة في تويتر، تحتوي على كلمات رئيسة لها علاقة بـ(كوفيد-19)، ثم حددنا مجموعات فرعية لها علاقة مباشرة بالإشاعات الأربع السابقة باستخدام نماذج فلترة خاصة، ثم حددنا مئات من التغريدات في كل مجموعة من المجموعات الأربع سالفة الذكر".

Bill Gates is seen before speaking with Warren Buffett (not pictured), chairman and CEO of Berkshire Hathaway, at Columbia University in New York, U.S., January 27, 2017. REUTERS/Shannon Stapleton TPX IMAGES OF THE DAY
إحدى الشائعات التي انتشرت ذكرت أن مؤسسة بيل وميلندا غيتس ساهمت في صنع الفيروس ونشره (رويترز)

وأضاف "ثم باستخدام البيانات التي جمعت من كل مجموعة من المجموعات الأربع استطعنا بتوظيف الذكاء الاصطناعي بناء برنامج خاص للتعلم الآلي قادر على تحديد كل تغريدة تقدم معلومات خطأ عن فيروس كورونا وتصنيفها. وذلك سمح لنا بمراقبة الأشخاص الذين يتحدثون عن نظريات المؤامرة ويبثون الإشاعات في وسائل التواصل الاجتماعي وتحديدهم، ومتابعة تطور هذه النظريات والإشاعات وتغيرها بمرور الوقت".

وبينت الدراسة أن التغريدات التي تحتوي على إشاعات ومعلومات خطأ تتضخم وتتغير مع مرور الزمن، وتختلف عن المصدر الذي نشأت منه، فعلى سبيل المثال شارك بيل غيتس في برنامج "اسألني عن أي شي" على موقع "ريديت" (Reddit) في شهر مارس/آذار 2020، وفيه كشف النقاب عن تمويله أبحاثا تعمل على تطوير حبر سرّي غير مرئي قابل للحقن يمكن استخدامه لتسجيل اللقاحات.

وبعد اللقاء مباشرة ظهرت إشاعات تتحدث عن نظريات مؤامرة مفادها أن المطاعيم واللقاحات التي يجري تطويرها ضد فيروس كورونا تحتوي على شرائح ميكروسكوبية خفية ستزرع في البشر لمراقبتهم والحدّ من تكاثرهم.

وتؤكد الدكتوره شيلي أن من المهم لمسؤولي الصحة العامة أن يعرفوا كيف تبدأ الإشاعات ونظريات المؤامرة، وكيف تتطور مع مرور الوقت، من أجل وضع إستراتيجيات محددة لمحاربتها ووأدها في مهدها، وأن هذا البرنامج المبني على الذكاء الاصطناعي سيساعدهم على هذه المهمة بكل تأكيد.

المصدر : مواقع إلكترونية