علماء يتعرفون على بكتيريا تتمتع بقدرة فائقة على تحمل العيش داخل الخرسانة

حتى الخرسانة لم تسلم من انتشار البكتيريا بداخلها (غيتي)

تعد الخرسانة أكثر مواد البناء استخداما في العالم نظرا لمتانتها وقدرتها على تحمل مختلف الظروف الجوية وانخفاض تكلفتها. ولكن دراسة حديثة نشرت في دورية الجمعية الأميركية لعلم الأحياء الدقيقة "إيه إس إم" (ASM) أشارت إلى أن الخرسانة تؤوي بعض الأنواع من البكتيريا التي تتمتع بقدرة استثنائية على تحمل هذه البيئة القاسية التي لا تصلح موطنا للكائنات الحية.

سرطان الخرسانة

وأشارت الدراسة إلى أن هذه الأنواع من البكتيريا التي تكيفت مع هذه البيئة القلوية شديدة الملوحة وشحيحة المغذيات، حتى أصبحت قادرة لا على العيش فيها فحسب، بل التكاثر أيضا، قد تسهم إما في تآكل الخرسانة وإما في ترميم البنى الخرسانية.

تتكون الخرسانة من توليفة من المواد، ولكلٍ منها تجمعات ميكروبية خاصة بها، وخلصت الدراسة إلى أن التجمعات الميكروبية على الخرسانة تكشف عن طبيعة مكوناتها والتغيرات التي طرأت عليها بفعل العوامل الجوية.

التجمعات البكتيرية قد تساهم في الكشف المبكر عن سرطان الخرسانة (ويكيبيديا)

وتكمن أهمية هذه النتائج، بحسب الدراسة، في أن التجمعات الميكروبية على الخرسانة قد تكشف عن العلامات الأولى لتفاعل الركام القلوي أو ما يطلق عليه العلماء "سرطان الخرسانة"، الذي بات يمثل مشكلة عالمية.

إذ تتفاعل هيدروكسيدات القلويات في الأسمنت مع السليكا في الركام، الذي يشكل النسبة الأكبر من كتلة الخرسانة، وينتج عن التفاعل مادة جيلاتينية من السليكا تتمدد من خلال امتصاص الرطوبة، مما يؤدي إلى حدوث الشقوق والشروخ التي تقصّر عمر البنى المصابة.

ولطالما انهارت مبان وجسور بسبب تآكل الهياكل الخرسانية وتدهورها، ففي يونيو/حزيران الماضي انهار مبنى سكني في ميامي بفلوريدا جزئيا، ووصلت حصيلة الوفيات يوم 22 يوليو/تموز الماضي إلى 98 شخصا.

وأشارت التحقيقات إلى أن السبب الرئيسي وراء الانهيار كان تدهور العوارض والعواميد الخرسانية لمواقف السيارات أسفل الوحدات السكنية بفعل تغلغل المياه وتآكل حديد التسليح.

مبنى مدينة ميامي الأميركية الذي انهار في يونيو/حزيران الماضي (ويكيبيديا)

ويأمل الباحثون أن يساعدنا فهم تركيبة التجمعات الميكروبية في الخرسانة، والتغيرات التي تطرأ عليها بفعل العوامل الجوية، في الاستفادة من الرواسب المعدنية التي تنتجها البكتيريا في ترميم البنى الخرسانية والكشف عن العلامات الأولى للتفاعل القلوي للركام الذي يؤدي إلى تآكل الخرسانة.

وتقول جولي ماريسكا عالمة الأحياء الدقيقة بجامعة "ديلاوير" (University of Delaware) الأميركية في البيان الصحفي للجامعة المنشور في الثالث من أغسطس/آب الجاري، "على الرغم من أن الخرسانة هي أكثر مواد البناء استخداما في العالم، إلا أننا لا نعرف شيئا عن الكائنات الحية التي تؤويها".

مصدر البكتيريا ومستقبل الدراسات

استغرقت الدراسة عامين، راقب خلالهما الباحثون التغيرات التي طرأت على التجمعات الميكروبية في الهواء الطلق باستخدام مجموعتين من الأسطوانات الخرسانية، وخلصوا إلى أن ما يتراوح بين 50% و60% من البكتيريا في هذه التجمعات كان مصدرها على الأرجح المواد الخام المستخدمة في تصنيع الخرسانة، ولا سيما الحصى.

3 أنواع من البكتيريا هي الأكثر وجودا في التجمعات الميكروبية داخل الخرسانة (غيتي)

ولاحظوا أن أكثر أنواع البكتيريا انتشارا في هذه التجمعات الميكروبية على الخرسانة كان المتقلبات "البروتيوبكتيريا" (proteobacteria)، والبكتيريا من نوع متينات الجدار (firmicutes) والبكتيريا الشعاوية (actinobacteria).

ولاحظ الفريق أن التنوع البكتيري في التجمعات الميكروبية انخفض مع الوقت، رغم أنه كان يزداد مؤقتا في أشهر الصيف الأكثر دفئا، ربما بسبب توافر الرواسب البيئية.

وتقول ماريسكا في البيان الصحفي المذكور إن "هذه البكتيريا ربما تتغذى على الأجسام الميتة للميكروبات الأخرى. وعندما لا تجد غذاء، قد يشكل بعضها أبواغا (لتساعده على تحمل الظروف غير المواتية) أو يكوّن نوعا خاملا من الخلايا يظل ساكنا حتى يسقط المطر ثم يتناول أكبر قدر ممكن من الغذاء ويعود مرة أخرى إلى حالة السبات".

يعلق الباحثون آمالا على تسخير هذه البكتيريا لترميم المباني المتصدعة (جامعة ديلاوير)

وتضيف ماريسكا "الميكروبات، على حد علمنا، لا تلحق أضرارا بالخرسانة، ولا تتغذى على الأساسات. ونأمل أن نستخدمها للحصول على المعلومات وربما تساعدنا في ترميم المباني المتصدعة".

ولفت تقرير لموقع "ساينس ألرت" (Science Alert) حول الدراسة إلى أن بعض البكتيريا لديها القدرة على إنتاج كربونات الكالسيوم، الذي يستخدم لملء الشقوق ومعالجة الثقوب والشروخ في الخرسانة، ويعلق الباحثون آمالا على تسخير هذه الكائنات المجهرية في ترميم المباني والبنى التحتية مستقبلا.

المصدر : ساينس ألرت + مواقع إلكترونية