أقوى من الإشعاع وتقلبات الحرارة.. البكتيريا تستطيع البقاء حية في الفضاء

بعض الكائنات الأرضية الدقيقة حية في الفضاء، من بينها بكتيريا تسمى "المكورة الغريبة المقاومة للإشعاع (موقع جامعة فيينا)

كيف يمكن للميكروبات أن تعيش في الفضاء وتنجو من الأشعة الكونية وفوق البنفسجية والتقلبات الشديدة لدرجات الحرارة لمدة عام كامل؟

الإجابة وردت في تجربة علمية أجراها فريق دولي من العلماء على نوع من البكتيريا مقاومة للإشعاعات أرسلت إلى الفضاء لمدة عام كامل ظلت على قيد الحياة رغم الظروف القاسية.

توفر هذه الدراسة الجديدة، التي نشرت في دورية "ميكروبيوم" (Microbiome) العلمية، فهما عميقا للآليات الجزيئية للبقاء الميكروبي في الفضاء الخارجي، كما يقول الباحثون.

بطل الإشعاعات

منذ بداية استكشاف الفضاء الذي يمثل بيئة معادية لكل أشكال الحياة، اندهشت البشرية لبقاء بعض الكائنات الأرضية الدقيقة حية في الفضاء. من بين هذه الكائنات بكتيريا تسمى "المكورة الغريبة المقاومة للإشعاع" أو (Deinococcus radiodurans).

يعرف هذا النوع من البكتيريا بكونه أكثر الكائنات الحية مقاومة للإشعاع وللظروف القاسية جدا من الحرارة والجفاف، لذلك كانت محل اهتمام من طرف العلماء منذ اكتشافها أواسط القرن الماضي.

وفي عام 2015، أنشأ فريق دولي مهمة (Tanpopo) على السطح الخارجي للوحدة التجريبية اليابانية "كيبو" في المحطة الفضائية الدولية لاختبار الأنواع البكتيرية القوية، ومن بينها "المكورة الغريبة المقاومة للإشعاع".

وفي الورقة العلمية الجديدة قام فريق من الباحثين من النمسا واليابان وألمانيا بدراسة تأثير الفضاء الخارجي على المستوى الجزيئي لهذه البكتيريا. فتم تجفيف الخلايا البكتيرية، وشحنها إلى محطة الفضاء الدولية، ووضعها في صندوق مكشوف، وهو عبارة عن منصة خارج المحطة معرضة باستمرار لبيئة الفضاء.

في هذه الحالة، كانت الخلايا خلف نافذة زجاجية تحجب ضوء الأشعة فوق البنفسجية بأطوال موجية أقل من 190 نانومترا، وفقا لبيان نشرته جامعة فيينا (University of Vienna).

البكتيريا تمتلك آليات جزيئية تمكّنها من البقاء حية في الفضاء (ناسا)

كيف نجت البكتيريا؟

بعد عام كامل من التعرض للإشعاع ودرجات حرارة تراوحت بين التجمد والغليان، إضافة إلى انعدام الجاذبية، أعاد الباحثون خلايا "المكورة الغريبة المقاومة للإشعاع" إلى الأرض، ثم أعادوا ترطيبها من جديد.

وكان الأمر مدهشا، فقد نجت هذه الكائنات من التلف المورفولوجي وأنتجت العديد من حويصلات الغشاء الخارجي وتم تشغيل عدد من آليات الإصلاح داخلها.

ولاحظ العلماء أن استجابات بروتينية وجينومية متعددة الأوجه حدثت داخلها للتخفيف من إجهاد الخلايا ومساعدة البكتيريا على إصلاح تلف الحمض النووي ومقاومة أنواع الأكسجين التفاعلية. إضافة إلى حدوث تغيير في العمليات الأساسية للنقل وحالة الطاقة استجابة للتعرض للظروف القاسية في الفضاء.

لكن ما أسباب تشكل هذه الحويصلات الصغيرة على الغشاء الخارجي للبكتيريا؟ يقول الباحثون إنها قد تكون بمثابة استجابة سريعة للضغط المنخفض في الفضاء، مما يزيد من فرص بقاء الخلايا حية عن طريق التخلص من مخلفات الإجهاد.

كما أنها قد تحتوي على بروتينات مهمة لاكتساب المغذيات، ونقل الحمض النووي والتخلص من السموم، مما يؤدي إلى تنشيط آليات المقاومة بعد التعرض للإشعاع في الفضاء.

بعض البكتيريا قد يكون بإمكانها التنقل في الفضاء بين أجرام مختلفة حسب الدراسة (بيكسفيول)

أهمية التجربة 

وبحسب الباحثين، فإن نتائج هذه الدراسة ستساعد في فهم ما إذا كانت البكتيريا قادرة على البقاء حية في عوالم أخرى، وربما حتى التنقل بين أجرام كونية مختلفة. وستصبح أكثر أهمية مع سعي الإنسان لاستيطان القمر والسفر أبعد من ذلك في المستقبل.

فهي "تساعدنا في فهم الآليات والعمليات التي يمكن من خلالها أن توجد الحياة خارج الأرض، مما يوسع معرفتنا حول كيفية البقاء والتكيف في البيئة المعادية للفضاء الخارجي"، كما تقول تيتيانا ميلوجيفيتش عالمة الكيمياء الحيوية بجامعة فيينا.

وتضيف المؤلفة المشاركة في الدراسة إن "هذه النتائج تشير -كذلك- إلى أن بقاء هذه البكتيريا في المدار الأرضي المنخفض لفترة أطول ممكنٌ بسبب نظام الاستجابة الجزيئية الفعال، وأنه يمكن تحقيق رحلات أطول وأبعد بالنسبة للكائنات التي تتمتع بهذه القدرات".

المصدر : الصحافة الأسترالية + مواقع إلكترونية