تحقيقات الجزيرة

باستقصائي "كيف تروج لمجزرة".. الجزيرة تكشف خفايا لوبيات السلاح بأميركا وأستراليا

كيف تروج لمجزرة؟” سلسلة استقصائية تسعى لكشف نفوذ لوبي السلاح بأميركا، وكيف يسعى نظيره بأستراليا لربط علاقات معه من أجل تأسيس نفوذ بالبلاد يسمح له برفع الحظر عن حيازة السلاح.

ما الأسباب التي دعت دولة مثل أستراليا إلى أن تحظر حيازة البنادق الآلية؟ وما هي الحجج التي تقدمها جماعات الضغط الداعية لحرية امتلاك السلاح في بلدان مثل أميركا وأستراليا؟ وما الوسائل التي تستخدمها هذه الجماعات للتأثير على السياسيين والمشرعين لكسب دعمهم لأنشطتهم؟ وكيف يمكن أن تنشأ روابط بين هذه الجماعات تمكنها من التنسيق وتبادل الدعم والخبرات؟

هذا ما تكشفه السلسلة الاستقصائية التي أنتجتها شبكة الجزيرة في جزأين بعنوان: "كيف تروج لمجزرة؟"، وبثت الجزء الأول منها الأحد (2019/3/24). فقد سلط هذا الجزء الضوء على نشاطات جماعات الداعمة لحرية امتلاك الأسلحة في أستراليا، وعلى نفوذ لوبي السلاح بالولايات المتحدة ممثلا في الرابطة الوطنية للبنادق (NRA)، التي كانت من أكبر الداعمين لدونالد ترامب في حملته الرئاسية مقابل تعهده لهم بـ"عدم خذلانهم".

المراسل المتخفي
فبواسطة مراسل متخفٍّ اسمه رودجر مولر؛ تمكن معدّ التحقيق من الحصول على مئات الساعات المسجلة سريا على مدى ثلاث سنوات، وتتضمن حوارات ولقاءات أجراها مولر مع نشطاء لوبيات السلاح في البلدين، بعد أن تظاهر بأنه ناشط مؤيد للسلاح في أستراليا بوصفه مؤسسا ورئيسا لـ"جمعية حقوق السلاح في أستراليا"، فصار الوجه المعلن للمدافعين عن حق امتلاك السلاح بالبلاد.

استطاع مولر -باستخدامه شخصية المدافع عن السلاح- كسب صداقة قادة حزب "أمة واحدة" الأسترالي، مثل مؤسسة الحزب السناتورة بولين هانسون؛ مدعيا لهم أنه يعمل من أجل إعادة النظر في تشريعات الأسلحة النارية في البلاد. كما نجح في الوصول إلى قادة الرابطة الوطنية للبنادق (NRA) بأميركا حيث تمكن من التعرف على أسلوب عملهم لكسب ثقة الناس ونفوذهم في السياسة الأميركية.

وفي لقاءات مع زعماء حزب "أمة واحدة" بكوينزلاند سجلها بكاميرا خفية؛ أخبرهم بعلاقاته بقادة لوبي السلاح الأميركي، فطلبوا منه عقد لقاءات بينهم وبين زعماء الرابطة الوطنية للبنادق (NRA)، ليحثوهم على دعمهم بالمال للفوز في الانتخابات الفدرالية الأسترالية القادمة، من أجل أن يتمكنوا من الفوز بمناصب في البرلمان تسمح لهم بتغيير قوانين السلاح المقيدة لحيازته بأستراليا، والتي أقرت بعد مذبحة وقعت فيها عام 1996 وأدت إلى مقتل نحو 60 شخصا.

رتب مولر زيارة لممثليْن عن الحزب الأسترالي إلى أميركا ليحضرا الاجتماع السنوي الأكبر للوبي السلاح، وهو المؤتمر السنوي للرابطة الوطنية للبنادق المنعقد عام 2017. وكان الممثلان الأستراليان هما: الوزير السابق ورئيس حزب أمة واحدة في كوينزلاند ستيف ديكسون (مرشح الحزب لمجلس الشيوخ للدورة القادمة)، وكبير المستشارين في الحزب نفسه جيمز أشبي. وقد طلبا من مولر أن يتكتم على تفاصيل نقاشاتهم واجتماعاتهم بأميركا حتى لا تتضرر سمعة حزبهما في أستراليا.

في أميركا؛ استقبل مولر (المراسل المتخفي) كلا من أشبي وديكسون في زيارتهما الأولى لأميركا، حيث التقى الرجلان بزعماء الرابطة وبعض مسؤوليها في العلاقات العامة، وطلبوا منهم المساعدة في جمع مبالغ -قد تصل إلى عشرين مليون دولار- من مؤيدي حيازة السلاح في أميركا، قائلين إنهم بذلك سيتمكنون من التحكم في البرلمان والحكومة الأستراليين، مما سيمنحهم حق تعديل التشريع المقيد للبنادق الآلية، وهو أمر يطالب به لوبي السلاح الأميركي "حتى لا تتمكن السابقة الأسترالية في منع حيازة السلاح من الانتشار عالميا".

شكوى ونصائح
وقد اشتكى الأستراليان ديكسون وأشبي –في حديثهم خلال المؤتمر السنوي للرابطة- من أنه لا يُسمح للأستراليين بالسلاح "مع أننا نقوم باستيراد المسلمين الذين يكون بعضهم خطيرا، إن بلادنا تتجه نحو الفوضى، ومعركة امتلاك السلاح لا يمكننا أن نخسرها لأننا إذا خسرناه فأنتم أيضا ستخسرونها"؛ حسب قول ديكسون الذي أكد أن الأستراليين يدعمون أميركا "أكثر من إنكلترا التي استولى عليها المسلمون". وحددا لهم احتياجاتهم لبلوغ أهدافهم لـ"يكونوا كأميركا في حيازة السلاح" في نقص أمرين: "المال والناس في الميدان".

تلقى الرجلان شرحا من مسؤولي الرابطة الأميركية لكيفية عملهم بين السياسيين والمشرعين، وأكدوا لهما أن باستطاعتهم استبدال المشرع الأميركي المعارض لنشاطهم في حرية حيازة السلاح، وإحلال مؤيد لهم مكانه عبر الانتخابات، وأنهم من أجل نجاح أفكارهم يحاربون على جبهات الرئاسة والكونغرس معا "ليبقى لنا التأثير الأكبر، ومن لا يمكن تصحيح مساره نحاول إزاحته من مواقع التأثير".

كما تلقيا إرشادات من العاملين في الرابطة الوطنية للبنادق بشأن كيفية صياغة وتوصيل خطابهم المؤيد لامتلاك السلاح في أستراليا، واقترحوا عليهم الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي في إقناع الرأي العام وتجاهل الإعلام التقليدي، وخاصة في حال وقوع إطلاق نار جماعي. كما اقترحوا عليهم ترويج حاجة النساء إلى امتلاك الأسلحة لحماية أنفسهن، وكذلك تجنيد الأطفال لتدعم مرشحيهم للانتخابات؛ كما يفعلون هم في أميركا.

وقد أجرى التحقيق الاستقصائي مقابلات مع خبراء إعلاميين ومؤرخين حكوا فيها قصص مآسي أهالي ضحايا حوادث إطلاق النار الجماعي في أميركا؛ وعرض فعاليات شعبية وأهلية أميركية مناهضة للوبي السلاح ونشاطهم في البلاد؛ كما بث تصريحات لزعماء هذا اللوبي يدافعون فيها عن رأيهم ويردون على منتقديهم.