جدل بالعراق حول إعادة عوائل مرتبطة بتنظيم الدولة من مخيم الهول السوري

البعض وصف نقل العائلات من الهول إلى العراق بقنبلة موقوتة، وخاصة نقلهم لمخيم الجدعة الذي يقع في منطقة تعد الأكثر مناهضة للتنظيم.

نساء يمشين في مخيم الهول شمال شرق سوريا المخصص لعائلات مقاتلي تنظيم الدولة
معظم القاطنين في مخيم الهول بسوريا من النساء والأطفال (الأنباء الأوروبية)

أثار قرار الحكومة العراقية قبل أيام إعادة قرابة 100 عائلة عراقية من مخيم الهول في سوريا إلى العراق ردودَ أفعال متباينة ورفضا شعبيا وسط تصريحات متضاربة من مؤسسات الدولة العراقية.

ويأتي قرار إعادة هذه العائلات بعد 4 سنوات على القضاء على آخر معاقل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، حيث تقدر أوساط حكومية عراقية وجود نحو 30 ألف عراقي في هذا المخيم.

مخيم الهول

يعد هذه المخيم أحد أكبر المخيمات في شمال شرق سوريا وتسيطر عليه قوات سوريا الديمقراطية المعروفة اختصارا بـ (قسد) وتقودها وحدات حماية الشعب الكردية، وكان المخيم قد أنشأته الأمم المتحدة عام 1991 إبان حرب الخليج الثانية وغزو الكويت، حيث فرت العديد من العائلات العراقية تجاه سوريا حينها.

ومع الحرب التي شهدها كل من العراق وسوريا ضد تنظيم الدولة؛ بات المخيم منذ سنوات محل إقامة للعائلات السورية والعراقية والأجنبية التي كانت موالية لتنظيم الدولة، فضلا عن عائلات أخرى تقطعت بها السبل خلال محاولتها الهرب من جحيم الحرب.

شيروان الدوبرداني / نائب عن كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني
الدوبرداني اعتبر أن هناك تناقضا بتصريحات المسؤولين فيما يخص العائلات التي نقلت لمخيم الجدعة (الجزيرة)

ردود أفعال غاضبة

وسط إجراءات أمنية مشددة، شهد العراق -الثلاثاء الماضي- نقل نحو 100 عائلة من مخيم الهول إلى مخيم الجدعة الأول في ناحية القيارة جنوب مدينة الموصل (مركز محافظة نينوى شمالا).

وجرى نقل هذه العائلات عبر حافلات نقل ركاب حكومية، حيث كانت قوات عراقية خاصة من الجيش والشرطة ترافقها منذ دخولها الحدود العراقية وحتى إدخالها إلى المخيم الذي شهد تدقيقا أمنيا للعائدين.

وإزاء ذلك، أكد النائب عن محافظة نينوى شيروان الدوبرداني أن هناك تناقضات كبيرة في تصريحات المسؤولين العراقيين فيما يخص العائلات التي تم نقلها إلى مخيم الجدعة، مؤكدا أن هذه العائلات تتبع تنظيم الدولة.

ويستدل الدوبرداني على ذلك بإجراءات الحكومة العراقية المشددة التي رافقت عملية نقلهم، متسائلا "لو كان هؤلاء مسالمون وغير تابعين للتنظيم، فلماذا يوضعون في المخيمات؟ كان من الأجدى أن يخضعوا لتدقيق أمني ثم يعادون إلى مناطق سكنهم الأصلية في محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى وغيرها"، بحسب قوله.

وكشف الدوبرداني -في إفادة حصرية للجزيرة نت- أن مجموع القاطنين في مخيم الهول السوري 70 ألفا، وقرابة 30 ألفا منهم عراقيون، بواقع 4 آلاف و400 من محافظة نينوى و18 ألفا من محافظات الأنبار وبغداد وبابل، والباقي من محافظات صلاح الدين وكركوك وديالى.

ويقول الدوبرداني إن أعداد العائدين يبلغ 94 عائلة بواقع 381 فردا، محذرا من أن إعادة هؤلاء سيسهم بضرر كبير للوضع الأمني بمحافظة نينوى، خاصة أن لدى هؤلاء اتصالات مع أقربائهم في المناطق العراقية.

فيان دخيل
فيان دخيل اعتبرت أن الموصل تتعرض لظلم كبير من خلال إرجاع عوائل مرتبطة بتنظيم الدولة (مواقع التواصل)

خطر داهم

من جهتها، تؤكد النائبة الأيزيدية السابقة عن محافظة نينوى فيان دخيل أن هناك إشكاليات كبيرة في إعادة من وصفتهم بـ "عائلات داعش" إلى الموصل، معتبرة أن المدينة تتعرض لظلم كبير جراء ذلك.

وتضيف دخيل -في حديث للجزيرة نت- أن وجود هذه العائلات في مخيم الهول (حتى لو لم يكونوا منتمين للتنظيم) يشكل خطرا جمّا، خاصة أنهم خالطوا أفراد وعائلات التنظيم لفترات طويلة، معلقة بالقول "وفقا للتصريحات الحكومية -التي أكدت أن هذه العائلات مسالمة وأنهم ليسوا من التنظيم- لماذا يؤتى بهم للمخيم بعد التدقيق الأمني؟ كان من الأولى أن يعودوا إلى مناطقهم الأصلية".

وانتقدت دخيل إعادة هذه العائلات إلى مخيمات الموصل، رغم أن غالبيتهم من محافظات الأنبار وصلاح الدين وبغداد، معتبرة أن ضعف حكومة نينوى وموافقتها على السماح لهم بالعودة أدى إلى أن تكون مدينة الموصل هي الحلقة الأضعف، بحسب تعبيرها.

واختتمت دخيل بالكشف عن أن الاتفاق الحكومي والدولي أفضى إلى اتفاقية لإعادة 500 عائلة من الهول إلى العراق في المرحلة الأولى، مع استمرار تدفقهم إلى البلاد حتى يتم إفراغ مخيم الهول من العراقيين، مستقبلا بحسبها.

صورة حصرية مرسلة من قبله - قائمقام الموصل - زهير الأعرجي
الأعرجي أكد أن الحكومة المحلية في نينوى لم يكن لديها علم مسبق بإعادة هذه العوائل إلى المحافظة (الجزيرة نت)

حكومة نينوى

وفي تصريحات لقائم مقام الموصل زهير الأعرجي؛ أكد أن الحكومة المحلية في نينوى لم يكن لديها علم مسبق بإعادة هذه العوائل إلى المحافظة، مشيرا إلى أنه كان من الواجب على الحكومة الاتحادية إعادة هذه العائلات إلى مناطق سكناها الأصلية.

وأضاف الأعرجي -في حديثه للجزيرة نت- أن هناك إجراءات أمنية مشددة في مخيم الجدعة الذي يضم العائلات العائدة من مخيم الهول، مبينا أن هناك رفضا شعبيا كبيرا في الموصل لإعادتهم.

وفي تأكيد لحديث الأعرجي، أوضح محافظ نينوى نجم الجبوري -للجزيرة نت- أن قرار إعادة هؤلاء إلى محافظة نينوى، كان قرارا مركزيا من حكومة بغداد ولا دخل لحكومة نينوى بذلك.

من مواقع التواصل الاجتماعي - محافظ نينوى - نجم الجبوري
الجبوري أكد أن محافظته رفضت عودة هذه العائلات خشية حملهم لفكر تنظيم الدولة (مواقع التواصل)

وتابع الجبوري أن محافظة نينوى رفضت بشكل قاطع إعادة هؤلاء إلى مخيم الجدعة على اعتبار أن أغلب من فيه لا يزالون يحملون فكر تنظيم الدولة، مبينا أن حكومة نينوى المحلية أرسلت أكثر من طلب رسمي إلى رئاسة مجلس الوزراء لإلغاء قرار إعادتهم إلى نينوى أو التريث في ذلك دون أي استجابة.

وكانت لجنة الأمن والدفاع النيابية قد وصفت إعادة عوائل من مخيم الهول إلى العراق بـ "الأمر الخطير"، معتبرة أن الحكومة العراقية رضخت لضغوط التحالف الدولي، ومحذرة في الوقت ذاته من تداعيات إعادتهم على مجمل الوضع الأمني في البلاد.

وكيل وزارة الهجرة والمهجرين - كريم النوري
النوري: هناك ما يقرب من 20 ألف طفل عراقي يقطنون في مخيم الهول السوري (مواقع التواصل)

تصريحات متضاربة

يقول وكيل وزارة الهجرة والمهجرين كريم النوري إن غالبية قاطني مخيم الهول من العراقيين ليسوا من تنظيم الدولة، مبينا أن هناك ما يقرب من 20 ألف عراقي (من مجموع 30 ألف) من الأطفال وممن هم دون 18 عاما.

وأوضح النوري -في حديثه للجزيرة نت- أنه كان من المقرر أن تتم إعادة هؤلاء إلى العراق منذ فترة طويلة، إلا أن جائحة كورونا أدت لتأجيل إعادتهم، كاشفا عن أن من تمت إعادتهم ليس عليهم أي مشكلة أمنية أو قضائية.

وعن سبب إعادتهم إلى البلاد، أوضح النوري أنه لم يكن أمام الحكومة العراقية إلا 3 خيارات، فإما تركهم في مخيم الهول بما فيه من مخاطر في ظل وجود 10 آلاف فرد من التنظيم بالمخيم وفي ظل وجود عدد كبير من الأطفال، وإما تركهم بالصحراء السورية دون إعادتهم، وإما إعادتهم إلى بلدهم العراق مع العمل على إعادة تأهيلهم نفسيا ومجتمعيا تحت أنظار الحكومة العراقية.

واعتبر النوري أن الهجمة الإعلامية التي رافقت إعادة العراقيين من مخيم الهول لا تخرج عن الدعاية الانتخابية، حيث تريد بعض الكتل السياسية وبعض نواب البرلمان استخدام القضية من أجل الكسب الانتخابي دون أي تفكير أو مراعاة لوضع الأطفال الذين ولد بعضهم داخل مخيم الهول، وفق قوله.

عضو مفوضية حقوق الانسان علي البياتي
البياتي وصف ملف قاطني مخيم الهول بـ"المعقد جدا" ويحتاج لتضامن العراق والأمم المتحدة والمجتمع الدولي (الجزيرة نت)

الوضع الإنساني

من جهته، وفيما يتعلق بالوضع الإنساني، وصف عضو مفوضية حقوق الإنسان علي البياتي ملف قاطني مخيم الهول بـ "المعقد جدا"، معتبرا أن حلّ هذه القضية تعد تضامنية بين العراق والأمم المتحدة والمجتمع الدولي.

ويعتقد البياتي أن على الحكومة العراقية التعامل بشفافية مع ملف عائلات التنظيم في مخيم الهول، وبتنسيق وتعاون مع المجتمع الدولي، كاشفا عن أن هناك العديد من العراقيات ممن تزوجن من مقاتلين أجانب وأنجبن أطفالا، وبالتالي فالمشكلة متراكبة ومعقدة وتحتاج لخطة حكومية دقيقة ومحترفة.

وكشف البياتي -للجزيرة نت- عن غياب الشفافية الحكومية في التعامل مع هذا الملف، لافتا إلى وجود مخاوف حقيقية لدى المفوضية من تعرض هؤلاء المهجرين إلى مخاطر جمة واستغلال وابتزاز، فضلا عن تخوف المفوضية من استغلال التنظيمات المتطرفة لهؤلاء في زعزعة الوضع الأمني.

أما عن إمكانية إعادة تأهيلهم، فيعتقد البياتي أن الحكومة العراقية أخفقت في إعداد وطرح برامج إعادة التأهيل الاجتماعية لقاطني المخيمات السابقة الأقل خطورة، مبينا أن هذه البرامج تحتاج لكوادر خبيرة ومدرّبة، وهو ما لا تمتلكه الحكومة العراقية، وفق البياتي.

صورة حصرية مرسلة من قبله - الصحفي العراقي - رياض الحمداني
الحمداني اعتبر نقل العوائل بأعداد كبيرة من الهول إلى مخيمات الموصل قنبلة موقوتة (الجزيرة نت)

أما الناشط والصحفي الموصلي رياض الحمداني فاعتبر من جانبه أن نقل هذه العوائل بأعداد كبيرة إلى مخيمات الموصل يعد قنبلة موقوتة، خاصة أنهم من محافظات مختلفة وأن مخيم الجدعة الذي نقلوا إليه يقع في منطقة تعد الأكثر مناهضة للتنظيم.

وتابع الحمداني -في حديثه للجزيرة نت- أن إعادة هؤلاء ضرورية لأنهم عراقيون أولا وأخيرا، إلا أن خطة إعادتهم وجمعهم في موقع واحد وعدم توفير برامج تأهيل اجتماعية وفكرية تعد نقطة بالغة الحساسية لدى العراقيين عامة والموصليين على وجه الخصوص.

المصدر : الجزيرة