ما مصير أموال حسني مبارك بعد فك التجميد الأوروبي؟

blogs حسني مبارك شاهدا في قضية اقتحام السجون
الرئيس المصري الراحل حسني مبارك داخل المحكمة وسط نجليه علاء وجمال (يسار) (رويترز)

بعد 10 سنوات من فرض عقوبات بحق الرئيس المصري الراحل محمد حسني مبارك وأسرته وأفراد في نظامه، أعلن الاتحاد الأوروبي رفع تلك العقوبات التي فُرضت في أعقاب اندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، على خلفية شبهات بشأن سرقة أموال الدولة.

بيان الاتحاد الأوروبي الذي قال إن تلك العقوبات كان هدفها "مساعدة السلطات المصرية على استرداد الأصول المختلسة المملوكة للدولة" خلص، بعد هذه السنوات العشر، إلى أن هذه الأوامر "أدت الغرض منها".

وقد فرضت تلك العقوبات الأوروبية في مارس/آذار 2011 على مبارك وزوجته سوزان ونجليه علاء وجمال وزوجتيهما، وعدد من رموز نظامه، بعد دعاوى قضائية في مصر اتهمتهم باختلاس أموال الدولة. وتضمنت العقوبات تجميد أصول ممتلكاتهم بالاتحاد الأوروبي، وحظر تمويلهم من قبل أي مواطن أو كيانات بدول الاتحاد.

ولم تكن المرة الأولى التي يحصل فيها مبارك وأسرته ورموز نظامه على قرارات لصالحهم بشأن أموالهم بالبنوك الأوروبية، ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2017، قررت سويسرا إغلاق التعاون القضائي مع القاهرة بشأن الأموال المهربة لنظام مبارك بسبب ما قالت إنه "فشل المساعدة القضائية من مصر".

غير أن موقع "سويس أنفو" السويسري الناطق بالعربية، نقل الشهر الماضي -عن بيان مكتب المدعي العام الفدرالي السويسري- أن أصولا مالية لأسرة مبارك تقدر بحوالي 400 مليون فرنك (حوالي 443 مليون دولار) ما زالت مُحتجزة في سويسرا، ويعود القسم الأكبر منها إلى علاء وجمال نجلي الرئيس المخلوع.

كما لفت كذلك إلى أنه عام 2018، أعادت سويسرا 32 مليون فرنك إلى الدولة المصرية، كانت في الأصل مملوكة لرجل الأعمال والسياسي السابق أحمد عـز، وهي المرة الوحيدة التي يقوم فيها مكتب المدعي العام الفدرالي بإعادة أصول مُجمّدة إلى الدولة المصرية.

من الدفاع للهجوم

وعقب قرار الإلغاء الأخير للاتحاد الأوروبي، انتقلت أسرة مبارك من مربع من يسعى لإسقاط التهم بحقه، إلى مربع الضحية صاحب الحق، من خلال إعلانها دراسة رفع دعوى ضد الاتحاد للحصول على تعويضات، نتيجة ما ادعت أنه الإدراج الخاطئ لها بقائمة العقوبات، والسلوك غير المبرر تجاهها على مدى العقد الماضي.

وفي هذا السياق، غرد علاء مبارك معلقا على القرار عبر حسابه الرسمي على موقع تويتر "قبل كل شيء الحمد والشكر لله، وتستمر الحقيقة في الظهور والقادم أفضل بإذن الله" وأرفق تغريدته ببيان مطول يحتفي بالقرار، ويتضمن تلميحات بأن قرار العقوبات الملغى كانت له "أبعاد سياسية".

ضياع الأموال

الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب، يرى أنه، بعد قرار الاتحاد الأوروبي، بات من المستحيل أن مطالبة الدولة المصرية مجددا بهذه الأموال.

ولفت -في حديث للجزيرة نت- إلى أنه طبقا لما توفر له من بيانات ومعلومات "لم تحصل مصر على مليم واحد من هذه الأموال حتى هذه اللحظة" مرجعا ذلك إلى وجود تقصير واضح فيما اتخذته الأنظمة المتعاقبة منذ الثورة في السعي الجاد لتحقيق ذلك.

وبشأن حجم تلك الأموال المفرج عنها بعد قرار الاتحاد الأخير، يقول عبد المطلب إن التقديرات تختلف، لكنه رصد بيانات رسمية صادرة عن المحكمة الأوروبية تكشف أنها في حدود 527 مليون يورو (قرابة 10.5 مليار جنيه مصري) لافتا إلى أنها فقط الموجودة في سويسرا والمملكة المتحدة.

ويرى الخبير الاقتصادي أنه بات من حق، من تم رفع الحظر عن أمواله، الحصول عليها، إلا أن ذلك لا يحول دون وقوعه تحت طائلة القانون المصري حال إقدامه على هذه الخطوة.

تخوف وضغط

ولعل التخوف من ذلك هو ما دفع أسرة مبارك إلى الاحتفاء بالقرار وإصدار بيان مطول بشأنه، حسب أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية في القاهرة سعيد صادق، حيث تهدف الأسرة من ذلك -في تقديره- إلى التمسك بأكبر قدر من المؤيدين، للضغط حال تعرضت لأضرار من أي نوع مستقبلا.

ويذهب صادق -في تصريحات صحفية- إلى أن إلغاء العقوبات لن يلغي الأسئلة حول هذه الثروة ودوافع تهريبها، وأن الاحتفاء لن يحقق هدف تحسين الصورة الذهنية للأسرة، ولن يقطع الطريق أمام أي إجراءات للدولة بشأن هذه الأموال.

ويشير المحلل الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي إلى أن هذا الإفراج لم يكن الأول لصالح مبارك وأسرته، حيث سبق أن أعلنت سويسرا رفعها تجميد أصول لهم، معتبرا هذه القرارات متوقعة كون أغلب الأحكام بحق أسرة مبارك صدرت بالبراءة، ومن ثم لا توجد أحكام تتعلق بالأموال المودعة في بنوكهم.

ويضيف الصاوي -في حديثه للجزيرة نت- أن هذه القرارات تنهي الجدل بشأن هذه الأموال، وبات من حق أسرة مبارك الحصول عليها، فلعدم وجود أي حكم بالإدانة بحقهم، وأنها أصبحت أموالا شخصية لهم وليست للدولة، وبالتالي سيكونون أصحاب القرار بشأنها، فإما أن يحتفظوا بها في أماكنها، أو ينقلوها لبنوك أخرى.

ويذهب إلى أن التقديرات المتداولة للأموال المفرج عنها مؤخرا لا يتوفر ما يثبتها بشكل واضح، فالبنوك الأوروبية تعمل بمبدأ سرية الحسابات المتعارف عليه مصرفيا للحفاظ على خصوصية العملاء، لكنه أشار إلى أن ما أفرجت عنه سويسرا صدر بشأنه بيان رسمي، لكنه بخلاف تقديرات مبالغة كانت متداولة حينها.

واتفق المحلل الاقتصادي مع عبد النبي في أن الأنظمة المصرية المتعاقبة، منذ الثورة، كان لديها حالة تقاعس شديدة في جدية التعامل مع هذا الأمر، لافتا إلى أن اللجان التي تشكلت للحصول على هذه الأموال كان أغلب أعضائها من رجال نظام مبارك، ومن ثم لم تكن لديهم نية حقيقية لاسترجاع تلك الأموال للدولة.

الإرادة السياسية

الخبير الاقتصادي مصطفى عبد السلام، يرى أن تجارب الحكومات العربية مع ملف استرداد الأموال المهربة للخارج سيئة في مجملها، لكن هناك استثناءات محدودة كاسترجاع بعض أصول نظام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي وزوجته.

وفي تصريحات للجزيرة نت، أرجع عبد السلام سبب ذلك إلى عدم وجود إرادة سياسية حقيقية لاستعادة تلك الأموال، والتي بات من حق أسرة مبارك وورموز نظامه التصرف فيها.

وبشأن حجم تلك الأموال، يذهب عبد السلام كذلك إلى أن التقديرات المتداولة منذ الثورة والتي وصلت حد 70 مليار دولار، مبالغ فيها، مشيرا في هذا السياق إلى أن البنوك السويسرية كشفت حين القرار السابق بالإفراج عن الأموال المودعة لديها عن أنها تبلغ قرابة 430 مليون فرنك سويسري

ولفت إلى وجود أصول أخرى مملوكة لعائلة مبارك، كما ورد في وثائق بنما، منها شقق وعقارات في لندن وودائع في بنوك أوروبية وشركات في جزر البهاما وغيرها من الملاذات الضريبية، لكن لا يوجد إحصاء دقيق لثروة عائلة مبارك في الخارج.

المصدر : الجزيرة