بعد الصين.. لماذا يسعى بايدن لفتح جبهة مواجهة أخرى مع روسيا؟

الاستخبارات الأميركية نشرت تقريرا الثلاثاء الماضي أكدت فيه أن بوتين سمح بشن هجمات إلكترونية هدفت إلى تشويه سمعة بايدن، ودعم ترامب في الانتخابات الأخيرة

في الوقت الذي يستعد فيه مراقبو السياسة الخارجية الأميركية إلى النظر تجاه ولاية ألاسكا حيث يجتمع وزير الخارجية أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، مع نظيريهما الصينيين، فاجأ الرئيس جو بايدن العالم بتصريحات تصعيدية تجاه روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين.

وبعد ساعات من بث مقابلة تلفزيونية أجرتها شبكة "إيه بي سي" (ABC) مع بايدن، سحبت موسكو سفيرها من واشنطن للتشاور. وتوعد بايدن، خلال المقابلة، الرئيس الروسي ووصفه "بالقاتل"، وتعهد بجعل روسيا تدفع ثمن تدخلها في الانتخابات الأميركية الماضية.

وقال بايدن إنه ونظيره الروسي يعرفان بعضهما جيدا، وإن على بوتين أن يستعد لدفع الثمن إذا ثبت تدخله في تلك الانتخابات، وأضاف أنه لا يظن أن لدى زعيم روسيا قلبا. وعندما سئل خلال المقابلة عما إذا كان يعتقد أن بوتين قاتل، قال "أعتقد ذلك". وردا على سؤال عن العواقب التي يقصدها، قال بايدن "سترون قريبا".

ولا يعرف بعد ما إذا كانت هذه التصريحات بمثابة موقف أميركي جديد، أم مجرد هفوة أخرى من هفوات بايدن جاءت في إطار رده السريع على سؤال مباغت، وهو نمط اشتهر به خلال تاريخه السياسي الطويل.

تصعيد أميركي

وكانت أجهزة الاستخبارات الأميركية قد نشرت تقريرا أول أمس الثلاثاء أكدت فيه أن الرئيس الروسي سمح بشن هجمات إلكترونية هدفت إلى تشويه سمعة الرئيس بايدن، ودعم سلفه دونالد ترامب بانتخابات 2020.

كما فرضت الولايات المتحدة مؤخرا عقوبات على 7 من كبار المسؤولين الروس بتهمة محاولة تسميم وسجن المعارض الناشط أليكسي نافالني الذي نُقل مؤخرا إلى أحد المعتقلات، بعد محاكمة تراها الولايات المتحدة صورية مكررة المطالبة بالإفراج الفوري عنه.

وأعلنت وزارة التجارة الأميركية الأربعاء أنها ستوسع القيود المفروضة على الصادرات إلى روسيا نتيجة انتهاكها الحظر الدولي ضد الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، وذلك باستخدام غاز الأعصاب نوفيتشوك.

الصين أولا

وبما أن علاقات واشنطن مع بكين تشهد تدهورا سريعا لم يوقفه وصول بايدن للحكم، فقد استغرب معلقون أميركيون هجوم بايدن المفاجئ على شخص الرئيس الروسي.

وقبل أيام شارك بايدن في لقاء قمة افتراضي لما يسمى بدول "كواد" (Quad) الأربع -وهي تحالف يضم كلا من اليابان والهند وأستراليا والولايات المتحدة- التي يجمعها قلق متزايد ومشترك من تهديدات الصين ورغباتها التوسعية في مناطق المحيطين الهندي والهادي.

ولم تشر وثيقة "التوجيه الإستراتيجي المؤقت لإستراتيجية الأمن القومي" -والتي أصدرتها إدارة بايدن قبل أسبوعين- إلى روسيا إلا 5 مرات منها 3 في إطار الإشارة لاتفاقية ستارت، ومرتين كقوة منافسة تمثل تحديا للولايات المتحدة.

في حين ذكرت الوثيقة الصين 15 مرة كلها في إطار ضرورة التأهب لمواجهة تهديداتها، حيث أصبحت هي المنافس الوحيد القادر على الجمع بين القوة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية، وتحدي القدرات الأميركية.

ُيذكر أنه وطبقا لتصنيف "غلوبال فاير باور" (Global Firepower) لأضخم الميزانيات العسكرية، تتقدم الولايات المتحدة في حجم الإنفاق الدفاعي بنحو 750 مليار دولار سنويا، تليها الصين 224 مليارا، في حين تأتي روسيا في المرتبة الثامنة عالميا بـ 44 مليارات فقط.

سوء تقدير

بعد 6 أيام من بدء حكمه، هاتف الرئيس الأميركي نظيره الروسي، وأشار بيان البيت الأبيض حينذاك إلى أن الزعيمين تحدثا في كل ملفات العالقة بين البلدين، واتفقا على الحفاظ على اتصالات شفافة ومتسقة بينهما في المستقبل.

وخلال المحادثة الهاتفية، عبر بايدن عن استيائه من الاختراق الإلكتروني الروسي للعديد من المواقع الأميركية الحساسة، ومن تقارير متعلقة بقضية المكافآت الروسية لمقاتلي طالبان مقابل قتل جنود أميركيين، ووعد بفتح هذه الملفات مجددا.

ويصر بايدن على أنه يمكن تحقيق أهداف متناقضة في سياسته تجاه روسيا، فمن ناحية يمكن التعاون معها بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك، مثلما جرى بحالة الاتفاق على تمديد اتفاقية الأسلحة النووية "ستارت الجديدة" (New START) وفي الوقت ذاته التعهد بمحاسبة بوتين على تدخلاته بالانتخابات الأميركية والعدوان في أوكرانيا، ومحاولته قتل معارضيه.

ورغم التراجع الاقتصادي والعسكري لروسيا، فلديها كثير من الأوراق في قضايا هامة بالنسبة للولايات المتحدة، خاصة تجاه ما يتعلق بمستقبل الصراع في أفغانستان، ومستقبل سوريا، إضافة لعلاقات مميزة اقتصادية وعسكرية تجمعها بإيران.

ويبدو أن بايدن لم يضع في حساباته طبيعة رد الفعل الروسي على ما يتخذه من قرارات، وما يخرج عنه من تصريحات.

المصدر : الجزيرة