قنبلة موقوتة تهدد العراق.. ما مصير أطفال تنظيم الدولة وما عددهم؟

معظم الدول الأجنبية ما زالت ترفض استقبال أطفال تنظيم الدولة الذين يحمل آباؤهم جنسياتها

زيارة الصليب الدولي لاحد السجون في العراق
ممثلة عن الصليب الدولي أثناء زيارة سابقة لأحد السجون في العراق (الجزيرة)

لا ماضي، لا حاضر ولا مستقبل؛ هكذا تبدو حياة أطفال تنظيم الدولة الإسلامية الموجودين في السجون العراقية، والخوف من تحولهم إلى جيل يهدد المستقبل من جهة ويلاقي مصيرًا مجهولًا من جهة أخرى.

وقد اعتقلت القوات العراقية آلافا من مسلّحي تنظيم الدولة وعناصره أثناء الحرب بين الجانبين على مدى 3 سنوات (2014-2017)، من بينهم مئات الأجانب من جنسيات مختلفة.

وحسب وزارة الخارجية العراقية فإن الحكومة رحّلت 940 طفلًا من مختلف الجنسيات، منهم 248 طفلًا أذريًّا بالتنسيق مع دول أخرى.

شيخ دلير أشارت إلى أن تركيا وأذربيجان وافقتا على استرجاع عدد من أطفال تنظيم الدولة (الجزيرة)

باقون في السجون

"هناك 4 آلاف طفل داخل السجون العراقية، بينهم أطفال يعود نسبهم إلى عناصر عراقية في تنظيم الدولة وآخرون من آباء يحملون جنسيات أجنبية مختلفة بينها الفرنسية والألمانية والأسترالية وغيرها"، كما تؤكد عضوة مجلس النواب العراقي ريزان شيخ دلير.

وأشارت شيخ دلير -في حديث للجزيرة نت- إلى أن "القانون العراقي ينص على إبقاء هؤلاء الأطفال على الديانة الإسلامية حتى بلوغهم 18 عامًا، ومن بعد ذلك لهم الحرية في اختيار الدين الذي يريدونه".

وأضافت أن "هؤلاء الأطفال سيبقون في السجون إلى إشعار آخر، كون جميع الدول الأجنبية ترفض استقبالهم، ويبقى العراق هو المسؤول عنهم".
شيخ دلير تحدثت قائلة أيضًا إن "تركيا وأذربيجان هما الدولتان الوحيدتان اللتان وافقتا على عودة عدد منهم، إذ استقبلت تركيا قبل أشهر قليلة عددًا من الأطفال من آباء أتراك".
وبشأن التكلفة المالية لهؤلاء الأطفال، أوضحت دلير أن "الحكومة العراقية تصرف يوميًا لكل طفل قرابة 10 آلاف دينار عراقي (ما يعادل نحو 7 دولارات)، وليس لديهم مستقبل كونهم من دون مدارس ولا يملكون جنسية ووضعهم صعب جدًا".
وكشف تقرير للأمم المتحدة العام الماضي عن أن بعض الأطفال في العراق ما زالوا غير قادرين على تلقّي التعليم رغم الهزيمة التي مني بها تنظيم الدولة في العراق قبل 3 أعوام، ولا يستطيع هؤلاء الأطفال حتى الآن الحصول على الوثائق المدنية اللازمة لالتحاقهم بالمدارس الحكومية.
وأعلنت الحكومة العراقية قبل أشهر ترحيل 112 طفلًا من تنظيم الدولة يحملون الجنسية الأذرية إلى بلادهم كانوا مُودعين مع أمهاتهم المحكومات بالسجن من قبل القضاء العراقي لانتمائهنّ إلى التنظيم.

العبدلي نصحت باللعب والحديث مع أفراد العائلة بدلًا من الواقع الافتراضي (حصرية)
العبدلي قالت إن العراق لا يملك الإمكانات الكافية لإعادة تأهيل أطفال تنظيم الدولة (الجزيرة)

قنبلة موقوتة

في المقابل، ترى الباحثة الاجتماعية شهرزاد العبدلي أن "العراق لا يملك الإمكانات المالية والاستعدادات الكافية لإعادة تأهيل هؤلاء الأطفال من جديد بهدف دمجهم في المجتمع مرة أخرى".

ووصفت العبدلي -في حديث للجزيرة نت- هؤلاء الأطفال بـ"(القنبلة الموقوتة)، كونهم يعيشون في بيئة غير صحيحة وغير صالحة، من دون وجود برامج علاجية وتأهيلية لهم ومن ثمّ من الصعب إعادتهم في ظل هذه المعطيات إلى المجتمع".

وأشارت إلى أن "عدم وجود مدارس خاصة لهم والإبقاء عليهم في ظروف كهذه سيجعلهم مجرمين أو إرهابيين يسيرون على خطى آبائهم ومن ثمّ سيكون من الخطر تركهم على هذا الحال".

ويتولى القضاء العراقي محاكمة عناصر التنظيم المحليين والأجانب وفق المادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب، التي تنص على "الحكم بإعدام كل من ارتكب جريمة بصفته فاعلا أصليا أو شريكا في الأعمال الإرهابية".

عضو مفوضية حقوق الانسان علي البياتي
البياتي كشف عن وجود أكثر من 300 طفل و550 امرأه من جنسيات أجنبية في السجون العراقية (الجزيرة)

تأخر فحص الـDNA

في غضون ذلك، كشف عضو مفوضية حقوق الإنسان، علي البياتي، عن "وجود أكثر من 300 طفل و550 امرأه من جنسيات أجنبية في السجون العراقية منذ استعادة المدن العراقية من عناصر تنظيم الدولة".
وأضاف البياتي -في حديث للجزيرة نت- أن "تأخر تسلّم الدول الأجنبية الأطفال يعود إلى تأخر فحص الحمض النووي وما يثبت انتماءهم لهذه الدول، وأن أغلب الدول لا تريد تسلّمهم لعدم رغبتها في دخول هذه الشريحة التي كانت ضمن منظومة إرهابية".
ونظرت المحاكم العراقية في العامين الماضيين، في أكثر من 20 ألف قضية إرهاب ضد مشتبه بانتمائهم إلى تنظيم الدولة ومن ضمنهم مئات الأطفال، وفقًا لتقرير الأمم المتحدة الذي يجد أن ذلك بعيد عن تحقيق العدالة، وأن هذه المحاكمات تشوبها عيوب خطرة.
وحسب التقرير فإن 44 من الحالات تعلّقت بمتّهمين كانوا أطفالا في وقت نشاطهم المزعوم مع التنظيم، في حين قال أغلبهم إنهم تعرضوا للتعذيب لكن معظمهم حُكم عليهم بالسجن بين 10 و20 سنة.
وفي محاولات مستمرة للحديث مع وزارة الداخلية العراقية للسؤال عن مصير هؤلاء الأطفال وعن أوضاعهم في السجون الآن، رفض المتحدث باسم الوزارة اللواء خالد المحنا التعليق على الموضوع.

عضو مفوضية حقوق الانسان العراقية - فاضل الغراوي
الغراوي أكد استمرار المفاوضات مع جميع الدول للتوصل إلى حل يضمن حقوق هؤلاء الأطفال (الجزيرة)

مباحثات مستمرة

من جهته قال عضو منظمة حقوق الإنسان العراقية، فاضل الغراوي، إن "العراق اتفق مع عدد من الدول على إعادة الأطفال إلى بلدانهم الأصلية"، وأشار -في حديث للجزيرة نت- إلى أن "هناك مفاوضات ومباحثات مستمرة مع جميع الدول بهدف التوصل إلى حل نهائي يضمن حقوق هؤلاء الأطفال والتكفل بهم".
وأضاف أن "الحكومة العراقية ترفض منح هؤلاء الأطفال الجنسية كون القانون يمنع ذلك، وهي ملزمة بإبقائهم في السجون وتوفير الطعام والشراب لهم إلى حين الاتفاق على إعادة الأجانب إلى دولهم".

ويقول مراقبون إن هؤلاء أطفال لا ينبغي للعالم أن يتخلى عنهم بهذه السهولة، فهم معرضون بالفعل لخطر أن يصبحوا الوجه الجديد للتنظيم، وكلما تخلى العالم عنهم، زاد احتمال شعورهم بأنهم ليس لديهم خيار آخر.

وأبلغت المحكمة الإدارية ببرلين، في ديسمبر/كانون الأول عام 2019، وزارة الخارجية الألمانية بضرورة إعادة الأطفال المنتمين لأسر قاتلت في تنظيم الدولة في العراق وسوريا، غير أن القرار لم يدخل بعد حيز التنفيذ.

وفي مبادرة برلمانية فرنسية دعا 76 نائبًا من أحزاب سياسية مختلفة في 17 سبتمبر/أيلول عام 2020، لإعادة أطفال التنظيم الفرنسيين وأمهاتهم إلى وطنهم فرنسا على أن تُقدّم الرعاية اللازمة للصغار وتُعرض الأمهات على القضاء الفرنسي لمحاكمتهن.

المصدر : الجزيرة