"تسييس" كورونا وتطعيم "سيادي".. هل سيُحرم اللبنانيون من توزيع عادل للقاح؟

تلقيح المسؤولين عكس أزمة ثقة بين اللبنانيين والمؤسسات الحكومية ومن يمثلونها، وبين الأخيرة والمجتمع الدولي

أمام أحد مراكز التلقيح_ الجزيرة
بدأ لبنان عملية التلقيح منتصف الشهر الجاري إثر حصوله على أول دفعة مؤلفة من 28 ألف جرعة من لقاح "فايزر-بيونتك" (الجزيرة)

بينما يترقب العالم حملة التطعيم ضد جائحة كورونا التي انطلقت في عدد كبير من الدول ينشغل اللبنانيون بخبر تلقي رئيس الجمهورية ميشال عون مع 10 من فريقه الرئاسي اللقاح في القصر الجمهوري، والكشف أيضا أول أمس الثلاثاء عن إعطاء اللقاح لـ16 نائبا مع عدد من موظفي مجلس النواب داخل مكاتبهم البرلمانية وليس في مراكز التلقيح المعتمدة رسميا.

ولم يهدأ السجال رسميا وشعبيا حول خلفية ما حصل، فاعتبره كثيرون انعكاسا لمنطق الزبائنية السياسية التي تتحكم بمفاصل البلاد، ولا سيما أن تلقي هؤلاء للقاح لم يراع الأولويات التي وضعتها الخطة الوطنية لمكافحة فيروس كورونا، مما دفع البنك الدولي الذي يمول حملة التلقيح بلبنان إلى التلويح بإمكانية وقف دعمه المادي في حال استمرت التجاوزات، وثمة ترقب للإجراءات التي يمكن أن يتخذها بهذا الشأن في المرحلة المقبلة.

تطعيم "سيادي"

ورغم إعلان الأمانة العامة للبرلمان أن هؤلاء النواب تجاوزوا 70 عاما فإن ردود الفعل الشاجبة استمرت، وكانت أخيرا حيال موقف وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن أمس الأربعاء، حيث قال إنه "اتخذ قرارا سياديا وارتأى بأن تتوجه الفرق الطبية إلى مجلس النواب من أجل إجراء عملية التلقيح للنواب تقديرا لجهودهم، لأن المجلس النيابي اجتمع خلال 7 أيام بشكل متتال وأقر قانون الاستخدام الطارئ للقاح".

موقف حسن أشعل غضب شريحة واسعة من اللبنانيين، فاستنكروا وضع تلقيح النواب بخانة "القرار السيادي".

وكان رئيس "اللجنة الوطنية للقاح" الدكتور عبد الرحمن البزري قد لوح باستقالته احتجاجا على تلقيح النواب كفعل تمييزي بين اللبنانيين، لكنه تراجع عنها، إلا أن مسؤولة الأخلاقيات في اللجنة الدكتورة تاليا عراوي قدمت استقالتها أمس، وامتنعت عن شرح خلفيات خطوتها.

وأطلق نواب ممن تلقوا اللقاح سلسلة مواقف توضيحية، ومنهم إيلي الفرزلي نائب رئيس مجلس النواب (71 عاما) الذي شرح آلية حصولهم على اللقاح بطريقة موثقة، معبرا عن غضبه من موقف المدير الإقليمي لدائرة المشرق في مجموعة البنك الدولي ساروج كومار الذي هدد بتعليق تمويل اللقاحات، متهما إياه بلعب "دور سياسي في هذا المجال"، وناشد البنك بإرسال ممثل بديل عنه.

epa09011451 Lebanese caretaker Health Minister Hamad Hasan (L) administers a dose of the Pfizer-BioNTech vaccine against the coronavirus disease (COVID-19) to a health worker at Rafic Hariri University Hospital in Beirut, Lebanon, 14 February 2021. Twenty-eight thousand doses of the fizer-BioNTech vaccine arrived to Lebanon on 13 February. The first doses will go to the elderly and the workers in the medical field according to the official high risk groups order. EPA-EFE/WAEL HAMZEH
وزير الصحة حمد حسن يفتتح حملة التطعيم في لبنان منتصف الشهر الجاري (الأوروبية)

أين "العدل" باللقاح؟

وبينما يعاني هذا البلد -الذي يسكنه نحو 6 ملايين نسمة- من سوء بالإدارة وأزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية غير مسبوقة تفاقمت بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب 2020 تحوم الشبهات حول عملية التلقيح، بعد أن تسربت أخبار عن فوضى بالمستشفيات وبروز شكاوى بشأن عدم الالتزام بالمواعيد المحددة عبر منصة وزارة الصحة التي طلبت الحكومة من الجميع التسجيل فيها عبر الإنترنت، مما يثير مخاوف اللبنانيين تجاه احتمال حرمانهم من توزيع "عادل للقاح".

وهنا، يعتبر المدير التنفيذي للجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية جوليان كورسون أن ما حصل على خلفية تلقيح المسؤولين عكس أزمة ثقة بنيوية بين اللبنانيين والمؤسسات الحكومية ومن يمثلونها، وبين الأخيرة والمجتمع الدولي، مما من شأنه أن يهدد صحة اللبنانيين "إذا غابت العدالة والشفافية بعد تسجيل هفوات كبيرة بعملية التلقيح".

ويلفت كورسون للجزيرة نت إلى أن التحدي الأبرز هو قياس عدد الناس الذين قدموا على المنصة مقارنة بالعدد المطلوب لبلوغ المناعة المجتمعية.

هذه النقطة، يوضحها الباحث في "الدولية للمعلومات" محمد شمس الدين بالإشارة إلى أن نحو 670 ألف لبناني فقط (حتى الآن) سجلوا عبر المنصة من أصل 3 ملايين و800 شخص من المفترض أن يسجلوا أسماءهم.

وأضاف شمس الدين للجزيرة نت أن إحصاءاتهم الأخيرة قبل وصول اللقاح بينت أن 38% من اللبنانيين يرفضون أخذه، وأن 31% منهم يريدون تلقي اللقاح، و31% لم يقرروا بعد (64% منهم تبين أنه بسبب خوفهم من آثاره الجانبية).

ومطلع الأسبوع الحالي، نشر مرصد الأزمة بالجامعة الأميركية تقريرا بحثيا اعتبر فيه أن الوتيرة البطيئة الحالية في عملية التلقيح لن تمكن لبنان من الوصول إلى مناعة مجتمعية قبل صيف 2025، لأن 25 ألفا تلقوا اللقاح في الأسبوع الأول -حسب وزارة الصحة- لا يشكلون وفق المرصد سوى 0.52% من السكان المستهدفين.

وانعكاسا لحالة الفوضى في عملية التلقيح، لفت المرصد أيضا إلى أن أكثر من 50% من الأشخاص الذين تلقوا اللقاح لم يسجلوا أسماءهم على المنصة، مما يطرح -وفق المرصد- أسئلة بشأن الشفافية والمعايير المعتمدة.

لكن شمس الدين يجد مبالغة في القول إن لبنان يستغرق حتى صيف 2025 للوصول إلى المناعة المجتمعية، ويراهن على تسريع عملية التلقيح بالأشهر المقبلة في حال وصلت آلاف الجرعات الإضافية من شركات عالمية أخرى غير "فايزر" (Pfizer).

ما المطلوب إذًا؟

يرى كورسون أن المطلوب أولا: تشديد المراقبة، وعدم إعطاء اللقاح لمن ليس مسجلا على المنصة، ثانيا: التسريع بعملية التلقيح عبر إشراك البلديات في تنظيمها من أجل ضمان توزيع عادل على مختلف المناطق، وأن تنشر وزارة الصحة يوميا عدد الأشخاص الذين سيتم تلقيحهم، وثالثا: ضرورة تحديث البيانات لدى الوزارات المعنية لضمان الشفافية، بعد ظهور تضارب كبير بالأرقام.

مسار اللقاح

هذا الحال، يترافق مع ارتفاع في عدد الإصابات بكورونا، إذ بلغ العدد التراكمي أكثر من 362 ألف مصاب، مع وجود نحو 911 حالة حرجة، وبلغ عدد الوفيات 4508 حالات حتى يوم أمس الأربعاء، بحسب وزارة الصحة.

وبدأ لبنان عملية التلقيح في 14 فبراير/شباط الجاري إثر حصوله على أول دفعة مؤلفة من 28 ألف جرعة من لقاح "فايزر-بيونتك" (Pfizer-BioNTech)، بعد أن خصص له البنك الدولي 34 مليون دولار لشراء اللقاحات ضمن حملة تلقيح وطنية تغطي مليوني شخص، على أن تصل باقي الجرعات في مراحل التطعيم اللاحقة.

وكان رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب قد وقع في منتصف يناير/كانون الثاني الماضي مرسوما بتوفير الاعتمادات المالية اللازمة لمليونين و730 ألف جرعة من اللقاحات من خلال منصة "كوفاكس" (COVAX)، كما سبق أن أعلن وزير الصحة عن تسلم لبنان دفعات أخرى من لقاح "أسترازينيكا-أكسفورد" (AstraZeneca-Oxford) البريطاني في مارس/آذار المقبل.

وفي المرحلة الأولى من التلقيح كان من المفترض أن تقتصر فقط على العاملين بمجال الرعاية الصحية ومن تزيد أعمارهم على 75 عاما، ثم أولئك الذين تزيد أعمارهم على 65 عاما، وكذلك من هم فوق الـ54 عاما ويعانون من وضع صحي خاص.

دعوات في لبنان إلى تشديد المراقبة في عملية التلقيح ضد كورونا (رويترز)

قلق الأطباء والممرضين

وفي السياق، يعبر نقيب الأطباء في لبنان شرف أبو شرف عن عدم اطمئنانه لسير عملية التلقيح، لافتا للجزيرة نت إلى أن أقل من 50% من الأطباء البالغ عددهم نحو 12 ألفا تلقوا اللقاح، وقد توفي من بينهم 31 طبيبا إثر إصابتهم بالفيروس.

وأكد النقيب أن التجاوزات ما زالت مستمرة، داعيا إلى ضرورة إشراك القطاع الخاص بتأمين اللقاحات عبر السماح للنقابة بشرائها عن طريق وزارة الصحة، لتسريع عملية تطعيم الطاقم الطبي والتمريضي "لأن الوقت لم يعد لصالحنا".

من جهتها، أشارت نقيبة الممرضين في لبنان ميرنا ضومط للجزيرة نت أن أقل من 5 آلاف ممرض وممرضة من أصل 16 ألفا تلقوا اللقاح فقط، رغم وفاة 5 ممرضين وإصابة أكثر من 1500 منهم بالفيروس.

وعبرت عن استنكارها لتأمين اللقاحات للمسؤولين "لأن أي استثناء -ولو بجرعة واحدة- يجب أن يكون من حصة الممرضين الذين تقع على عاتقهم عملية التلقيح".

وتؤكد ضومط أن الخطة الوطنية كانت ممتازة، لكن الخروقات الكبيرة تضرب العدالة بعملية التلقيح، مما يستوجب مراجعتها لتصحيح المسار، على أن ينتظر كل أحد دوره قبل فوات الأوان.

المصدر : الجزيرة