في ذكرى حادث قطار الصعيد.. ماذا فعلت السلطة لوقف نزيف السكك الحديدية؟

350 قتيلا كانوا ضحية الحادث الشهير الذي وقع عام 2002 (رويترز)

لنحو 9 كيلومترات تابع القطار سيره رغم اشتعال النيران في عرباته. لم يسمع السائق صرخات المسافرين، اختلطت الاستغاثات بأصوات احتكاك العجلات مع القضبان، ومع إدراك النهاية قفز من النوافذ مَن سمح له جسده بالقفز، ومَن خذله الجسد احترق ولم يبق منه سوى الرماد.

في الثانية من صباح 20 فبراير/شباط 2002، وعلى بعد 70 كيلومترا جنوبي القاهرة، اندلعت النيران في عربات قطار متجه إلى الصعيد حاملا مئات المصريين العائدين إلى مدنهم وقراهم الجنوبية لقضاء عطلة عيد الأضحى.

لمأساوية ملابساته ولضخامة عدد ضحاياه، عدّ ذلك الحادث الأسوأ في تاريخ السكك الحديدية المصرية، حيث بلغ عدد الضحايا 350 قتيلا و90 مصابا، حسب البيانات الرسمية، في حين تتحدث تقارير حقوقية عن أرقام أكبر من ذلك.

بعد الحادث وعلى مدى ما يقارب 20 عاما، لم يتوقف سقوط الضحايا على ما يسميه مصريون "سكك الموت الحديدية"، لأسباب تدور كلها داخل دائرة منظومة النقل بمصر، وهو ما دفع الحكومة مؤخرا إلى اتخاذ إجراءات تقول إنها تمثل حلا نهائيا لموت المصريين بسبب القطارات.

 

حادث قطار وقع في مصر في أغسطس/آب 2017 (وكالة الأنباء الأوروبية)

سكك الموت

للسكك الحديدية في مصر تاريخ عريق، حيث بدأ العمل على إنشائها عام 1834، لكن تسيير أول قاطرة في البلاد تم عام 1854، وبذلك أصبحت القاهرة هي الأولى في أفريقيا والشرق الأوسط التي تمتلك خطوطا حديدية، والثانية على مستوى العالم بعد لندن.

حاليا تمتلك وزارة النقل خطوطا حديدية بطول 9570 كيلومترا، ويبلغ عدد المحطات فيها 705 محطات.

وعلى مدى الـ25 سنة الأخيرة عانى المصريون من حوادث القطارات التي سقط بسببها مئات الضحايا، ووقع النصيب الأكبر منها في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك.

في عام 1995 داخل نطاق العاصمة القاهرة قتل 75 راكبا وأصيب المئات جراء تصادم قطار بمؤخرة قطار آخر، وبعد الحادث بعامين وقع حادث مشابه في الإسكندرية أدى إلى مقتل 50 راكبا، فضلا عن إصابة أكثر من 80 آخرين.

في عام 2006 اصطدم قطاران على سكة "المنصورة-القاهرة"، وأسفر الحادث عن سقوط 80 قتيلا ونحو 200 مصاب، وفي العام التالي تكرر اصطدام قطارين بشمال القاهرة، وراح ضحيته نحو 60 مصريا.

وفي عام 2009 تصادم قطاران على سكة "القاهرة-أسيوط"، وهو ما أدى إلى مقتل 30 شخصا وإصابة آخرين.

وفي عام 2012 اصطدمت حافلة مدرسية بقطار ركاب في محافظة أسيوط، وأسفر ذلك عن مصرع 44 تلميذا في مرحلتي رياض الأطفال والابتدائية، وفي العام التالي وقع حادث لقطار كان يقل مجندين من قوات الأمن المركزي، وهو ما أدى إلى وفاة 17 مجندا وإصابة أكثر من مئة.

وفي عام 2017 اصطدم قطاران للركاب في مدينة الإسكندرية، وأسفر الحادث عن مصرع 41 راكبا وإصابة أكثر من 120.

وشهد شهر فبراير/شباط 2019 حادثا مروعا، حيث اندلع حريق ضخم في محطة القطارات الرئيسية بالقاهرة إثر اصطدام قطار بحاجز خرساني أسفر عن 22 قتيلا وعشرات المصابين بحروق.

حصيلة بالآلاف

وفق إحصائية رسمية أعدتها هيئة السكة الحديدية بالتعاون مع الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، قُدر عدد حوادث القطارات في مصر بـ12 ألفا و236 حادثا بين عامي 2006 و2016، ووقع أكثر عدد من الحوادث عام 2009، في حين شهد عام 2012 أقل عدد منها.

في منتصف عام 2020 أصدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تقريرا مفصلا بشأن حوادث القطارات عام 2019، ذكر فيه وقوع نحو 1863 حادثا، مقابل 2044 حادثا عام 2018، بنسبة انخفاض قدرها 8.9%.

جهود حكومية

حسب تقرير أصدره البنك الدولي في ديسمبر/كانون الأول 2018، تعتبر مصر أنها بحاجة إلى إنفاق نحو 10 مليارات دولار على إصلاح السكك الحديدية بين عامي 2019 و2029.

قبل صدور هذا التقرير بشهر كانت الحكومة المصرية بدأت تحركات بالفعل في طريق تطوير السكك الحديدية، حيث وقّعت القاهرة اتفاقية اُعتبرت الأضخم في تاريخ هيئة السكك الحديدية، وذلك مع شركة روسية مجرية لتوريد 1300 عربة سكة حديدية بنحو مليار و16 مليون يورو.

وشملت بنود الاتفاقية بناء ورشة في مصر لأعمال الصيانة للعربات المستوردة، وتدريب العمال المصريين على أعمال الصيانة.

على مدى عامين استلمت مصر 227 عربة جديدة من أصل عدد العربات المتعاقد عليها، ومن المقرر أن يتوالى وصول باقي العربات وفق جدول زمني متفق عليه، حيث يتم توريد 35 عربة ركاب شهريا.

كذلك تعاقدت وزارة النقل مع شركة جنرال إلكتريك (General Electric) الأميركية على تصنيع وتوريد 110 جرارات جديدة للسكة الحديدية، إضافة إلى إعادة تأهيل 81 جرارا خارج الخدمة، وتوفير قطع الغيار اللازمة لها، بتكلفة تتجاوز 600 مليون دولار.

كما أعلنت الحكومة عن خطة إنشاء 3 خطوط سكك حديدية جديدة بطول 1310 كيلومترات، وهي خط "القاهرة-الأقصر" بطول 700 كيلومتر، وخط "الأقصر-الغردقة" بطول 300 كيلومتر، وخط "الإسكندرية-القاهرة" بطول 210 كيلومترات.

وثمة خطة حكومية أخرى تم الإعلان عنها، وهي تشمل مسار تطوير البنية التحتية لهيئة السكك الحديدية على مستوى المحطات وأنظمة الإشارات والتحويلات وإقامة مزلقانات إلكترونية.

وفي يناير/كانون الثاني الماضي جدد الرئيس عبد الفتاح السيسي حديثه عن حرص الحكومة على تطوير قطاع السكك الحديدية، مؤكدا أنه بنهاية العام الجاري سيتم تجديد أسطول القطارات كاملا.

وأردف "حاسبوني في ديسمبر (كانون الأول) 2021 على رفع كفاءة السكك والمحطات، مش هتلاقو عربية واحدة أو جرار قديم".

ويبدو أن الجهود الحكومية في قطاع السكك الحديدية ليست كافية ليشعر بها المواطنون، ففي جلسة استماع لوزير النقل كامل الوزير -أمام مجلس النواب في يناير/كانون الثاني الماضي- وجهت النائبة البرلمانية ريهام عبد النبي طلبا بضرورة الاهتمام بجودة الخدمات داخل القطارات والاهتمام بالمرافق وتحديث الجرارات.

القطار الكهربائي

كما ثار جدل على مواقع التواصل بشأن ما أعلنت عنه السلطة من الاستعداد لإقامة قطار كهربائي فائق السرعة من المقرر أن يجري على 4 مراحل بطول ألف كيلومتر، الأولى "العين السخنة-العلمين"، والثانية "أكتوبر-أسوان"، والثالثة "الغردقة-سفاجا- قنا"، والرابعة "الإسكندرية-السلوم"، بتكلفة قدرها 23 مليار دولار، على أن تنهي المرحلة الأولى خلال عام 2023.

ومع الإعلان الحكومي عن المشروع وتكلفته الكبيرة، علت الأصوات المعارضة له والمندهشة من الاستثمار الرسمي في مشروع بتكلفة مرتفعة، في الوقت الذي تعاني فيه قطاعات أهم من الإهمال مثل الصحة والتعليم، دون تحرك من جانب مؤسسات الدولة.

وتساءل رواد مواقع التواصل الاجتماعي عن الجدوى الاقتصادية من المشروع، خاصة المرحلة الأولى منه "العين السخنة- العلمين" التي ستمر بمدن صحراوية منها العاصمة الإدارية الجديدة.

 

 

المصدر : الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي