جدل حل الحكومة يحتدم.. ما المراد بتوسعة المشاركة في السلطة بالسودان؟

Sudan army foils coup attempt
البرهان (وسط) عقد 3 اجتماعات مع حمدوك (يمين) دون أن تسفر عن أي نتائج (الأناضول)

الخرطوم- ساعة بعد ساعة ينفتح المشهد السوداني على تطورات متصاعدة من شأنها الإلقاء بظلال كثيفة على مجمل الفترة الانتقالية التي تواجه تحديات عصية، في ظل عمليات استقطاب واستقطاب مضاد بين المدنيين والعسكريين شركاء الحكم.

وخلال اجتماع مطول عقد الخميس بين رئيس الوزراء عبدالله حمدوك ورئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان، وهو الثالث من نوعه بين الرجلين خلال الأيام العشرة الأخيرة، وضع البرهان أمام حمدوك طلبه المعلن بضرورة حل الحكومة الحالية وتوسعة قاعدة المشاركة بتكوين حكومة جديدة، لكن المفاجأة لكثيرين كانت رد حمدوك بالرفض والتذكير بأن حكومته هي صناعة تحالف الحرية والتغيير -الائتلاف الحاكم- وهو مَن عيّنه في المنصب ورشح الوزراء الحاليين وفقا لموقع "سودان تربيون" الإخباري.

جيفري فيلتمان تحدث هاتفيا مع البرهان وحمدوك مؤكدا أهمية الالتزام بالمرحلة الانتقالية وفق الإعلان الدستوري (رويترز)

وبحسب مراقبين فإن هذا التطور جاء عقب مكالمتين من المبعوث الأميركي الخاص للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان تحدث فيهما إلى كل من حمدوك والبرهان يومي 12 و13 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، مؤكدا أهمية التزام مجلس الوزراء ومجلس السيادة بالمرحلة الانتقالية ‏على النحو المنصوص عليه في الإعلان الدستوري عام 2019 واتفاقية جوبا للسلام لعام 2020 وفقا لبيان من الخارجية الأميركية صدر الخميس.

وجدد المبعوث التأكيد على أن جميع مكونات المرحلة الانتقالية، بما في ذلك أعضاء مجلس السيادة ومجلس الوزراء وقوى الحرية والتغيير ‏عليهم تجنب سياسة حافة الهاوية والاتهامات المتبادلة، والعمل معًا لحل الخلافات من خلال الحوار دون شروط مسبقة.

ومع ذلك، تتكاثف الدعوات وسط مجموعة "تيار الحرية والتغيير-الوفاق الوطني" التي تحظى بدعم العسكريين للخروج في موكب جماهيري السبت للمطالبة بحل الحكومة وتوسعة المشاركة في السلطة دون المساس بحصص اتفاق السلام وهو ما تعترض عليه مكونات المجلس المركزي المتهمة بالسيطرة على قرار الائتلاف الحاكم.

والخميس، نظم مئات القانونيين المؤيدين لحكومة حمدوك موكبا إلى القصر الرئاسي لمطالبة العسكريين بنقل رئاسة السلطة للشق المدني في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وهو ما عكس حجم التحشيد والاستقطاب الشديد قبل تجمع السبت والذي سيعقبه آخر في 21 أكتوبر/تشرين الأول الجاري لدعم السلطة المدنية.

ما المراد بتوسيع الحكومة

ويبرز سؤال عن القوى التي يرغب البرهان ومؤيدوه من الحركات المسلحة وبعض الأحزاب في ضمها لتحل مكان الحكومة الحالية خاصة أن كافة الأحزاب والحركات الموقعة على اتفاق السلام شريكة في الحكومة باستثناء الحزب الشيوعي المعروف بعدائه للعسكريين على نحو لا يمكن أن يعنيه دعاة التوسعة.

ويرى القيادي في المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير معتز صالح أن القوى المطلوبة للحاق بالحكومة هي القوى التي تحالفت في وقت سابق مع حزب المؤتمر الوطني المحلول لكنه لم يجرؤ على تسميتهم بشكل صريح.

ويقول للجزيرة نت "البرهان لا يستطيع مطالبتنا بضمهم لأنه يدرك أن الوثيقة الدستورية منعت مشاركة من شارك النظام السابق في فترة الانتقال". وبالرغم من ذلك يقول صالح إن البرهان وآخرين يرغبون في إلحاق الفلول وجماعات حزبية محسوبة على النظام السابق.

محامون تظاهروا في الخرطوم للمطالبة بنقل السلطة للمدنيين في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل (مواقع التواصل)

مناورة أم ضرورة؟

وفي المقابل، يبرر الأمين السياسي لحركة العدل والمساواة سليمان صندل دواعي المطالبة بتوسعة المشاركة بعملية الاختطاف للتحالف العريض التي نفذتها 4 أحزاب (حزب الأمة القومي، والتجمع الاتحادي، والمؤتمر السوداني، وحزب البعث العربي الاشتراكي) برغم أن 79 حزبا وقعت ميثاق الحرية والتغيير تغيب الآن وينحصر الأمر بيد مجموعة صغيرة تسيطر على الأمور بما يفرض وفقا لصندل العودة لمنصة التأسيس بأن تجتمع كل هذه القوى وتتفق على الهيكل الخاص بالحرية والتغيير، بعدها يتم الاتفاق على شكل اتخاذ القرارات والإدارة وغيرها.

ويقول للجزيرة نت إن الدعوة للتوسيع تفرضها كذلك وجود قوى سياسية كان لها إسهام واضح في التغيير بما يمكن إلحاقها بالبرلمان لحفظ الفترة الانتقالية من المتشاكس وإشراك الجميع في حل الأزمات قبل أن يؤكد ضرورة ألا يشمل هذا التشارك حزب المؤتمر الوطني المحلول.

ويبدي القيادي قناعة كبيرة بأن الإضافات المقترحة للائتلاف الحاكم وتبديل الحكومة من شأنها معالجة الانقسام الحالي في الشارع وأن الاتفاق على حكومة ذات قاعدة كبيرة يخفف من المشاكل، متسائلا بالقول لماذا تعطي حزبا واحدا 6 وزراء، في إشارة لحزب الأمة القومي الذي يشغل منسوبوه 6 مناصب.

ويصف معتز صالح هذا الحديث بأنه محض مناورة ومحاولة لاستغلال الخلافات التنظيمية بين بعض أطراف الحرية والتغيير ولا سيما أن غالب القوى السياسية تشارك في الحكومة ولا توجد أحزاب أساسية خارج الحرية والتغيير كما ينبه إلى وجود إجراءات تنظيمية يعكف عليها منذ توقيع الإعلان السياسي لإعادة هيكلة هياكل الحرية والتغيير لاستيعاب الجميع.

ومن وجهة نظر رئيس تحرير صحيفة الجماهير عبدالله رزق فإن دعوة البرهان لتوسيع المشاركة مثيرة للريبة في ظل عدم تسميتها ما يرجح أنه يعني الإسلاميين، وهو توصيف وفقا لقوله أوسع من المؤتمر الوطني، المحظور قانونا.

ويشير رزق في حديث للجزيرة نت إلى أن رئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم، كان أكثر وضوحا في تحديد هذه القوى، فإلى جانب المؤتمر الشعبي، هناك حركة الإصلاح الآن بقيادة غازي صلاح الدين، وأحزاب إسلامية أخرى، خرجت من المظلة الأم.

ويتابع "غير أن البرهان، ربما يقصد أيضا جماعات من حزب الأمة والاتحادي الديمقراطي الأصل، وبعض الأحزاب التي شاركت النظام السابق لخلق عصبية سياسية جديدة للحكم، على قاعدة حل الحكومة الحالية، وإعادة تكوينها لتستوعب القادمين من الحاضنة الجديدة، وإحداث توازن جديد للقوى، داخل الحكم، بين من هم من قوى الثورة، وبين المحسوبين، من قوى الثورة المضادة.

حل الحكومة

ويشدد سليمان صندل على ألا خيار سوى حل الحكومة لأن أصل المشكلة سياسي، كما يحمّل المجلس المركزي للحرية والتغيير مسؤولية ما سمّاه الوضع الغريب الحالي برفضه الإصلاح والإصرار على توقيع إعلان سياسي برغم إدراكه وجود قوى كثيرة خارجه.

وبحسب المحلل السياسي أمير بابكر فإن رفض رئيس الوزراء حل الحكومة حق كفلته له الوثيقة الدستورية الموقعة من أطراف السلطة الانتقالية، حيث حددت الوثيقة أن من يختار رئيس الوزراء والطاقم الوزاري هو قوى الحرية والتغيير وليس غيرها، وحتى بعد تعديل الوثيقة عقب اتفاق سلام جوبا، لم يتغير حق ترشيح رئيس الوزراء.

وحسب الوثيقة الدستورية فالبرهان لا يستطيع حل الحكومة وإن فعل ذلك سيعتبر انقلابا صريحا، ومن يستطيع حل الحكومة هو حمدوك، ويرى بابكر في حديثه للجزيرة نت أن هذا الطلب في هذا التوقيت يمكن قراءته بما يجري في الساحة السياسية طوال الفترة السابقة وإلى الآن، والمحاولات المستمرة للبرهان في إيجاد حاضنة سياسية بديلة للحرية والتغيير أو محاولة اختراقها بزعم التوافق الوطني وتوسيع مظلتها.

ويتابع المحلل بالقول "من له حق حل الحكومة هو حمدوك، ولكن من له حق تعيين الطاقم الوزاري هما الحرية والتغيير والحركات الموقعة على اتفاق سلام جوبا. وبما أن بعض حركات سلام جوبا الرئيسية في توافق مع البرهان، فإن الهدف من الطلب هو تعديل وزاري في حصة الحرية والتغيير بعد نجاح مخطط اختراقها".

ويؤكد أن البرهان لا يستطيع تجاوز حمدوك المسنود داخليا بإنجازات مهمة، كما أنه مدعوم خارجيا، خاصة أن المجتمع الدولي أصبح يراهن على التحول المدني الديمقراطي تحت قيادته في الفترة الانتقالية وصولا إلى مرحلة الانتخابات حسب المصفوفة الزمنية (الجداول الزمنية) المتفق عليها.

وفي خضم حالة التجاذب هذه خرج المستشار الإعلامي للبرهان العميد الطاهر أبو هاجة بمكتوب قال فيه إن الحكومة حلت نفسها عندما حلت الحبل الذي يربطها بالشعب فصار في حل عنها، وصارت في حي آخر، في إشارة إلى فشلها في حل الأزمات.

ويضيف "ماذا طلب منهم، غير جمع صفهم بلا إقصاء، واحترام وثيقتهم بلا خداع، والعمل لأجل الوطن لا لأجل الأحزاب، وخدمة الشعب لا الصراع حول المناصب".

ويكرر "هي (الحكومة) حلت نفسها أصلا لأنها صارت منذ حين في حل عن معاش الناس وهمومهم ومستقبلهم، إن لم نصدر القرار الصعب اليوم فسيكون عصيا غدا".

المصدر : الجزيرة