التصعيد في قضايا الحدود والمياه بين السودان وإثيوبيا: خلافات جديدة أم أطماع قديمة؟

ميدان - آبي أحمد والبرهان
(رويترز)

تمور منطقة القرن الأفريقي بأحداث عدة تشكل كل منها مهددًا كبيرًا للأمن والسلام والاستقرار الإقليمي؛ فما زالت دول حوض النيل الأزرق (إثيوبيا، والسودان، ومصر) على خلاف في قضية سد النهضة منذ قرابة 10 أعوام كما تفجرت في الشهور الماضية صراعات مسلحة داخل الدولة الإثيوبية بين مكوناتها القومية منذرة بمرحلة من انعدام الاستقرار الداخلي في دولة المقر للاتحاد الأفريقي، ثم جاءت أخيرًا تداعيات قضية الحدود بين السودان و إثيوبيا.

وتعدّ قضيتا الحدود والمياه قضيتين على قدر عال من الأهمية يمكن أن تلقيا بظلال كبيرة على العلاقات بين السودان وإثيوبيا. ورغم سعي الدولتين إلى احتواء الخلاف في إطار دبلوماسي سياسي فإن القضيتين أحيتا شعورا قويا لدى قطاع من السودانيين بأن لدى الجانب الإثيوبي أطماعا متجددة في السودان تتعلق بالأرض والمياه مع أن هذه القضايا حُسمت منذ عشرات السنين عبر اتفاقات محكمة وتحديدا اتفاقية 1902 بين الحكومة البريطانية الممثلة للسودان ومنليك الثاني ملك ملوك إثيوبيا.

تغيير الوقائع على الأرض لفرض الأطماع الإثيوبية

أعادت تداعيات قضية الحدود السودانية الإثيوبية طرح أسئلة مهمة تتعلق بالأمن القومي السوداني والعلاقات مع الجارة إثيوبيا، ويبدو من مسار قضيتي الحدود وسد النهضة تمددًا إثيوبيًا يستهدف تغيير معالم الجغرافية السياسية وتغيير الوقائع على الأرض عبر سياسة تقوم على فرض واقع جديد يتجاوز الاتفاقات الموقّعة بين الطرفين، ويؤدي مع مرور الوقت إلى تحقيق الجانب الإثيوبي (أوضاعا) مكتسبة على الأرض (تقنّن) لهذا التعدي، وتشكل سوابق تفتح الطريق لترحيل الأمر إلى مفاوضات طويلة على مراحل ممتدة، وهو تماما ما ذهب إليه السفير الإثيوبي في الخرطوم الذي اتهم السودان بأنه أخلّ باتفاق يبقي حال المزارعين الإثيوبيين داخل الأراضي السودانية على وضعه [رويترز- 31.12.2020].

أعادت تداعيات قضية الحدود السودانية الإثيوبية بعيد النجاح الكبير لانتشار قوات الشعب المسلحة السودانية وإعادة فرض سيطرتها على أجزاء كبيرة من الأراضي السودانية التي استولى عليها مزارعون إثيوبيون مدعومون بعصابات الشفتة

معاهدة 1902: معالجة قضايا الأرض والمياه بين الدولتين

حققت معاهدة 1902 التي وقعتها الحكومة البريطانية (الحاكمة في السودان) مع الحكومة الإثيوبية اتفاقا تاريخيا في ما يتعلق بقضيتي الأرض والمياه بين الدولتين. ومثّلت الاتفاقية تسوية سياسية وقانونية وتاريخية مهمة أثبتت حقوق كل من الطرفين بصورة قاطعة وعالجت التنافس على هذين الموردين المهمّين؛ الأرض والماء.

ولا بد من التذكير هنا بأن الاتفاقات أثناء الحقبة الاستعمارية قنّنت الحدود السياسية للدول في أفريقيا، وقد بيّن الدكتور فيصل عبد الرحمن علي طه، أبرز المفاوضين السودانيين، أن اتفاقية 1902 بين البلدين هي اتفاقية سارية لم تُلغَ أو تُغيَّر، وذكر أنه "منذ ذلك التاريخ البعيد وإلى يومنا هذا لا تزال اتفاقية عام 1902 لتحديد الحدود صحيحة ونافذة، ولم يحدث في التاريخ البعيد أو القريب أن طعنت إثيوبيا في صحة أو نفاذ هذه الاتفاقية بل إن إثيوبيا أكدت التزامها بهذه الاتفاقية في يوليو/تموز وأغسطس/آب 1955، وفي يونيو/حزيران 1957، وفي يوليو/تموز 1972.

وفي أثناء إجراءات لجنة تحديد الحدود بين إثيوبيا وإريتريا المكونة من 5 من كبار المتخصصين في القانون الدولي ومن فطاحل فقه الحدود، قبلت إثيوبيا عام 2002 نقطة تلاقي خور الرويان مع نهر ستيت نقطة نهاية لحدودها في الغرب مع إريتريا، وهذه النقطة هي أيضًا نقطة تلاق ثلاثي لحدود الدول الثلاث: السودان وإثيوبيا وإريتريا. وكان قد حددها في الأصل ميجر قوين عام 1903 عندما بدأ تخطيط الحدود بين السودان وإثيوبيا بموجب اتفاقية 1902" [سودان تربيون 30.12.2020].

عدم إكمال تخطيط الحدود (على الأرض) والتعدي الإثيوبي على الأراضي السودانية

أعادت تداعيات قضية الحدود السودانية الإثيوبية بعيد النجاح الكبير لانتشار قوات الشعب المسلحة السودانية وإعادة فرض سيطرتها على أجزاء كبيرة من الأراضي السودانية التي استولى عليها مزارعون إثيوبيون مدعومون بعصابات الشفتة، أعادت طرح قضية إكمال تخطيط الحدود المتفق عليها وفق اتفاقية 1902 التي ظلت محل مباحثات لدى لجان ترسيم الحدود بين الجانب السوداني والإثيوبي لأعوام.

واستمر التعدي الإثيوبي على الأراضي السودانية عبر استيطان مزارعين إثيوبيين طردوا المواطنين السودانيين أصحاب الأرض مسنودين بمليشيات الشفتة المدعومة من الجيش النظامي. وقد اشتكى المواطنون السودانيون على مدى سنوات طويلة اعتداءات تلك المليشيات التي تمارس الإرهاب والعنف مع المواطنين السودانيين، وتمنع حريتهم وتقيد حركتهم بقوة السلاح داخل الأراضي السودانية.

وقد ظلت الحكومة الإثيوبية سنين طوالا تتعذر بأن تحركات المليشيات الإثيوبية داخل الأراضى السودانية أمر خارج نطاق سيطرة الدول الإثيوبية إلا أن الحكومة المركزية ما انفكّت توفر لهذه المليشيات غطاء دبلوماسيا وقانونيا في حين لم تتردد الحكومة الإثيوبية في شنّ الحرب داخل بلادها على مواطنيها عندما رأت ما عدّته انتهاكا للقانون، و هو ما فسرته دوائر سودانية عدة بأنه دعم رسمي إثيوبي للتمدد داخل الأراضي السودانية.

 أكد البروفيسور بخاري الجعلي، الخبير القانوني وأستاذ القانون الدولي بجامعة الخرطوم سابقا وعضو لجنة تخطيط الحدود، أن المنهج التفاوضي الإثيوبي يعتمد التمييع والتأجيل، وهو بطاقة استخدمتها الدولة الإثيوبية أكثر من 20 مرة أثناء جولات التفاوض المستمرة بين السودان وإثيوبيا منذ عام 1967.

ومكّن التساهل الرسمي السوداني في التعامل مع الاعتداءات الإثيوبية، على مرّ الحكومات الوطنية المتعاقبة، المجموعات الإثيوبية المدعومة بالقوة والسلاح من الاستمرار في طرد المواطنين السودانيين من مزارعهم وأراضيهم و إحلال المزارعين الإثيوبيين محلّهم، وتوالت تلك الاعتداءات الإثيوبية على مدى سنوات طويلة.

وقد أكد وزير الخارجية السوداني عمر قمر الدين (سونا-30.12.2020) أن قضية الحدود قضية محسومة وأن المطلوب فقط زيادة عدد نقاط رسم الحدود على الأرض، و رغم أهمية التصريح إلا أنه ظل معلّقا لفترات طويلة وبحاجة إلى موقف قانوني ودبلوماسي قوي مع إجراءات عملية على الأرض تفرض سيطرة وهيبة الدولة السودانية.

مفاوضات الحدود: إستراتيجية إثيوبيا بالتفاوض إلى ما لا نهاية

ظلّ السودان حتى تاريخ الانتشار الأخير والانفتاح للجيش السوداني في ديسمبر/كانون الأول الماضي، يدور في حلقة مفرغة؛ تغيير ديموغرافي سكاني اقتصادي اجتماعي على الأرض تقوم به مجموعات إثيوبية تحت سمع وبصر وحماية الدولة الإثيوبية في مقابل صوت دبلوماسي سوداني محتج لا يغير من طموحات إثيوبيا غير المشروعة مع تمدد واحتلال مزيد من الأراضي السودانية يوما بعد يوم.

وقد أكد البروفيسور بخاري الجعلي، الخبير القانوني وأستاذ القانون الدولي بجامعة الخرطوم سابقا وعضو لجنة تخطيط الحدود، أن المنهج التفاوضي الإثيوبي يعتمد التمييع والتأجيل (تلفزيون السودان-ديسمبر/كانون الأول 2020)، وهو بطاقة استخدمتها الدولة الإثيوبية أكثر من 20 مرة أثناء جولات التفاوض المستمرة بين السودان وإثيوبيا منذ عام 1967. وأكد الأمر نفسه الدكتور معاذ أحمد تنقو الخبير القانوني رئيس لجنة ترسيم الحدود السودانية [رويترز-31.12.2020]، وهذا يوضح بجلاء عدم جدّية الدولة الإثيوبية في المفاوضات، وتعمّدها تعليق الحلول عبر حلقة مفرغة من المفاوضات.

وكانت الحكومة الوطنية السودانية عام 1964 قد ألقت القبض على ما يزيد على 200 من المزراعين الإثيوبيين المعتدين على الأراضي السودانية وصادرت منتجاتهم وآلياتهم إلا أن السودان قام لاحقا، في إطار المفاوضات والحلول الدبلوماسية، بإطلاق سراح المزارعين وآلياتهم، ثم بعد ما يزيد على نصف قرن لا تزال الحوادث تتكرر والمفاوضات تتجدد دون حلول نهائية.

اتفاقية 1902 ومعالجة قضية المياه بين الدولتين

حسمت اتفاقية 1902 بين الحكومة البريطانية ممثلة عن السودان ومنليك الثاني ملك ملوك إثيوبيا قضية مهمة تتعلق بالحقوق المائية بين الدولتين قانونيا وسياسيا باتفاق تاريخي مهم، نصّ في المادة الثالثة منه على الآتي "يتعهد جلالة الإمبراطور منليك الثاني، ملك ملوك إثيوبيا، لجلالة الحكومة البريطانية بعدم تشييد، أو السماح بتشييد، أي أعمال على عرض النيل الأزرق، أو بحيرة تانا، أو السوباط، من شأنها أن تعيق تدفق مياهه في النيل إلا بموافقة الحكومة البريطانية وحكومة السودان" (ترجمة د.أحمد المفتي ديسمبر/كانون الأول 2020).

وشكّل هذا النص اتفاقا قانونيا ملزما يؤطر للحقوق المائية للبلدين، ففي الوقت الذي لا تعطل فيه الاتفاقية أي استثمارات إثيوبية للاستفادة المشروعة من مياه النيل الأزرق، تضع خطًا فاصلا بين الاستفادة والإضرار بالسودان وتشترط الموافقة القبلية من السودان، إذ إن النيل مصدر لحياة الناس في السودان كما هو في إثيوبيا، وحماية حياة الشعوب في الدولتين تقتضي أعلى درجات التنسيق والموافقة الأولية من حكومة السودان.

إنشاء سد النهضة وخرق اتفاقية 1902 بين الدولتين

ويشكل سد النهضة تجاوزًا تامًا لاتفاقية 1902 إذ شرعت الدولة الإثيوبية في بناء السد في مارس/آذار 2011 متجاوزة بصورة صارخة اتفاقية 1902 بين السودان وإثيوبيا، وكذلك الاتفاقات الدولية لمجاري المياه للأغراض غير الملاحية عام 1997 التي تنص على موافقة السودان (حسب اتفاقية 1902) والإخطار القبلي (حسب الاتفاقية الدولية لمجاري المياه 1997). هذا التعدي الإثيوبي الواضح لم يقابله موقف سوداني رسمي حاسم رغم تململ الفنيين، وذلك بسبب وجود تفاهمات ضمنية بين الرئيسين السابقين البشير وزيناوي عطّلت إدانة الخرق الإثيوبي للاتفاقات والنهوض لحماية الأمن القومي السوداني.

ومن الملاحظ أن الحكومة الانتقالية لم تُجر أبدا مراجعات جوهرية في الموقف السوداني، ولعل العلاقات القوية على المستويين السياسي والرئاسي وتوسط إثيوبيا في اتفاق الشراكة بين المدنيين والعسكريين في الحكومة الانتقالية هي عوامل ألقت بظلالها على ذلك الموقف.

ظل السودان في حالة انشغال بمفاوضات طويلة مع الجانب الإثيوبي في (إطار الحلول التفاوضية) منذ عام 2011 حتى اليوم، مدة تقارب 10 أعوام كاملة، في حين كانت الدولة الإثيوبية مشغولة عمليا بتنفيذ المشروع وفق ما حددته دون اكتراث للحقوق السودانية وما تتطلبه معاهدة 1902 بين الدولتين.

مفاوضات سد النهضة: الإستراتيجية الإثيوبية في المماطلة وشراء الوقت لفرض المشروع الإثيوبي

سلكت الدولة الإثيوبية النهج الدبلوماسي نفسه الذي اتبعته في قضية الحدود، وذلك بتمديد آجال التفاوض مرة تلو الأخرى مع العمل الجاد لتغيير الجغرافية الطبيعية بما يخدم المخطط الإثيوبي بالسيطرة على النيل الأزرق، وتحويله إلى بحيرة إثيوبية (كما تحدث وزير الخارجية الإثيوبي عقب اكتمال الملء الأول- بي بي سي BBC  22.07.2020).

وبذلك ظل السودان في حالة انشغال بمفاوضات طويلة مع الجانب الإثيوبي في (إطار الحلول التفاوضية) منذ عام 2011 حتى اليوم، مدة تقارب 10 أعوام كاملة، في حين كانت الدولة الإثيوبية مشغولة عمليا بتنفيذ المشروع وفق ما حددته دون اكتراث للحقوق السودانية وما تتطلبه معاهدة 1902 بين الدولتين.

واستمرت المفاوضات من غير توصل إلى معالجات علمية وموضوعية لقضايا آثار السد في السودان (مائيًا وبيئيًا واقتصاديًا واجتماعيًا) في حين واصلت إثيوبيا التقدم في المشروع الضخم الأكبر في أفريقيا بما في ذلك الشروع في الملء الأول غير عابئة بالتحفظات المعلنة للدولة السودانية، بل هددت بصوت عال وبلغة غير دبلوماسية بأنه لا يستطيع كائن من كان أن يمنع إثيوبيا من إكمال ملء السد العملاق كما صرح رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد يوم 24 أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، مشددا على أنه "لا توجد قوة" يمكنها أن تمنع بلاده من تحقيق أهدافها التي خططت لها بشأن سد النهضة [الأناضول-5.12.2020].

لهذا لم يكن غريبا أن يفشل المسار التفاوضي في تحقيق أي نتيجة محسوسة تخدم قضية السودان العادلة، فلجنة الخبراء الدوليين لدراسة سد النهضة 2012-2013 أصدرت توصيات واضحة تتعلق بغياب الدراسات اللازمة للمشروع العملاق وآثاره في دولتي السودان ومصر، بل عددت القضايا الفنية المهمة التي تنبغي مراجعتها والتحقق منها عبر بيوت خبرة هندسية واستشارية دولية متخصصة في إجراء تلك الدراسات.

وكانت تلك التوصيات الصادرة عن لجنة الخبراء الدوليين سببا فنيا وقانونيا كافيا لإيقاف العمل غير الشرعي فى السد الإثيوبي، لكن الدولة الإثيوبية استعملت جميع أنواع الحيل الدبلوماسية لتحصل على موافقة بالاستمرار في المشروع في الوقت نفسه الذي تعطلت فيه الدراسات المطلوبة مع تقدم إثيوبي مطّرد في تنفيذ وإكمال الأعمال الإنشائية حتى وصل المشروع إلى تلك المرحلة المتقدمة رغم عدم اكتمال الدراسات الفنية الأساسية (حسب تقرير لجنة الخبراء الدوليين 2013).

ولمّا بدا جليًا التغير في مسار المفاوضات بدخول الولايات المتحدة والبنك الدولي، ازداد قلق إثيوبيا ولم تتوان في رفض المسار الجديد وتعطيله، ما دام سيقترح هذا المسار مقاربات موضوعية للقضايا الحقيقية المهمة للسودان متمثلة في أهمية إكمال دراسات الأثر المائي والبيئي والاقتصادي والاجتماعي وإجراء دراسات أمن السد، فضلا عن الدفع بمقترحات جديدة تتناول قضايا الملء والتشغيل [بيان وزارة الخزانة الأميركية-28.02.2020].

وتبدّت السياسة الإثيوبية المتشددة التي تقوم على فرض الأمر الواقع وعدم الاعتداد بمصالح الآخرين في الإصرار على أن اتفاقات التشغيل والملء ليست ملزمة للجانب الإثيوبي. ويمثل تفريغ الاتفاقات من أي قوة قانونية هدفا محوريا للمفاوضات لدى الجانب الإثيوبي، فإثيوبيا لا ترى أن اتفاقاتها مع الآخرين اتفاقات ملزمة وتمنح نفسها حق تغيير الاتفاقات من جانب واحد وفرض الأمر الواقع .

ويشير الاستمرار في مسار تفاوضي ممتد بالتوازي مع التعنّت الإثيوبي بوضوح إلى فشل المسار التفاوضي وعبثيته، ووجوب إدخال آليات جديدة قانونية وسياسية ودبلوماسية وغيرها مما يمكن أن تفضي إلى نتائج وحلول مرضية للأطراف الثلاثة.

خاتمة

يبدو جليًا من استعراض قضيتي الحدود والمياه أن السودان بصدد أطماع إثيوبية غير مخفية، وهذه الأطماع تُنفّذ عبر فرض وقائع ومن ثم محاولة تقنينها بإستراتيجيات ناعمة تعتمد آجالًا بعيدة للمفاوضات.

وتشكل المواقف الأخيرة للسودان تحولًا جوهريًا في أدوات التعاطي مع الأطماع الإثيوبية؛ ففي قضية الحدود رأينا مبادرة سودانية إلى الخروج من حلقة المفاوضات العبثية والاتجاه بصورة مباشرة وحذرة إلى معالجات على الأرض بانفتاح القوات المسلحة داخل الحدود السودانية مع محاولة تجنب الاحتكاك المباشر مع القوات الإثيوبية، كذلك في قضية السد، مارس السودان لأول مرة تحركات مهمة بالانسحاب من المفاوضات والتصريح لأول مرة بمخاوف تتعلق بسلامة الأراضي السودانية .

ويبدو تماما الآن أن السودان يعيد ترتيب أوارقه على الصعيدين بالتحرك في قضية الحدود؛ عسكريا عبر انفتاح الجيش السوداني، وتكتيكيا في مفاوضات سد النهضة بمواقف أكثر راديكالية في التعبير عن عدم رضاه عن مسارات التفاوض.

و لئن رأت إثيوبيا أن هناك أطرافا إقليمية وراء التغيرات في المواقف السودانية، وهي تشير بوضوح إلى مصر، فإن إثيوبيا تتجاهل تماما آثار مواقفها العدوانية في السودان، التي أدت إلى تعبئة داخلية رسمت محددات المواقف الجديدة للسودان ووفرت لها دعمًا شعبيًا وداخليًا واسعًا.

ويتضح جليًا أن العلاقات السودانية الإثيوبية قد دخلت مرحلة جديدة، وأن التوتر في منطقة القرن الأفريقى يأخذ الآن أبعادا جديدة رغم قوة العلاقات بين الدولتين ورغبة السودان في احتواء الخلاف إلا أن الأمر الآن مرهون برضوخ إثيوبيا لمقتضيات الاتفاقات بين البلدين والبحث والاتفاق في صيغ أفضل كالشراكة الإستراتيجية لتحقيق الغايات الاقتصادية بديلا من محاولات الاعتداء على حقوق الجارة السودان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.