الفنانة السعودية ابتهال بدوي.. كيف أصبح رسم الجسور وسيلة لمحاربة العنصرية بمدينة بيتسبرغ الأميركية؟

ابتهال بدوي: آمل في توسيع فكرة المشروع على صعيد مدن وولايات أخرى داخل أميركا، وفي كل مكان يمكن أن يحدث فيه فرقا

بدوي استخدمت موهبة الفن لديها في نشر السلام الداخلي بين أفراد المجتمع (مواقع التواصل)

تشكل العنصرية في أميركا وأوروبا واحدة من أهم المصاعب التي تواجه الجاليات المسلمة والعربية في الوقت الحالي، والتي عادة ما تنتج عن اختلاف الموروث الديني والثقافي بين المجتمعات. ورغم ظهور عدد من المنظمات التي تدافع عن حقوق الأقليات المسلمة في تلك الدولة، وتنادي بضرورة القضاء على العنصرية بكل أشكالها، فإنها لا تزال تشكل تحديا كبيرا بحاجة لحلول مبتكرة وجذرية.

واحدة من تلك الوسائل ابتكرتها امرأة سعودية تُدعى ابتهال بدوي، صاحبة مشروع "بيتسبرغ تبني الجسور"، والتي تحاول من خلاله محاربة تلك المشكلة عبر نشر السلام المجتمعي بالفن في المدينة الأميركية التابعة لولاية بنسلفانيا. ورغم كونها مبادرة فردية من جانبها، فإنها استطاعت تحقيق نتائج ملحوظة خلال الفترة الماضية.

مبادرة فنانة سعودية

وتواصلت وكالة "سند" للتحقق الإخباري بشبكة الجزيرة مع الفنانة السعودية من أجل التعرف أكثر على قصتها وانتقالها من الرياض إلى بيتسبرغ، إلى جانب مشروعها لمحاربة العنصرية بالفن، وما تهدف إليه من خلاله في المستقبل.

هواية الفن

تبدأ ابتهال في سرد قصتها منذ ولادتها في العاصمة السعودية الرياض، وتقول "أهوى الفن منذ الخامسة الابتدائية، ما زالت أتذكر تلك الدورة التي حصلت عليها وقتها، وكانت سببا في حبي الشديد للفن والرسم، لدرجة أني كتبت رسالة لنفسي، أخبرها أنه عندما أكبر سوف ألتحق بكلية الفنون، وما زالت أحتفظ بها حتى الآن".

وتتابع "بعد إنهاء المرحلة الثانوية، أردت التوجه لدراسة الفنون، ولكني وجدت معارضة كبيرة من قبل الأهل، الذين رأوا أن الفن لن يتجاوز كونه هواية، فقررت الالتحاق بجامعة الملك عبد العزيز وتخصصت في علوم الأحياء الدقيقة".

رحلة لم تكن مناسبة لشغفها الفني، وازدادت صعوبة بعد سفرها في بعثة لدراسة الماجستير في مجال الهندسة الصناعية، والتي تقول عنها ابتهال "كانت فترة صعبة للغاية، عانيت من فجوة كبيرة عند وصولي إلى أميركا، بالإضافة إلى أن مجال الدراسة كان صعبا، ولم يكن ضمن ميولي إطلاقا، ولكنني استطعت استكمال الدراسة بنجاح".

وتواصل "بعد إنهاء الماجستير، حاولت البحث عن فرصة للعمل بدوام جزئي بسبب التزاماتي الأسرية، ولكني لم أجد، فكانت بمثابة الضارة النافعة لأنها أتاحت لي فرصة العودة إلى الفن مجددا".

بدأت ابتهال تحويل الواجهة كليةً نحو الفن، حيث التحقت بأكاديمية خاصة للفنون في ولاية جورجيا، واستفادت من ميزة التعلم عن بعد، وتعرفت من خلالها على مجال "العلاج بالفن"، وتبحث حاليا عن استكمال دراسة أكاديمية به.

موقف لا يُنسى

تجربة ابتهال في أميركا لم تشهد تقلبات كثيرة، ولكن هناك موقف لم تنسه حتى الآن، وتقول عنه "في عام 2018، تعرض ولدي لمضايقات من زملائه في المرحلة المتوسطة أثناء ممارسة رياضة الهوكي، رغم أنهم اعتذروا لنا بعد ذلك، فإن الموقف ظل يسبب لي ضيقا داخليا".

وفي العام نفسه، شاهدت مقطع فيديو لفتاة سورية تعرضت للضرب المبرح في إحدى المدارس على يد زميلتها، حيث تحولت على إثره إلى المستشفى ولم تستطع استكمال العام الدراسي وقتها، حاولت التواصل مع أسرتها لدعمها نفسيا، هكذا تابعت ابتهال حديثها عن تلك الفترة المحورية.

وتوضح الأم السعودية لـ"سند" أن هذين الموقفين دفعاها إلى التفكير في الطرف الآخر، حيث بدأت تطرح عددا من التساؤلات عن الدوافع التي تجعلهم يقدمون على تلك الأفعال، ومن تلك النقطة حاولت الانطلاق نحو مشروع يدعو لنشر السلام ومحاربة العنصرية بشكل يدعو الجميع لتقبل الاختلاف فيما بينهم بالمدينة التي تشتهر ببناء الجسور.

جسر السلام

في هذه الفترة، قررت ابتهال استخدام موهبة الفن لديها في نشر السلام الداخلي بين أفراد المجتمع الذي تعيش فيه، حيث عكفت على تصميم منشور رمزت خلاله بأهم ما يميز المدينة وهو الجسر، إلى جانب شعارات لكل الأديان والطوائف، في إشارة منها لضرورة تقبل الاختلاف الواسع في بيتسبرغ.

وتقول ابتهال "بدأت بالتواصل مع مدير مدرسة ولدي في المرحلة المتوسطة، وبالفعل استطعنا الحصول على موافقة من موجه المنطقة لوضع المنشور بالمدرسة، وهذا شجعني للتواصل مع عدد أكبر من المدارس والمكتبات والمقاهي".

وتواصل "صديقتي من بورتوريكو أخبرتني برغبتها في وضع المنشور في مدرسة ولدها أيضا، لأن أخاه الكبير كان يتعرض لمضايقات أثناء ممارسة لعبة كرة القدم الأميركية، فأصيب صغيرها بنوبات هلع.. وكانت المفاجأة أن المنشور تسبب في تخفيف تلك النوبات كثيرا، وكانت هذه الإشارة الأولى لضرورة الاستمرار في نشره".

وعندها خطر لها فكرة مختلفة لتوسيع مدى المنشور، حيث رغبت في تجميع الأطفال مشجعي الفرق الرياضية المختلفة في المدينة لرسم جدارية كبيرة على أحد جدران المدينة، يمكنها توصيل رسالة لنبذ التعصب حتى وإن كان الاختلاف على الصعيد الرياضي.

وتحكي ابتهال لـ"سند" عن تلك الفترة، وتقول "في عام 2020، بدأت رحلة بحث طويلة عن جدار مناسب لرسم الجدارية، كنت أذهب لسؤال الناس في المدينة، في المقاهي والمدارس، وعند الأطباء.. وفي يوم كنت بأحد المطاعم التركية وتحدثت إلى مديره، وأخبرني أنه يمكنني رسمها على جدار مقهى له بوسط المدينة".

نجاح باهر

بداية المشروع في 2018 كانت تخطو خطوات متثاقلة، حيث مر بمراحل فاترة، استغرقت خلالها ابتهال وقتا طويلا لإيجاد الطرق والوسائل المناسبة لنشر رسمتها، وإمكانية إيصال رسالتها لأكبر عدد من الأطفال والمواطنين في بيتسبرغ، على عكس ما حدث مؤخرا، حيث بدأت رسمتها تنتشر بسرعة أكبر من خلال الجامعات والمدارس.

وتضيف الفنانة السعودية "في عام كورونا توقفت عن التواصل مع المؤسسات، ولجأت لتقديم برنامج عبر يوتيوب يسمى (ابتسامة يوم الأحد)، كنت أستضيف من خلاله ضيوفا كثرا، وأختم الحلقة برسمة لتخفيف الأجواء المتوترة في تلك الفترة، وما زلت مستمرة فيه حتى الآن".

وتردف "بدأت كورونا تقل تدريجيا، وبدأت التواصل مجددا مع المؤسسات التعليمية، وشاركت في حدث ترحيبي بالجيران واللاجئين وسط المدينة تابع للحكومة المحلية، ورسمت الجدارية دون تلوين، ودعوت الناس لتلوينها، وأبدى ما يقارب 150 شخصا رغبتهم في المشاركة بتلوين أخرى مستقبلا".

وتوضح "من هنا بدأت في الانتشار أكثر، وتلقيت دعوات من الجامعات والمدارس لإلقاء محاضرة عن المشروع ورسم الجدارية مع الطلاب، إلى جانب منظمات متخصصة في أمور اللاجئين من أجل رسم (بيتسبرغ تبني الجسور)، وأصبح مشروعي يلقى اهتماما واسعا على صعيد المدينة".

وتختتم ابتهال حديثها لـ"سند" قائلة "آمل في توسيع فكرة المشروع على صعيد مدن وولايات أخرى داخل أميركا، وفي كل مكان يمكن أن يحدث فيه فرقا.. بالطبع سيكون حلما جميلا تحقق إذا استطعت مشاركته في وطننا العربي الكبير، إذا قُدمت لي الدعوات لفعل ذلك".