ميكروبيوم الأمعاء يكشف السر وراء شعور الخوف المتباين لدى الرضع

تلعب الكائنات الدقيقة الموجودة في أجسامنا أدوارا مهمة. غير أن أدوراها في الأطفال الرضع تحمل العديد من المفاجئات آخرها ارتباطها بالخوف.

ميكروبيوم الأمعاء كان مختلفا لدى الأطفال الرضع الذين يُبدون مظاهر خوف قوية (بيكساباي)

لماذا يُظهِر بعض الأطفال رد فعل مغاير لغيرهم تجاه أي خطر؟ جاءت الإجابة على هذا التساؤل على غير المتوقع. إذ كشف فريق من العلماء في "جامعة ولاية ميشيغان" (Michigan State University) و"جامعة كارولينا الشمالية" (University of North Carolina) أن الجهاز الهضمي للرضيع يحتوي على تفسير هذا اللغز.

ارتباط معوي عقلي

يحتوي الجهاز الهضمي للإنسان على مجتمعات متنوعة من الكائنات الحية الدقيقة، التي تعرف بـ"ميكروبيوم الأمعاء" (Gut microbiome). إذ كشفت دراسة حديثة نشرت في دورية "نيتشر كوميونيكيشنز" (Nature Communications) في 2 يونيو/حزيران الجاري أن ميكروبيوم الأمعاء كان مختلفا لدى الأطفال الرضع الذين يبْدون مظاهر خوف قوية، عنه في الأطفال الذين يظهِرون ردود فعل معتدلة.

ووفق البيان الصحفي الذي نشرته "جامعة ولاية ميشيغان"، فإن هناك أدلة متزايدة تشير إلى أن الحالة العصبية الجيدة ترتبط بالميكروبيوم الموجود في الأمعاء.

الميكروبيوم المعوي يعد هدفا واعدا قد يستخدم لتعزيز النمو الصحي للدماغ (ويكيبيديا-معامل روكي ماونتن)

وبالتالي، فإن الكيفية التي يظهر بها الطفل ردود فعله أثناء الشعور بالخوف قد تكون مؤشرا لصحته العقلية في المستقبل. ومن ثم فإن دراسة ميكروبيوم الأمعاء من شأنها أن تمنح الباحثين والأطباء أداة جديدة لمراقبة الحالة الصحية العصبية.

وعن الأهمية التي يؤديها ميكروبيوم الأمعاء، تقول ريبيكا نيكماير، قائدة الدراسة من جامعة ولاية ميشيغان، إن "الميكروبيوم قد يكون هدفا واعدا يُمكِن أن يُعزز من النمو الصحي للدماغ أثناء فترات النمو المبكرة".

طبيعة الخوف وأهميته

الخوف هو رد فعل طبيعي من الإنسان -أو الأطفال- تجاه الشعور بأي خطر أو تهديد، مما يدفع الجسم لتبني رد الفعل المناسب لحماية نفسه من الخطر. وكما تقول نيكماير، فإن "ردود الأفعال التي يصدرها الأطفال أثناء خوفهم تساعدهم على إدراك التهديدات الموجودة من حولهم، وتدفعهم لأن يكونوا مستعدين للرد عليها بالشكل المناسب".

غير أنه من المهم كبح هذه الاستجابة عندما يزول مصدر الخوف. إذ تشير نيكماير إلى أن "الأطفال إن لم يتمكنوا من كبح هذه الاستجابة حال أمنهم من مصدر الخوف، فإنهم يصبحون أكثر عرضة للإصابة بالقلق والاكتئاب في المستقبل".

استجابة الخوف الصامتة لدى بعض الأطفال قد تنمي لديهم سمات القسوة المرتبطة بالسلوك الانطوائي (بيكساباي)

وعلى الجانب الآخر، فإن "الأطفال الذين يُظهِرُون استجابة خوف صامتة بشكل ملحوظ قد ينمو لديهم سمات القسوة والصفات غير العاطفية، والتي ترتبط بالسلوك الانطوائي" كما تقول نيكماير.

ولمعرفة الدور الذي يؤديه ميكروبيوم الأمعاء في استجابات الخوف، قام الفريق بداية بدراسته في الحيوانات. ومن ثم قاموا بدراسة الكيفية التي يستجيب بها البشر -وخاصة الأطفال الصغار- للخوف.

تباين كمّي ونوعي ملحوظ

قام الفريق باختيار 34 رضيعا ممن يتشابهون في العوامل التي تؤثر على المحتوى الميكروبيومي. إذ اختير الأطفال جمعيهم ممن يتلقون رضاعة طبيعية، ولا يأخذون أي مضادات حيوية.

وتمثّل الاختبار في متابعة ردة فعل الأطفال -بينما هم في معية آبائهم- تجاه شخص ما يدخل الغرفة مرتديا قناع الهالوين. وبعد ذلك قاموا بتحليل عينات البراز لمعرفة محتواها الميكروبيومي. إذ اكتشف الباحثون أن هناك ارتباطا وثيقا بين ميكروبات الأمعاء وقوة استجابة الأطفال الرضع للخوف.

أظهرت النتائج أن بعض الأطفال كان لديهم ميكروبيوم معوي متجانس، بينما أظهر الآخرون محتوى ميكروبيا غير متجانس يسيطر عليه مجموعة صغيرة من البكتيريا. وقد وجد الباحثون أن الأطفال -ممن هم بعمر شهر واحد- الذين لديهم وفرة من المحتوى الميكروبي غير المتجانس كانوا أكثر خوفا عند بلوغهم عامهم الأول.

الخوف المفرط لدى الأطفال ارتبط بكثرة بعض أنواع البكتيريا على حساب البعض الآخر (بيكساباي)

كما اكتشف الباحثون أن المحتوى الميكروبي المعوي -في الأطفال ممن هم بعمر عام واحد- يرتبط باستجابات الخوف. وبمقارنتهم مع الأطفال الأقل خوفا، لاحظ العلماء أن الأطفال الذين يُبدون ردة فعل خوفٍ مفرطة كانت لديهم الكثير من بعض أنواع البكتيريا على حساب بعض الأنواع الأخرى، التي كانت قليلة.

ولكن الفريق لم يجد أي علاقة تربط بين ميكروبيوم الأمعاء والكيفية التي يتفاعل بها الأطفال مع الغرباء، الذين لم يرتدوا أقنعة. إذ ترى نيكماير أن هذا يرجع على الأرجح إلى المعالجة التي تقوم بها أجزاء الدماغ المختلفة لمواجهة المواقف المخيفة.

وتمضي نيكماير في تفسير ذلك قائلة، إن "هناك عنصرا اجتماعيا يرتبط بالغرباء. إذ إن الأطفال لديهم نوع من الحذر الاجتماعي تجاه الغرباء، غير أن حدسهم لا يراهم مصدرا لأي تهديد. ويعود ذلك إلى التقييم السريع للدماغ لما هو جيد وما هو ضار".

المصدر : مواقع إلكترونية + يوريك ألرت