بسبب الحرائق والتوسع الزراعي.. غاز الأمونيا يلوّث أجواء أفريقيا

يعدّ فهم كيفية تغير مصادر انبعاثات الأمونيا أمرا مهما لوضع السياسات والتقنيات التي تعزز التنمية الزراعية المستدامة، وتساعد في التخفيف من آثارها المحتملة على الغلاف الجوي.

الصورة: فليكر / حرق الأراضي قبل استزراعها من الممارسات الشائعة في غرب أفريقيا ووسطها/ استخدام متاح مع ذكر المصدر
حرق الأراضي قبل استزراعها من الممارسات الشائعة في غرب أفريقيا ووسطها (فليكر)

أظهرت نتائج دراسة علمية جديدة أن تركيز غاز الأمونيا في ارتفاع مستمر في أجواء أفريقيا، وربط الباحثون بين هذا الارتفاع وظاهرتي حرق الكتلة الحيوية والتوسع في الممارسات الزراعية وتكثيفها.

وحددت الدراسة التي تعد الأولى من نوعها وأجرتها وكالة ناسا خلال العقد الممتد بين عامي 2008 و2018، "نقاطا ساخنة" تقع غرب أفريقيا وفي منطقة بحيرة فيكتوريا، سجلت فيها أعلى مستويات هذا الغاز الملوث للبيئة والمضر بالصحة.

الأمونيا ومصادرها المحتملة

من المعروف أن الأمونيا -أو غاز النشادر الذي يتكون جزيئه من ذرة نيتروجين و3 ذرات هيدروجين- ملوث للهواء، ويمكن أن يؤدي إلى أمراض القلب والرئة. كما أن وجوده بتركيز عال في نظام بيئي ما، يجعل التربة أكثر حمضية ويعيق نمو النبات.

وينبعث هذا الغاز بشكل طبيعي من التربة وحرائق الغطاء النباتي، ولكن دراسات علمية سابقة أثبتت أن الأنشطة الزراعية مثل تربية المواشي واستخدام الأسمدة هي أيضا مصادر رئيسية له.

ومن المحتمل أن يؤدي توسيع نطاق الزراعة من أجل تلبية احتياجات السكان المتزايدة، إلى ارتفاع انبعاثات الأمونيا أيضا.

ولئن اهتم العلماء بدراسة هذه الانبعاثات على مدى طويل في مناطق مختلفة من العالم، فإن الوضع في أفريقيا ظل مهملا إلى حد ما من طرف الباحثين.

ولإنشاء نظرة شاملة لانبعاثات الأمونيا فوق أفريقيا، استخدم فريق دولي من الباحثين بإشراف وكالة ناسا بيانات الأقمار الصناعية من عام 2008 إلى عام 2018، لتحديد تركيزات غاز الأمونيا وتوزيعها في أجواء القارة واتجاهات تغيرها والأسباب المحتملة لذلك.

ونشرت نتائج الدراسة مؤخرا في دورية "أتموسفريك كيمستري آند فيزيكز" (Atmospheric Chemistry and Physics) العلمية بتاريخ 16 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.

**داخلية** ناسا / ربط الباحثون بين ارتفاع تركيز غاز الأمونيا وحرق الكتل الحيوية في غرب أفريقيا وبحيرة فيكتوريا/ استخدام متاح مع ذكر المصدر
الباحثون ربطوا بين ارتفاع تركيز غاز الأمونيا وحرق الكتل الحيوية في غرب أفريقيا وبحيرة فيكتوريا (ناسا)

نقاط ساخنة

أظهرت نتائج تحليل بيانات الأقمار الصناعية -وفقا لبيان نشر على موقع وكالة ناسا- أن منطقة غرب أفريقيا هي من بين النقاط الساخنة العالمية لانبعاثات غاز الأمونيا في الجو.

وتبلغ الزيادة السنوية لتركيز هذا الغاز في أنحاء نيجيريا على سبيل المثال 6% خلال شهري فبراير/شباط ومارس/آذار الماضيين، وذلك بالتزامن مع ارتفاع في أول أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.

وتوافق هذه الفترة نهاية موسم الجفاف وقيام المزارعين بتجهيز أراضيهم عن طريق حرقها قبل إضافة السماد، مما ينفي ما ذهبت إليه دراسات سابقة من أن زيادة انبعاثات الأمونيا في المنطقة تعود إلى استخدام الأسمدة الكيميائية في الزراعة.

كما حددت الدراسة كذلك مناطق حوض بحيرة فيكتوريا والأراضي الرطبة في جنوب السودان، نقاطا ساخنة إقليمية لانبعاثات الأمونيا.

ففي منطقة بحيرة فيكتوريا، تشير نتائج الدراسة إلى أن التوسع في المساحة الزراعية واستخدام الأسمدة أدى إلى زيادة تركيز الأمونيا خلال فترة الدراسة.

وربط الباحثون نمو تركيزات هذا الغاز فوق هذه المنطقة بالبيانات التي تشير إلى أن المزارعين كانوا يستخدمون المزيد من الأسمدة في الأراضي الزراعية التي تشهد زيادة مطردة في مساحتها، وفقا للبيان.

وفي جنوب السودان، تسببت رطوبة التربة في انخفاض تركيز الأمونيا خلال فترة الدراسة. وكانت الأراضي الرطبة في منطقة "السد" التي تبلغ مساحتها 30 ألف كيلومتر مربع ويغذيها نهر النيل، هي المنطقة الوحيدة التي أظهرت انخفاضا واضحا في نسبة الأمونيا خلال فترة الدراسة بلغ حوالي 1.5% سنويا.

ووجد الباحثون أن تركيزات الأمونيا تزداد في السنوات الجافة، عندما يجف جزء أكبر من الأراضي الرطبة وتنخفض في السنوات المطيرة.

بيكسفيول / التركيز العالي للأمونيا في الجو يضر بالأنظمة البيئية ويجعل التربة أكثر حمضية ويعيق نمو النبات. / استخدام متاح مع ذكر المصدر
التركيز العالي للأمونيا في الجو يضرّ بالأنظمة البيئية ويجعل التربة أكثر حمضية ويعيق نمو النبات (بيكسفيول)

الزراعة المستدامة لخفض انبعاثات الأمونيا

بحسب الباحثين، فإن الزراعة تعتبر أكبر مصدر للأمونيا على مستوى العالم، رغم أنها تنبعث كذلك بشكل طبيعي من التربة. كما يمثل حرق الكتلة الحيوية ثاني أكبر مصدر لهذا الغاز الملوث على  مستوى العالم، وتعد أفريقيا منشأ ما يقرب من 70% من هذه الحرائق.

ومع توسع الدول الأفريقية في نشاطها الزراعي لإطعام السكان المتزايدين الذين سيتضاعف عددهم بحلول منتصف القرن، من المتوقع أن تواصل تركيزات الأمونيا ارتفاعها في الغلاف الجوي فوق القارة في المستقبل.

ويعد فهم كيفية تغير مصادر انبعاثات الأمونيا، وفقا للباحثين، أمرا مهما لوضع السياسات والتقنيات التي تعزز التنمية الزراعية المستدامة، وتساعد في التخفيف من آثارها المحتملة على الغلاف الجوي.

ومن ناحيتها، دعت وكالة ناسا إلى تعزيز القدرة على مراقبة الغلاف الجوي في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

المصدر : الجزيرة