في الذكرى السابعة لسيطرة تنظيم الدولة على الموصل.. هل تمت محاسبة المتسببين في سقوطها؟

في كل استذكار لسقوط الموصل، يُطلب الكشف عن سبب تجميد ملف التحقيق في سقوط المدينة، وعدم محاسبة المتورطين رغم إدانتهم في تحقيق رسمي.

7 سنوات تمر على ذاكرة الموصل (شمالي العراق) بعد أن اجتاحها تنظيم الدولة الإسلامية في ساحليها الأيسر والأيمن، فمشاهد الدماء والقتل وتدمير البنى التحتية لا تزال في أذهان سكان المدينة، الذين استذكروا أمس الخميس الذكرى السنوية لسيطرة التنظيم على مدينتهم.

وجاء سقوط الموصل (ثاني المدن العراقية الكبيرة) بعد أن تركتها القوات الأمنية في التاسع والعاشر من يونيو/حزيران 2014 وحيدة في مواجهة أرتال تنظيم الدولة الذي سيطر على المدينة بلا مقاومة حقيقية من القوات الأمنية.

وفي كل استذكار لهذا الحدث يُطلب من الحكومة العراقية الكشف عن سبب تجميد ملف التحقيق في سقوط الموصل، وعدم محاسبة المتورطين رغم إدانتهم في التحقيق الرسمي الذي تبناه البرلمان العراقي عام 2015، وصادق عليه، وأرسله للقضاء بمذكرة رسمية.

وتعكس المطالبة الحثيثة هذه مخاوف شعبية من احتمالي تكرار سيناريو اجتياح تنظيم الدولة للموصل في حال بقيت الإستراتيجية الأمنية على حالها.

يحي رسول أكد توجه الكاظمي نحو حصر السلاح بيد الدولة وأن الحشد جزءا من الدولة (الجزيرة نت)
يحيى رسول أكد اعتماد إستراتيجية أمنية قائمة على مبدأ التعاون بين المواطن والقطعات العسكرية (الجزيرة نت)

رسائل طمأنة

في المقابل، تبعث الحكومة العراقية رسائل طمأنة للموصليين، وذلك بتأكيد قدرة الدولة على ضبط إيقاع الأمن المضطرب في شتى المناطق، بما فيها الشريط الحدودي العراقي السوري، الذي يؤثر على أمن نينوى التي جربت سيطرة تنظيم الدولة عليها قبل سنوات.

وفي حديث للجزيرة نت، أكد اللواء يحيى رسول الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية حرص الدولة على حفظ الأمن في نينوى والمناطق والأقضية المحيطة بها، وصولا إلى الحدود السورية، وفق إستراتيجية أمنية قائمة على مبدأ التعاون بين المواطن والقطعات العسكرية، خاصة تلك التي تتعلق بالاستدلال على الخلايا التابعة للتنظيم.

ولفت رسول إلى أن الجيش العراقي يركز في الوقت الراهن على تأمين الحدود وتكثيف الجهد الاستخباري لمنع تكرار سيناريو اختراق تنظيم الدولة للمحافظة من جديد.

لا إصلاحات تُذكر

عشية معارك انتزاع السيطرة على الموصل من تنظيم الدولة التي استمرت أكثر من 9 أشهر، واجه سكانها كارثة إنسانية؛ فأعداد القتلى والجرحى بعشرات الآلاف، ويربو عدد من فروا من منازلهم على أكثر من مليون، واندثرت أحياء بأكملها وسويت منازلها بالأرض، في حين لا تزال بعض البنى التحتية الأساسية مدمرة بالكامل.

وتعليقا على ذلك، تقول نورة البجاري مستشارة رئيس مجلس النواب للجزيرة نت إن المتغيرات في نينوى كثيرة، لأن بعض ما هُدم يصعب إصلاحه، مثل المدينة القديمة والسوق القديم الذي يعد من التراث الموصلي.

وأضافت أن ضريحي نبيي الله يونس ودانيال تم تدميرهما، إلى جانب الجامع النوري الكبير الذي يعود تاريخه لمئات السنين.

وتكمل البجاري قولها إن نينوى شهدت تغييرا ديموغرافيا كبيرا جدا، لأنها فقدت الكثير من مكوناتها، كما أن هناك متغيرات من غير الممكن إصلاحها، مثل الضحايا الذين خلفوا أرامل وأيتاما، فضلا عن الاختطاف الذي تعرضت له العديد من نساء الطائفة الإيزيدية.

شاهدة على الكارثة

كانت كلفة اجتياح تنظيم الدولة باهظة الثمن على العراقيين؛ فحسب الأرقام الصادرة من منظمات شبه رسمية، ذكرت أن سيطرة تنظيم الدولة على أجزاء من العراق كلف فاتورة كبيرة تمثّلت في مقتل وإصابة أكثر من 300 ألف مواطن، بينهم ما لا يقل عن 200 ألف مدني، وفقدان نحو 30 ألفا آخرين، بالإضافة إلى تهجير الملايين، وتدمير أكثر من 48 مدينة.

وتروي الناشطة المجتمعية داليا المعماري للجزيرة نت ما عاشته بنفسها إبان وجودها في نينوى مع عائلتها إبان سيطرة تنظيم الدولة، حيث تعرضوا للمعاملة القاسية، كما أن والدها اعتقل واقتيد إلى جهة مجهولة ولا يعرف مصيره حتى الآن.

العبد ربه: المتهمون بالتقصير يقدر عددهم بالمئات لكن عددا قليلا منهم فقط خضعوا للمحاكمة (الجزيرة نت)

إدانة مع وقف التنفيذ

في 2015، أقر مجلس النواب العراقي تشكيل لجنة للتحقيق في حادثة سقوط الموصل بعضوية 26 نائبا، واستضافت اللجنة خلال عملها نحو 100 شخص، أكثر من نصفهم كان من العسكريين، لكن اللجنة تعرّضت في ما بعد لهجوم قاسٍ من قبل أطراف سياسية، خاصة أن التقرير النهائي لها حمّل 25 شخصية مسؤولية سقوط الموصل وقتها، ورغم مرور 7 سنوات على الاجتياح لا تزال الدعوات تتجدد لمحاسبة المقصرين قضائيا.

ويعلق عضو لجنة التحقيق بسقوط المحافظة محمد نوري العبد ربه للجزيرة نت أن المتهمين بالتقصير يقدر عددهم بالمئات، لكن عددا قليلا منهم خضعوا للمحاكمة، ولا يتجاوزون 4 أشخاص، أما بقية المقصرين فقد خضعوا لتوافق وتسوية سياسية من قبل جميع الأحزاب المشاركة في السلطة.

وأضاف أن بعض المتورطين في كارثة نينوى تسلموا مناصب رفيعة في الدولة.

وتشاطرالمعماري رأي عضو لجنة التحقيق محمد العبد ربه حول وجود تسويات سياسية أعفت المقصرين من المحاسبة، لكن اللواء يحيى رسول أكد للجزيرة نت أن التحقيقات في سقوط الموصل تقع ضمن الصلاحيات الحكومية، وهي المعنية بمحاسبة المقصرين الذين تسببوا في هذه الأزمة.

شيروان الدوبرداني / نائب عن كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني
الدوبرداني: إعادة إعمار محطات الكهرباء والماء والمجمعات الطبية يحتاج إلى 15 مليار دولار (الجزيرة نت)

إهمال خدمي وإنساني

تؤكد لجنة الأقاليم والمحافظات في البرلمان العراقي تدمير نحو 90% من البنى التحتية في نينوى، ورغم اعتبار مجلس النواب المحافظة مدينة منكوبة فإن التخصيصات المالية كانت قليلة، ولا ترقي لمستوى الكارثة الذي حل بالمحافظة.

ويقول عضو اللجنة شيروان الدوبرداني للجزيرة نت إن إعادة إعمار محطات الكهرباء والمجمعات الطبية إضافة إلى محطات المياه يحتاج إلى 15 مليار دولار، في حين تقول البجاري إن المبالغ الإجمالية لإعادة إعمار المحافظات المتضررة من الحرب ضد تنظيم الدولة تقترب من 100 مليار دولار.

أما على الصعيد الإنساني، فلا تزال أعداد كبيرة من النازحين موجودين في إقليم كردستان العراق، وكذلك في دول الجوار، فضلا عن أعداد أخرى ممن هاجروا إلى أوروبا ولم يعودوا، حسب ما ترويه الناشطة المعماري.

ويشير عضو لجنة التحقيق في سقوط الموصل محمد العبد ربه إلى وجود سلبيات تتمثل في عمليات ابتزاز وسيطرة على اقتصاد المحافظة تمارسه الهيئات والمكاتب الاقتصادية لبعض الأحزاب والأجنحة المسلحة، مما يتوجب على الحكومة مراقبة هذه الأفعال والحد منها.

المصدر : الجزيرة