تمهيدا لتطبيع العلاقات.. 4 ملفات على طاولة اللقاء الأول بين مصر وتركيا

بعد سنوات من الشد والجذب، تحتضن القاهرة اجتماعات مصرية تركية بحضور شخصيات دبلوماسية وأمنية رفيعة، في زيارة تعد الأولى من نوعها بين البلدين منذ نحو 8 سنوات.

وسبق أن أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن الاجتماع على مستوى نواب وزيري الخارجية في القاهرة قد تتم خلاله مناقشة مسألة إعادة سفيري البلدين، وسيعقبه لقاء سيعقده مع نظيره المصري سامح شكري.

وذكرت وسائل إعلام تركية الاثنين أن سادات أونال نائب وزير الخارجية التركي وصل على رأس وفد إلى القاهرة، في حين لم يصدر عن الجانب المصري أي بيان بشأن هذه الزيارة حتى مساء الثلاثاء عندما تم الإعلان عن أن المباحثات ستعقد يومي الأربعاء والخميس بين أونال وحمدي سند لوزا نائب وزير الخارجية المصري.

وستركز المناقشات الاستكشافية على الخطوات الضرورية التي قد تؤدي إلى تطبيع العلاقات بين البلديّن على الصعيد الثنائي وفي السياق الإقليمي.

وتعد الزيارة التي تتزامن مع زيارة أخرى لوزيري الخارجية والدفاع التركيين إلى العاصمة الليبية طرابلس، الأولى من نوعها على صعيد العلاقات بين البلدين، بعد التوتر الذي عرفته خلال السنوات الماضية، وتأتي استكمالا لجهودهما في تطبيع العلاقات.

وفي خطوة إلى الأمام، أقر البرلمان التركي بالإجماع قبل أيام تشكيل لجنة صداقة برلمانية مع مصر، في توجه جديد نحو التهدئة.

وكان عمر جليك المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، أكد في تصريحات الاثنين أن بلاده تعمل على تشكيل آليات جديدة لبحث قضاياها مع مصر، وأن زيارة الوفد التركي تأتي في هذا الإطار.

وأكد ضرورة تباحث الطرفين بشأن قضايا أمنية إقليمية، على رأسها مسائل البحر المتوسط، علاوة على مواضيع أخرى مثل اتفاقيات التنقيب عن الغاز في المتوسط.

ووفق مؤشرات وتصريحات محللين سياسيين بمصر وتركيا للجزيرة نت، فإن طاولة المباحثات المصرية التركية تشهد ملفات بارزة، يأتي على رأسها مناقشة عودة العلاقات الدبلوماسية، والتنسيق في الملف الليبي، وشرق المتوسط بما قد يفضي إلى توقيع اتفاق في المنطقة الغنية بالغاز، إلى جانب أوضاع المعارضة في كلا البلدين.

3 مراحل

الكاتب والمحلل السياسي التركي عبد الله أيدوغان قال إن العلاقات المصرية التركية تمر عبر 3 مراحل، الأولى تمثلت في توقف التصريحات الهجومية المتبادلة، والثانية في عودة العلاقات الدبلوماسية، مشيرا إلى أنها قد تكون علاقات سطحية، لكنها ستبقى إستراتيجية ومهمة في التعاون في ملفات مثل ليبيا وشرق المتوسط.

وثالث مرحلة، وفق أيدوغان، تأتي في إطار عودة العلاقات كما كانت قبل 2013، متوقعا أن تأخذ مزيدا من الوقت، في وقت ستصل فيه علاقات وحجم التبادل التجاري إلى أرقام قياسية.

وقال أيدوغان إن قرار برلمان بلاده تشكيل لجنتين للصداقة مع مصر وليبيا يمثل خطوة إيجابية للأمام، لأن هذه اللجنة وأعضاءها سيسافرون إلى مصر، والعكس، بما يفتح الباب للمواطنين المصريين أيضا لزيارة تركيا.

بدوره، رأى محمد حامد مدير منتدى شرق المتوسط للدراسات السياسية والإستراتيجية (مقره القاهرة) أن وجود وفود برلمانية وزيارات متبادلة بين البلدين خطوة إيجابية، وأن لجان الصناعة في برلماني البلدين ستتحرك لتعزيز العلاقات الاقتصادية والصناعية.

أما عن عودة السفراء، قال حامد إن هناك نوعا من "التلهف" التركي في هذا الشأن، مشيرا إلى أن لقاء قد يحدث بين وزير الخارجية التركي حين يزور مصر وبين الرئيس عبد الفتاح السيسي، خاصة وأن قسم سفير أنقرة أمام رئيس مصر يمثل اعترافا بالنظام الذي جاء بعد 30 يونيو/حزيران 2013.

وثمة إشارة بشأن احترام مصر وبقية الدول العربية لما يتعلق بالتراث التركي، وفق حامد، تتمثل في عدم الاعتراف بما يسمى مذابح الأرمن في برلماناتهم، على غرار القرار الذي اتخذه الرئيس الأميركي جو بايدن مؤخرا ونددت به أنقرة.

وأضاف أن هذا الأمر جعل تركيا تتحرك للأمام خطوة أكبر نحو مصر ودول الخليج لتعزيز المصالحة عقب الاعتراف الأميركي الذي اعتبرته ضربة للعلاقات مع واشنطن، بما يدفعها نحو إعادة تصفير الأزمات مع الدول العربية.

الملف الليبي

بدوره، لم يستبعد الباحث المصري المختص في الشأن الليبي علاء فاروق أن يكون هذا الملف على رأس المباحثات المصرية التركية.

وشدد فاروق على أن التقارب قد يسفر عن نتائج إيجابية كبيرة على الملف الليبي، وسيصب في خانة دعم الاستقرار أمنيا وسياسيا باعتباره أحد الخلافات المتجذرة بين القاهرة وأنقرة.

وبالنسبة للعملية الانتخابية المرتقبة في ليبيا، قال فاروق إن القاهرة وأنقرة تدعمان إجراء الانتخابات في موعدها المحدد نهاية العام، كما نصت خارطة الطريق في ملتقى الحوار السياسي، الذي دعمته مصر كأول دولة وتوافق عليه أيضا تركيا.

واعتبر إجراء الانتخابات الليبية خطوة أخرى للتقارب وتوضيح وجهات النظر بين القاهرة وأنقرة، متوقعا أن تسير العلاقات الثنائية في طريق إيجابي يكون فيه التنسيق على مستوى كبير بعيدًا عن الصدام.

واستشرف حال ترجمة هذه الخطوات عمليا توقيع البلدين اتفاقية بحرية بشرق المتوسط، تضمن حقوقهما وتمنع المناوشات التي تحدث مع اليونان وغيرها من الدول.

وزاد بالقول إن هذه المؤشرات ستنعكس أيضا إيجابا على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا، إذ إن التقارب سيدفع مصر نحو التنازل عن مطالب إلغاء الاتفاقية.

متفقا مع الطرح السابق، قال الباحث المصري محمد حامد إن باكورة التعاون بين البلدين تتمثل في نجاح حلحلة الأزمة الليبية، مستشهدا بعودة السفارة المصرية إلى طرابلس، والتوافق في ملف إعادة الإعمار وعودة العمالة المصرية.

تقدير إلهي

في سياق متصل، قال المحلل التركي عبد الله أيدوغان إن الأزمة المصرية التركية وصلت ذروتها بتوقيع أنقرة اتفاقيات مع حكومة الوفاق الليبية، لكن بتقدير إلهي أصبحت الأزمة سببا للتقارب بين البلدين.

وقال إن تركيا تتفهم المخاوف المصرية من الوضع الأمني في ليبيا، وكان لها دور إيجابي في تقارب القاهرة مع الحكومة الليبية الجديدة، حيث أصبحت هناك علاقات جيدة على خلاف العلاقات السابقة.

وأكد أيدوغان أن التوافق المصري التركي سيدفع نحو إجراء الانتخابات في الشرق والغرب، لكن تبقى تعقيدات تتعلق بموقف مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر في الشرق الليبي.

شرق المتوسط

وسبق أن اتفق محللون سياسيون مصريون وأتراك، في تصريحات للجزيرة نت، على أن التقارب بين البلدين يعزز من فرص نجاحهما في النزاع البحري، بما قد يفضي في النهاية إلى تكتل ثنائي في مواجهة تحالفات شرق المتوسط المتناقضة.

وفي هذا الصدد، يرى الباحث المصري محمد حامد أن تركيا في حاجة إلى ترسيم الحدود البحرية مع مصر، وستستفيد استفادة كبرى، متوقعا أن تضغط أنقرة على قبرص واليونان والسلطة الفلسطينية لتوقيع اتفاقات مماثلة.

واعتبر أن العلاقات المصرية مع تركيا ستسمح للأخيرة بالتنقيب عن الغاز في شرق المتوسط، والدخول إلى "منظمة شرق المتوسط للغاز" (تضم مصر وإسرائيل وقبرص واليونان والأردن وفلسطين وإيطاليا)، وستكون عضوا فاعلا فيها، لتستفيد من استخراج النفط بما يخدم أجندة النظام اقتصاديا وانتخابيا.

خريف المعارضة

وقد انعكست التهدئة بين البلدين بصورة مباشرة على وضع المعارضة المصرية في تركيا وتحجيم أدواتها الإعلامية التي تتخذ من إسطنبول منصة لها، وعلى الجانب الآخر ظهرت دعوات تتحدث عن ردود فعل مصرية متوقعة ضد "جماعة الخدمة"، التي أسسها فتح الله غولن وتصنف "إرهابية" في تركيا.

وتعقيبا على موقف المعارضة في البلدين من لقاء القاهرة، قال أيدوغان إن بلاده تفهمت الغضب المصري من الإعلام المعارض في إسطنبول، ووضعت له مبادئ إعلامية كي لا يهاجم القيادة المصرية بلهجة مغلظة.

وفيما يتعلق بجماعة غولن -وفق أيدوغان- فإن على مصر أن تتخذ خطوات إيجابية مماثلة ضد غولن لصالح تركيا.

بدوره توقع الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية مصطفى زهران أن تضع تركيا ملف جماعة غولن على رأس أجندة لقاءاتها بالمسؤولين المصريين، مشيرا إلى أنه قد يصل الأمر إلى مطالبة القاهرة بوضع القيود على أنشطة غولن التجارية والاقتصادية والمدارس التابعة لها في مصر.

المصدر : الجزيرة