فورين أفيرز: ماذا يعني الانسحاب الأميركي من أفغانستان؟

blogs طالبان
مقاتلون من حركة طالبان الأفغانية (مواقع التواصل الاجتماعي)

خلال الأشهر الستة الماضية أصبحت حركة طالبان الأفغانية في حالة صعود والقوات الحكومية الأفغانية في حالة فوضى، وانسحاب القوات الأميركية أصبح أمرا ملحا، الأمر الذي سيحفز طالبان للقتال وتجنب التسوية على طاولة المفاوضات، كما أن لدى كل من الصين والهند وإيران وروسيا مصالح في أفغانستان ولا ترغب في رؤية إمارة تابعة لطالبان.

ويشير مقال بموقع "فورين أفيرز" الأميركي (Foreign Affairs) إلى أن طالبان انتصرت في معارك كبرى واستعادت السيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي، متسائلا: لماذا توافق طالبان على تقاسم السلطة ما دام بإمكانها أن تأخذها بالقوة؟

وأضاف كاتب المقال كارتر مالكاسيان أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن واجهت خيارا صعبا بين استكمال الانسحاب الأميركي على النحو المتفق عليه مع طالبان والبقاء لفترة أطول، مع الحد الأدنى من عدد القوات اللازمة لقمع "التهديد الإرهابي".

وقال مالكاسيان إن كلا الخيارين كان يمكن أن يكون إستراتيجية قابلة للتطبيق، لكن الوضع المتدهور على الأرض، إلى جانب النظرة السيئة لعملية السلام وأولويات واشنطن الأخرى مثل المنافسة مع الصين وتغيّر المناخ ومكافحة جائحة "كوفيد 19″، جميعها تجعل الانسحاب الأميركي أكثر إلحاحا.

الحقيقة المؤلمة

وعلق بأن الحقيقة المؤلمة هي أن واشنطن ستترك وراءها حربا هي الآن أبعد بكثير عن تسوية تفاوضية كما كانت قبل عام، وأنه بغض النظر عما تفعله إدارة بايدن، فإن طالبان ستقاوم التسوية والحرب ستستمر في الاشتعال.

وأوضح الكاتب أن طالبان اليوم قد تكون أكبر مما كانت عليه في 2018، عندما كان عددها بين 60 ألفا و80 ألفا، ويُشاع أن كبار قادتها عادوا إلى أفغانستان من باكستان، كما أن مقاتليها مسلحون ومجهزون بشكل جيد، بعد أن استولوا على مخزون كبير من معدات الجيش الأفغاني.

القوات الحكومية

وعلى الجانب الآخر من الصراع، فإن قوات الحكومة الأفغانية في حالة من الفوضى، إذ يعمل الجيش الوطني الأفغاني، الذي من المفترض أن يكون العمود الفقري للدفاع في البلاد، والشرطة ذات الزي الأزرق، والتي تميل إلى تحمل وطأة هجمات طالبان، بما يقرب من 50% إلى 70%من الحد الأقصى الرسمي لقوتها البالغة 352 ألف شخص.

وتحتفظ الحكومة بالسيطرة على مدن الدولة، التي لم تعد معاقل آمنة، إذ تسللت إليها خلايا طالبان وتنظيم الدولة الإسلامية مثلما هو الحال في قندهار وجلال آباد وحتى كابل.

واستمر يقول إن سكان هذه المدن تعبوا، وبعض الأقليات من سكانها مستعدة الآن للتسامح مع حكم طالبان إذا كان ذلك يعني تحقيق السلام في النهاية. ونقل عن أحد نشطاء السلام "المتعلمين تعليما عاليا" قوله إن الحرب تستمر في قتل الناس وكل ما يأتي مع طالبان لن يكون بهذا السوء، "لماذا يموت مئات الأفغان كل أسبوع لأن ألفي أميركي ماتوا في 11 سبتمبر؟".

يكاد يكون من المؤكد أن نجاح طالبان الأخير في ساحة المعركة سيحفز المجموعة على القتال بغض النظر عن موعد مغادرة القوات الأميركية. ويرى قادة طالبان الآن أن المكاسب في ساحة المعركة ممكنة، وسيضطرون إلى الاستمرار في تحقيقها. ويدعي البعض صراحة أن هدفهم هو النصر الكامل. وكما قال أحد كبار قادة طالبان لصحيفة واشنطن بوست الشهر الماضي، "هذه المعركة ليست لتقاسم السلطة. هذه الحرب لأغراض دينية من أجل تشكيل حكومة إسلامية وتطبيق الشريعة الإسلامية".

الإمارة الإسلامية

وأشار مالكاسيان إلى أن أعضاء اللجنة السياسية لطالبان المشاركين في محادثات السلام في الدوحة كانوا أكثر تحفظا، لكن تصريحاتهم تراوحت بين العناد والغموض غير البناء، وزعم الطيب آغا، الذي قاد اللجنة السياسية لطالبان من 2009 إلى 2015، أنه نصح زعيم طالبان الراحل الملا عمر بأن أي محاولة لإعادة الإمارة الإسلامية ستطيل الحرب.

إذا اتبعت إدارة بايدن خطتها المعلنة لسحب جميع القوات الأميركية بحلول سبتمبر/أيلول المقبل، فمن المحتمل أن تستولي طالبان على معظم جنوب وشرق البلاد في غضون أشهر. وبعد ذلك، يمكن أن تنهار الحكومة. ومن الممكن أيضا أن تتمكن الحكومة وقوات العمليات الخاصة والتحالف الشمالي القديم، قادة الطاجيك والهزارة والأوزبك، من حشد ما يكفي من الوحدة والعزيمة لدرء سقوط كابل. في الواقع، يشاع بالفعل أن تحالف الشمال يحشد القوات للقتال.

وعندها، يقول مالكاسيان إن الوقت سيصبح هو المشكلة. فدون المستشارين الأميركيين، ستتدهور المعدات الأفغانية وستتآكل قوات العمليات الخاصة في البلاد. وسياسيا، ستكافح الحكومة الحالية بقيادة الرئيس أشرف غني، الذي ينتمي إلى جماعة البشتون، لتبرير حكمها مع توفير الشماليين لمعظم المقاتلين. والشماليون أنفسهم قد لا يكونون كما كانوا من قبل. فعلى مدى السنوات الأربع الماضية، حققت طالبان انتصارات في الشمال، مما أثار تساؤلات حول رغبة الحلفاء الشماليين القدامى في القتال.

القوى الإقليمية

وفي النهاية، يقول الكاتب، لن يقرر الأفغان والأميركيون فقط مسار الحرب. فلدى كل من الصين والهند وإيران وروسيا مصالح في أفغانستان ولا ترغب في رؤية إمارة تابعة لطالبان. فإيران وروسيا تتمتعان بعلاقات طويلة الأمد مع الهزارة والطاجيك والأوزبك الذين يعارضون طالبان. وكان البلدان يلعبان مع كلا الجانبين منذ سنوات، حيث يسلحان طالبان أو يمولانها على الأقل كوسيلة للضغط على الولايات المتحدة للخروج من حديقتهم الخلفية، بينما يرفضان علنا فكرة إمارة طالبان.

ويختم مالكاسيان مقاله بأن المصالح ستتغير مع مغادرة الولايات المتحدة، ويصبح الصراع في أفغانستان أشبه بالحرب الأهلية الليبية والسورية، حيث تدعم القوى الإقليمية المختلفة أطرافا مختلفة. وحتى لو كان هذا التدخل الإقليمي كافيا لمنع طالبان من استعادة السلطة، فإن النظرة المستقبلية لحكومة غني الديمقراطية لن تكون جيدة.

المصدر : فورين أفيرز