تثير مخاوف المسؤولين الأميركيين.. عقيدة تفوّق العرق الأبيض تتغلغل في صفوف الجيش والشرطة
تبنى الكونغرس العام الماضي قانونا يطالب البنتاغون بإجراء استطلاعات رأي دورية داخل فروع القوات المسلحة الأميركية، تشمل أسئلة بشأن ما إذا كان الجنود والضباط قد لاحظوا أو شاهدوا أنشطة للمتطرفين البيض.
قبل 20 عاما، نفذت السلطات الأميركية حكم الإعدام في تيموثي ماكفاي، عقب إدانته بتهمة الإرهاب لقيامه بتفجير مبنى فدرالي في مدينة أوكلاهوما عام 1995، وهو ما تسبب في مقتل 168 شخصا وإصابة مئات آخرين.
وذكر ماكفاي أنه قام بعمله الإرهابي انتقاما من "مأساة واكو"، عندما اقتحمت عناصر مكتب التحقيقات الفدرالي "إف بي آي" (FBI) مزرعة إحدى الطوائف الدينية الغريبة في منطقة واكو بصحراء تكساس، وقُتل خلال العملية 90 شخصا من بينهم 17 طفلا، واعتبر ماكفاي أن الحكومة الأميركية تستبد بالأميركيين وتقلص حرياتهم.
اقرأ أيضا
list of 2 itemsمسؤول أميركي: ليس لدينا قوانين ضد الإرهاب الداخلي
وما أثار حفيظة الخبراء قبل 20 عاما، يثير حفيظة الخبراء اليوم بعد شهرين من اقتحام أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب مبنى الكابيتول، في محاولة لتعطيل تصويت الكونغرس على نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020.
خدم ماكفاي في الجيش الأميركي وشارك في حرب الخليج الأولى عام 1991، وأنهيت خدمته عقب الحرب ونال مرتبة الشرف. من ناحية أخرى أُلقي القبض على بعض المقتحمين لمبنى الكابيتول ممن ينتمون للجيش الأميركي، إضافة لعشرات المحاربين المتقاعدين.
وأثارت حادثة تفجير أوكلاهوما أسئلة حينذاك عن تسرب التطرف والعداء للحكومة الأميركية داخل أفراد القوات المسلحة، واليوم يثير انتشار أنصار اليمين المتطرف المؤمنين بتفوق العرق الأبيض بين العسكريين داخل القوات المسلحة، مخاوف المسؤولين الأميركيين.
مراجعة إجراءات قبول العسكريين
وقال مدير مكتب التحقيقات الفدرالي كريستوفر راي -أمام اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ الأميركي- إن جهازه يرى أن اقتحام أنصار ترامب مبنى الكونغرس هجوم إرهابي، نفذه مناصرون لفكرة استعلاء العرق الأبيض، وأضاف أن هذا التيار يمثل أكبر تهديد لأمن البلاد.
من ناحية أخرى، ألزمت لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب وزارةَ الدفاع بدراسة وفحص وجود أنشطة متطرفة في الذين يحاولون التجنّد في الجيش.
ويشترط على الساعين إلى الانضمام للجيش الأميركي الخضوع لعملية فرز، واجتياز الفحص الأمني والكشف عن الارتباطات السابقة، وتشمل هذه التدابير الاتصال المكثف من مسؤولي التوظيف والمحققين ومسؤولي المقابلات وأخذ البصمات، وإجراءات أخرى.
وقال المسؤولون إنهم يبحثون مراجعة حسابات وسائل التواصل الاجتماعي للمتقدمين، كجزء من التحقق من خلفياتهم للحصول على الإجازة الأمنية اللازمة، وذلك على الرغم من صعوبة القيام بذلك لمئات الآلاف من المتقدمين للجيش كل عام.
ودفع ذلك الجنرال لويد أوستن أول وزير دفاع أسود في التاريخ الأميركي، لإجراء مراجعات شاملة من أجل تخليص الجيش من أي عناصر متطرفة فيه.
وأظهر استطلاع حديث أجرته مجلة الأخبار العسكرية "ميليتري تايمز" (Military Times) معرفة أكثر من ثلث العسكريين، وأكثر من نصف أبناء الأقليات، زملاء لهم يروّجون ويؤمنون بتفوّق العرق الأبيض وبالأيديولوجيات المتطرفة.
وشمل الاستطلاع 1630 عسكريا في الخدمة ومن العسكريين المتقاعدين، وقدّم الاستطلاع لمحة مثيرة عن تعرّض العسكريين الأميركيين للآراء المتطرفة أثناء خدمتهم، على الرغم من الجهود التي يبذلها القادة العسكريون لتعزيز التنوع واحترام جميع الأعراق.
وكشف الاستطلاع تعرّض الجنود بنسب أكبر للأفكار المتطرفة مقارنة بالضباط، إذ بلغت النسبة 37% بين الجنود مقابل 27% بين الضباط.
وبشكل عام، أشار العسكريون الأميركيون المشاركون في الاستطلاع إلى أن انتشار عقيدة تفوق العرق الأبيض يعدّ أكبر تهديد للأمن القومي الأميركي الداخلي، وذلك مقارنة بالهجرة غير النظامية أو الأعمال الإرهابية التي يقوم بها "متطرفون مسلمون".
كذلك أفاد المشاركون في الاستطلاع بأنهم شهدوا حوادث من بينها استعمال لغة استعلائية، وألفاظ عنصرية ومواقف تمييزية من أقرانهم، وذكروا أيضا أمثلة أكثر تحديدا مثل حمل الصليب المعقوف (شعار النازية) الذي يُرسم على سياراتهم، أو الوشم المرتبط بجماعات تفوق البيض، والملصقات التي تدعم جماعة "كو كلوكس كلان"، والتحية التي يؤديها الجنود المتطرفون على الطريقة النازية فيما بينهم.
ولم تعكس نتاج الاستطلاع مفاجأة كبيرة، إذ أشارت عدة دراسات نشرها مركز قانون الفقر الجنوبي، واطلعت عليها الجزيرة نت، إلى انتشار العنصرية وجماعات أنصار سمو العرق الأبيض بين أفراد الجيش وقوات الشرطة بصورة كبيرة.
وزاد نشاط هذه الجماعات مع وصول الرئيس السابق دونالد ترامب إلى الحكم، وقد منحها خطابه العنصري قوة ومكانة لم تملكها من قبل.
لماذا يسعى المتطرفون للانضمام إلى الجيش؟
تشير بعض أدبيات الجماعات العرقية الأميركية إلى ضرورة تشجيع أعضائها على الانضمام إلى الجيش، والتدريب على استخدام الأسلحة، وتعلّم مهارات البقاء على قيد الحياة، وذلك تحسبا لما يؤمنون به من حرب عرقية أهلية أميركية لا يمكن تجنبها.
ودفع التركيز على الإرهاب الخارجي خلال العقدين الأخيرين لتجاهل التحذيرات المتكررة من تسلل متطرفين من أنصار تفوق العرق الأبيض إلى الجيش الأميركي وقوات الشرطة، وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع جون كيربي إن "اقتحام الكونغرس كان بمثابة جرس إنذار".
وردا على المخاوف بشأن تزايد تسلل المتطرفين البيض إلى القوات المسلحة، تبنى الكونغرس العام الماضي قانونا يطالب البنتاغون بإجراء استطلاعات رأي دورية داخل فروع القوات المسلحة الأميركية، تشمل أسئلة حول ما إذا كان الجنود والضباط قد لاحظوا أو شاهدوا أنشطة للمتطرفين البيض.
كما أدرج المشرعون لغة في مشروع قانون سياسة الميزانية السنوية الذي يُفوّض بدراسة سبل جديدة لفحص وتحديد المجندين ذوي الآراء العنصرية أو المتطرفة، بما في ذلك التنسيق مع مكتب التحقيقات الفدرالي والمنظمات والخبراء الذين يراقبون جماعات الكراهية الأميركية، ومن المقرر أن ينشر هذا التقرير في صيف 2021.