"ولدت ميتة".. خيبة أمل بعد رفض البرلمان التونسي منح الثقة لحكومة الجملي

خميس بن بريك-تونس

أصبحت حكومة الحبيب الجملي -الذي كلفه حزب حركة النهضة الفائز بالانتخابات التشريعية الأخيرة- في مهب الريح بعد سقوطها في جلسة منح الثقة بالبرلمان نتيجة عدم حصولها على الأغلبية المطلقة من الأصوات، وهو ما يفتح الباب أمام رئيس الجمهورية لتعيين رئيس حكومة جديد.

واعترض 134 نائبا على تزكية الحكومة مقابل موافقة 72 نائبا، بينما كان يتعين عليها الحصول على 109 أصوات على الأقل للحصول على المصادقة. وتسبب عدم نيل الحكومة الثقة في خيبة أمل كبيرة، خاصة في صفوف حركة النهضة الفائزة بالمركز الأول في الانتخابات (54 مقعدا).

وبحسب الفصل 89 من الدستور سيتولى رئيس الجمهورية في مدة عشرة أيام التشاور مع الكتل البرلمانية والأحزاب السياسية لتكليف الشخصية الأقدر على تشكيل الحكومة، التي مضى على مشاورات تشكيلها من قبل الحبيب الجملي نحو شهرين وسط تجاذبات سياسية عرقلت ميلادها.

 

انتقادات لاذعة
تقول سامية عبو النائبة عن حزب التيار الديمقراطي للجزيرة.نت، إن حكومة الحبيب الجملي المقترحة "ولدت ميتة لأنها كانت تقوم على الترضيات والولاءات لحركة النهضة"، وإنها غير مبنية على الكفاءات، مشيرة إلى أنها كانت تتضمن "أسماء أشخاص تتعلق بهم شبهات فساد مالي".
 
من جهته، قال زهير المغزاوي النائب والأمين العام لحركة الشعب للجزيرة.نت إن المرور إلى سيناريو تكليف رئيس الجمهورية رئيس حكومة جديدا أصبح أمرا واقعا، مؤكدا أن حكومة الجملي لم تحظ بثقة البرلمان "لخلوها من الكفاءة والبرامج".
 
ورفض كل من حزب التيار الشعبي (22 مقعدا) وحركة الشعب (14 مقعدا) المحسوبين على قوى الثورة المشاركة بالحكومة المقترحة للحبيب الجملي بعد تعثر مسار المفاوضات معهما، وأعربا في مواقف عديدة عن تحفظاتهما تجاه مسار تشكيل الحكومة وشككا بمصداقيتها.
 
وحتى حزب قلب تونس (38 مقعدا) الذي كانت حركة النهضة تسعى لاستخدامه حلا بديلا لتمرير الحكومة غرد خارج سربها ورفض التصويت لمصلحتها.
 
وعبرت قيادات حركة النهضة عن خيبة أملها بسبب إسقاط الحكومة، في ظرف تمر فيه البلاد بأزمة اقتصادية ومالية، ناهيك عن التوترات الأمنية التي تشهدها المناطق الليبية المتاخمة للحدود التونسية، معتبرين أن إسقاط الحكومة ستكون له تداعيات سلبية على الاقتصاد وأمن البلاد.
 
وقال رئيس كتلة حركة النهضة في البرلمان نور الدين البحيري للجزيرة.نت، إن حزبه لا يتحمل مسؤولية فشل تمرير الحكومة، مؤكدا أنه رغم تحفظاته حول طبيعة هذه الحكومة ومطالبته بتشكيل حكومة كفاءات سياسية، فإن حركة النهضة سعت لدعم حكومة الحبيب الجملي خلال المشاورات الأولى مع حزب التيار الديمقراطي وحركة الشعب وذلك بقبول شروطهما لكنهما رفضا.
 
وعبر البحيري عن أسفه لعدم منح الثقة لحكومة الجملي، لما له من تداعيات في هذا الظرف الاقتصادي والأمني الصعب، لكنه أكد أن تونس لا تعيش فراغا سياسيا وأن الفصل 89 من الدستور ترك مهلة دستورية ثانية للمرور لتكليف رئيس حكومة جديد من قبل رئيس الجمهورية.  

تقارب الوسط
وأرجع المحلل السياسي محمد بوعود عدم منح الثقة لحكومة الحبيب الجملي (42 وزيرا) إلى عدة أسباب، منها إجماع عدد من الكتل البرلمانية والأحزاب على "عدم استقلالية أعضائها عن حركة النهضة، بينما كان رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي ينفي ولاءهم للحركة".

كما أشار إلى وجود نوع من التقارب بين ما أسماها مكونات العائلة السياسية الوسيطة بما فيها حزب قلب تونس وحزب تحيا تونس، معتبرا أن هذا التوافق شكل حجر عثرة أمام تمرير الحكومة ووجه صفعة قوية لحزب حركة النهضة "التي لم تحسن إدارة مسار التفاوض" وفق تعبيره.

ومنذ أيام، التقى رئيس حزب قلب تونس -قطب الإعلام والأعمال نبيل القروي- مع خصمه رئيس حكومة تصريف الأعمال الحالي يوسف الشاهد وزعيم حزب تحيا تونس في مقابلة، قال خبراء إنها تأتي في إطار التصدي لمرور حكومة حركة النهضة وفسح المجال لتشكيل "حكومة الرئيس".

ويقول بوعود إن سقوط الحكومة سيزيد مسار تشكيل حكومة جديدة من قبل رئيس الجمهورية تعقيدا، في ظل تشتت الكتل البرلمانية وتضارب توجهاتها، موضحا أن الرئيس التونسي قيس سعيد سيكون مجبرا على إيجاد دعم سياسي داخل البرلمان يضمن له تمرير حكومته.

ويرى أن ارتدادات سقوط الحكومة المقترحة ستكون مكلفة على حركة النهضة، ولا سيما على رئيسها راشد الغنوشي رئيس مجلس النواب الحالي، مؤكدا أن الأطراف المعارضة له داخل الحزب يترصدون أخطاءه وسيحاولون قلب الطاولة عليه مع اقتراب المؤتمر 11 للحركة الأشهر المقبلة.

من جهة أخرى، يقول المحلل الاقتصادي والاجتماعي رضا الشكندالي للجزيرة، إن سقوط الحكومة سيكون له تداعيات مكلفة على الاقتصاد التونسي، مشيرا إلى أن صندوق النقد الدولي رفض الإفراج عن القسط السادس من قرض مالي تحتاجه البلاد بسبب غياب حكومة قارة "دائمة".

وبرر الشكندالي الإطاحة بحكومة الحبيب الجملي في البرلمان بسبب غياب الكفاءة عن بعض الوزراء وعدم اعتماد كفاءات سياسية للأحزاب الفائزة بالانتخابات، مشيرا إلى أن عدم إشراك الأحزاب في تركيبة الحكومة "أضعف الحزام السياسي من حولها وجعلها في مهب الريح".

المصدر : الجزيرة