قايد صالح وبوتفليقة.. سبع محطات من الزعيم المجاهد إلى الرئيس العاجز

Algeria's President and head of the Armed Forces Abdelaziz Bouteflika (L) gestures while talking with Army Chief of Staff General Ahmed Gaid Salah during a graduation ceremony of the 40th class of the trainee army officers at a Military Academy in Cherchell 90 km west of Algiers June 27, 2012. REUTERS/Ramzi Boudina (ALGERIA - Tags: MILITARY POLITICS)

أمين حبلا
تفاجأ الجزائريون مساء اليوم برئيس أركان الجيش الجزائري الفريق قايد صالح يطالب بتطبيق مادة دستورية تتحدث عن عجز الرئيس، ليدق بذلك مسمارا جديدا في نعش حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.

فبنظاراته السميكة ولهجته العسكرية الصارمة اختار قايد صالح توجيه بوصلة المشهد الجزائري في اتجاه جديد لم تكن تهواه سفن المحيطين بالرئيس بوتفليقة.

حديث الفريق صالح وصفه البعض بانقلاب عسكري جاء في لبوس اقتراح أو نصيحة متلفزة قربت حكم الرئيس بوتفليقة من نهايته.

ورغم أن "اكتشاف" صالح لعجز الرئيس بوتفليقة تأخر كثيرا، لكنه جاء هذه المرة صارخا وعبر الصورة المكبرة والبث المباشر في التلفزيون الحكومي الذي أصدر الرئيس بوتفليقة يوم أمس قرارا بإقالة مديره العام دون توضيح للأسباب وخلفيات القرار.

الرئيس المجاهد
وقد تدحرجت علاقة قايد صالح بالرئيس بوتفليقة، من الارتباط الوثيق حين كان يصفه بالرئيس المجاهد إلى التخلي عنه والدعوة إلى خلعه بذريعة العجز بعد حكم استمر لنحو عشرين عاما.

ويعد صالح من الشخصيات المقربة من الرئيس بوتفليقة داخل مؤسسة الجيش، وكان قد دعمه في العديد من القرارات التي اتخذها مثل مشروع التعديل الدستوري الذي كشفت عنه الرئاسة يوم 5 يناير/كانون الثاني 2016.

فقد اعتبر أن المشروع يمثل "اللبنة القوية في بناء المسار الديمقراطي في بلادنا، والرؤية المستقبلية الصائبة الرامية لتثبيت مقومات الوحدة الوطنية"، وجاء ذلك في كلمة صالح أمام بعض قيادات المؤسسة العسكرية.

كما زار -رفقة رئيس الوزراء عبد المالك سلال في يونيو/حزيران 2016- الرئيس بوتفليقة عندما كان يعالج بمستشفى فال دوغراس في فرنسا.

وبعد اندلاع الحراك الجزائري في 22 فبراير/شباط الماضي عقب إعلان بوتفليقة عزمه الترشح لعهدة خامسة، اتجهت الأنظار صوب الرجل الأقوى في المؤسسة العسكرية وفي الجزائر عموما، بالنظر لكونه ظل الفاعل الأقوى في اللعبة السياسية الجزائرية طيلة السنوات الماضية.

بيد أن لهجة صالح تغيرت مرارا خلال الأسابيع الماضية تجاه المتظاهرين وحراكهم، من الوعيد والتهديد، إلى التفهم والتبرير، ثم الاستجابة الجزئية لبعض مطالبهم وآمالهم.

اتهام وتحذير
جاءت أولى المواقف الواضحة لقايد صالح في اليوم الخامس من الحراك الشعبي، حيث حذّر مما سماها "نداءات مشبوهة"، وقال في كلمة أمام قيادات عسكرية بالمنطقة العسكرية السادسة (جنوب) "هل يعقل أن يتم دفع بعض الجزائريين نحو المجهول من خلال نداءات مشبوهة، ظاهرها التغني بالديمقراطية، وباطنها جر هؤلاء المغرر بهم إلى مسالك غير آمنة وغير مأمونة".

وتابع أن هذه المسالك "لا تؤدي حتما إلى خدمة المصلحة العليا للجزائر، ولا لتحقيق مستقبلها المزدهر".

لا عودة لسنوات الجمر
ثم عاد في مساء الخامس من مارس/آذار الجاري ليعلن أن الجيش سيضمن الأمن ولن يسمح بعودة البلاد إلى "سنوات الجمر والألم" ولن يسمح بعودة البلاد إلى حقبة سفك الدماء، الأمر الذي فهم منه تهديد ضمني للمتظاهرين أن الجيش قد لا يسمح باستمرار التصعيد السياسي خوفا من انهيار الأوضاع الأمنية، دون أن يصرح بذلك علنا.

تغير في الخطاب
ولكن نغمة صالح تغيرت بحسب الكاتب الفرنسي في صحيفة لوموند فريديريك بوبين بعد مظاهرة 8 مارس/آذار التي أبرزت قوة المتظاهرين، فظهر قايد صالح بعد يومين منها ليقول إن "الجزائر فخورة بشعبها والجيش أيضا"، وقد زاد من تركيزه على الثناء على "الشعور بالوطنية" و"المدنية التي لا مثيل لها" لدى الشعب الجزائري.

وحدة الجيش والشعب
واصل قايد صالح في تصريحاته اللاحقة الاقتراب أكثر وبشكل متدرج ومحسوب من المتظاهرين الذين ازدادت مظاهراتهم صخبا وقوة مع الوقت، دفعت الرئيس نفسه لتقديم مزيد من التنازلات التي لم تكن متوقعة قبل اندلاع الحراك.

فقد قال صالح في اجتماع مع قادة عسكريين بالمدرسة العليا الحربية يوم 13 مارس/آذار الجاري "وحدة الجزائر واستقرارها هي أمانة غالية في أعناق أفراد الجيش الوطني الشعبي، وهذه الأمانة يجعل الجيش من المحافظة عليها هاجسه الأول بل شغله الشاغل ومهمته الأساسية"، متعهدا بالقيام بهذه المهمة في كل الظروف والأحوال.

وأشاد قايد صالح بالعلاقة بين الجيش والشعب، مضيفا أن "استقرار البلاد يزعج أعداء الشعب في الداخل والخارج.. لكنهم يجهلون أن شعب الجزائر الواعي والأصيل المتمسك بتعاليم دينه الإسلامي الحنيف، لا يخشى الأزمات مهما عظمت".

لكل مشكلة حل
في الثامن عشر من الشهر الحالي انتقل صالح من الثناء على المتظاهرين وتأكيد وحدة الجيش والشعب إلى التلويح بالاستجابة لمطالب الحراك، مؤكدا أن لكل مشكلة حلا.

وقال صالح أثناء جولة عمل قادته إلى ولاية بشار (جنوب غرب) إن "كل ذي عقل وحكمة يدرك بحسه الوطني وببصيرته البعيدة النظر، بأن لكل مشكلة حلا، بل حلولا، فالمشاكل مهما تعقدت لن تبقى من دون حلول مناسبة".

وتابع "إني على يقين تام أن الشعب الجزائري، الذي لطالما وضع مصالح البلاد فوق كل اعتبار، يحوز ويملك من الإمكانيات الضرورية لجعل بلده يتفادى أي وضع صعب، من شأنه أن يستغل من قبل أطراف أجنبية لإلحاق الضرر به".

عزل الرئيس
ويبدو أن صالح أخذ مساء اليوم المنعطف الأهم في علاقته مع حليفه السابق بوتفليقة، وربما تكون العلاقة بين الرجلين وصلت مساء اليوم نهايتها بعد نحو عقدين من القوة والتماسك.

فقد طالب الفريق قايد صالح بتطبيق المادة 102 من الدستور التي تحدد حالة عجز الرئيس عن ممارسة مهامه، كما جاء في خطاب بثه التلفزيون الحكومي.

وقال صالح خلال كلمته "يتعين بل يجب تبني حل يكفل الخروج من الأزمة ويضمن احترام الدستور.. حل الأزمة هو الحل المنصوص عليه بالدستور في المادة 102".

وتنص المادة 102 من الدستور المعدل عام 2016 على أنه "إذا استحال على رئيس الجمهورية أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير ومزمن، يجتمع المجلس الدستوري وجوبا، وبعد أن يتثبّت من حقيقة هذا المانع بكل الوسائل الملائمة، يقترح بالإجماع على البرلمان التصريح بثبوت المانع".

بقرار وخطاب صالح يأخذ الجيش عمليا زمام الأمور حتى وإن جاء ذلك في شكل دستوري، يستجيب لبعض مطالب المتظاهرين ويعيد تموضعه في قلب المشهد، وفي الوقت ذاته يبعد السلطة من تحالف الأمن والوزراء المتنفذين الذين أحاطوا ببوتفليقة طيلة السنوات الأخيرة.

المصدر : الجزيرة + وكالات