"فتاة الخلافة" تثير انقساما سياسيا ومجتمعيا في بريطانيا

الجزيرة نت-لندن

شميمة بيغوم البريطانية المولد والجنسية، ذات الأصول البنغلاديشية، مواطنة بريطانية، وإحدى مواطنات "دولة الخلافة الإسلامية"، جهادية إرهابية، أم مغرر بها وضحية؟

تتصارع كل هذه التوصيفات في سياق نقاش مجتمعي وقانوني وسياسي بشأن ما باتت تعرف بقضية "فتاة الدولة الإسلامية"، والموقف من عودة مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية الحاملين للجنسية البريطانية.

وبين مؤيد لحقهم في العودة إلى بلدهم، وداعم لسحب جنسياتهم ومنعهم من الدخول تنقسم الساحة السياسية البريطانية والمجتمع إزاء التعامل الأمثل مع البريطانيين والبريطانيات "رجال ونساء الخلافة" أو الـ"الجهاديين" كما اصطلح على تسميتهم في الإعلام البريطاني.

وتشير الأرقام إلى أن هناك قرابة ألف بريطاني تورطوا في الانضمام لتنظيم الدولة منذ عام 2015 بعد أن كان العدد يبلغ قرابة ثلاثمئة في بداية ظهور التنظيم.

وتحتدم حاليا مواجهة قانونية وسياسية بين شميمة بيغوم ووزير الداخلية ساجد جاويد الذي اتخذ قرارا بمنعها من العودة لبريطانيا وسحب جنسيتها البريطانية.

وخلف قرار جاويد انتقادات حقوقية واسعة، في حين حذرت خبيرة أمنية من أن هذا التعامل سيزيد الخطر الأمني على بريطانيا بدفع التنظيم لاستهدافها، كما سيزيد حدة وخطر التطرف.

كما رفض زعيم حزب العمال المعارض جيرمي كوربن القرار، وقال إن شميمة ينبغي أن تعطى الدعم ويسمح لها بالعودة، لأنها ولدت في بريطانيا ويحق لها البقاء فيها مع ضرورة الإجابة عن الأسئلة التي ستطرح عليها.

وسافرت الفتاة البريطانية البالغة حاليا من العمر 19 عاما إلى سوريا عام 2015 للزواج من مقاتل هولندي الجنسية في تنظيم الدولة، وتقيم حاليا في أحد المخيمات شمال شرقي سوريا.

‪ساجد جاويد اعتمد على مادة في القانون البريطاني تسمح بسحب الجنسية من مواطنين بريطانيين‬ (رويترز)
‪ساجد جاويد اعتمد على مادة في القانون البريطاني تسمح بسحب الجنسية من مواطنين بريطانيين‬ (رويترز)

سحب الجنسية
قانونيا، يتكئ وزير الداخلية في قراره سحب جنسية شميمة على المادة رقم 40 لقانون التجنس لعام 1981 الذي أعطى الحكومة البريطانية الحق بسحب الجنسية إذا ارتكب مواطن جريمة تصنف في سياق "الخيانة العظمى"، لكن في الوقت نفسه تمنع المادة ذاتها تحويل أي مواطن إلى "عديم الجنسية".

وفي حالة شميمة، تقول المستشارة القانونية والخبيرة في شؤون الجنسية والهجرة ناديا البزاز إنها حالة معقدة، وإنها تملك حق الاستئناف والطعن في قرار وزير الداخلية بسبب عدم وجود جنسية أخرى لديها نظرا إلى رفض بنغلاديش منحها الجنسية.

وتضيف ناديا للجزيرة نت أن قانون التجنس والمادة 40 يمنعان منعا باتا تحويل أي مواطن إلى "عديم الجنسية"، وبالتالي لا يمكن لوزير الداخلية سحب جنسية مواطن لا يملك جنسية أخرى.

وبشأن تفسير الخيانة العظمى والأحوال التي يحق فيها للحكومة سحب جنسية أي مواطن، أشارت البزاز إلى أن المادة 40 من قانون التجنس لعام 1981 تعطي الحق بسحب جنسية أي شخص ارتكب جريمة ضد مصلحة المجتمع والأمن القومي.

وتندرج تحت هذه الجرائم جرائم الإرهاب والجاسوسية وجرائم الحرب وجرائم خطيرة، مثل امتهان القتل والإجرام، ومستوى آخر أيضا من الجرائم، كالخداع والغش وإخفاء أوراق ومستندات وقت الحصول على الجنسية من شأن إبرازها وقتذاك عدم الحصول على الجنسية.

لكن سحب الجنسية في كل تلك الأحوال مشروط -بحسب الخبيرة- بأن تكون لدى ذلك المواطن البريطاني جنسية أخرى أو يستطيع الحصول على جنسية بلد ثان، بمعنى أن القانون يمنع منعا باتا تحويل أي مواطن إلى مشرد عديم الجنسية بعد سحب الجنسية البريطانية منه.

وفي حالة شميمة، تقول البزاز إن وزارة الداخلية البنغلاديشية أعلنت أنها لن تمنحها الجنسية، وبالتالي يكون قرار وزير الداخلية باطلا.

ووفق الخبيرة نفسها، فإن هناك مئتي حالة مشابهة لحالة شميمة طعن أصحابها في قرار سحب جنسيتهم ومنعهم من العودة وربح كثير منهم القضية.

ويمكن -وفقا للمحامية ناديا البزاز- للفتاة البريطانية الجنسية البنغلاديشية الأصل حتى وهي في الخارج توكيل محام مختص والطعن في القرار.

‪شميمة أثناء مغادرتها مطار غاتويك بلندن في طريقها إلى سوريا‬ (الأوروبية)
‪شميمة أثناء مغادرتها مطار غاتويك بلندن في طريقها إلى سوريا‬ (الأوروبية)

حقوق وواجبات
وفي سياق ردود الأفعال المنددة بقرار وزير الداخلية البريطاني، دافع الصحفي غاري يونغي عن حق شميمة بالعودة لبريطانيا، مشيرا إلى أنها كانت تبلغ 15 عاما عندما انضمت إلى التنظيم، وأن الأطفال يرتكبون كثيرا من الحماقات، وفق تعبيره.

وعبر يونغي في مقال له بصحيفة غارديان عن رأيه بوضوح بأن "الجنسية البريطانية حق لشميمة بيغوم، سواء أعجبنا ذلك أم لا"، قائلا إن المرء يرتكب الكثير من الحماقات في سن المراهقة، إذ إنه اشترى مخدرات وهو في سن الـ16 وذلك خلال رحلة مع أصدقائه، وألقت الشرطة القبض عليه وأرسل إلى ذويه.

وعبر الصحفي -الذي يعكس مقاله حجم الجدل في بريطانيا- عن اعتقاده بأن شميمة أولا وأخيرا مواطنة بريطانية، وأن المواطنة لا تتعلق بشخصية المرء أو بمدى الخطر أو الندم الذي يمثله، بل تتمثل بالحقوق والمسؤوليات.

وختم بأن شميمة سافرت إلى سوريا وهي طفلة، ويجب عليها تحمل هذا القرار، إلا أنه يتحتم على المجتمع أن يتحلى بالمسؤولية الجماعية تجاه الأطفال، ويجب محاسبته على السماح لها بالذهاب إلى منطقة نزاع.

خطر أمني
وبقدر الجدل بشأن مصير الفتاة يحتدم الجدل حول التعامل الأمثل مع هذا الملف، إذ حذرت سارة خان مستشارة وزير الداخلية لشؤون التطرف من أن قراره سحب جنسية شميمة وغيرها يمكن أن يستغل من قبل المتشددين.

وقالت سارة خان لوزير الداخلية إن هذه الخطوة يمكن تصب في صالح "المتطرفين الإسلاميين" الذين يخططون لتغذية الكراهية والانتقام ضد بريطانيا.

وكان وزير الداخلية البريطانية قد أعلن في وقت سابق العام الماضي أن نحو أربعمئة بريطاني عادوا إلى بريطانيا بعد مشاركتهم في القتال بسوريا والعراق إلى جانب تنظيم الدولة.

المصدر : الجزيرة