ما قصة شجرة "التسامح" في العراق؟

شجرة التسامح صنوبر وهي أطول وأكبر شجرة معمرة في حديقة نالي بوسط السليمانية
شجرة "التسامح" أطول وأكبر شجرة صنوبر معمرة في حديقة نالي وسط السليمانية (الجزيرة)

"أخطأت معك كثيرا، وما حصل جاء بوسوسة من الشيطان ليس إلا، لذلك أطلب السماح منك، لعلمي بأنك صديق عزيز وأرجو من الله أن يغفر لي تقصيري معك". ويمدّ يده لصديقه الذي تحدّث عنه بالسوء أمام الآخرين، فلا يرده خائبا، قائلا "سامحتك وليشهد الله على ذلك".

هذا ما حصل بين الصديقين عبد الله وبيشره، ولكن ليس في المحكمة أو أمام قاضٍ أو بحضور محامي الدفاع، بل عند "شجرة التسامح". فما قصة هذه الشجرة؟

** للاستخدام الداخلي - لا تصلح رئيسية - سوران طاهر من اليمين وصديق طفولته ريباز صابر من اليسار
سوران طاهر (يمين) وصديقه ريباز صابر صاحبا فكرة شجرة التسامح (الجزيرة)

ما القصة؟

على أكبر وأطول شجرة صنوبر معمّرة في حديقة نالي (وسط مدينة السليمانية في إقليم كردستان العراق) أطلق سوران طاهر (28 عاما) وصديق عمره ريباز صابر (33 عاما) مشروعهما الإنساني على لافتة صغيرة معلّقة على الشجرة كُتب عليها "شجرة التسامح" أو المسامح، في مبادرة منهما لنشر روح التسامح بين أفراد المجتمع، لا سيما الشباب.

التعصب والخصام، واحدة من أكثر الظواهر التي أخذت في الازدياد خلال السنوات الأخيرة في إقليم كردستان تأثرا بالانعكاسات الاقتصادية والسياسية، مما جعل هذا المجتمع بحاجة ماسة للأنشطة التي تدعو للتسامح والصفح بين أفراده.

مضمون المشروع يتضمن أن يذهب أي شخصين متخاصمين عند هذه الشجرة ويُعلنان تصالحهما مع بعضهما لبعض، مع قطع وعد بألا يعودا للخصام، ولتأكيد ذلك يقومان بوضع حلقة مطاطية صغيرة يخرجانها من علبة موجودة تحت اللافتة يضع كل واحد حلقة منه في إصبعه لتذكر الوعد الذي قطعه كلما حاولا الخصام مجددا، كما يقول طاهر للجزيرة نت.

ووجد المشروع ترحيبا واسعا، إلا أن من أغرب التعليقات -حسب طاهر- ما قاله أحد المؤيدين له بأنه من الضروري أن يذهب السياسيون إلى الشجرة ويُعلنون أمام الكل تصالحهم مع بعضهم البعض لينعم الشعب بالرفاهية، والبعد عن المشاكل والأزمات.

سوران طاهر يحلق رأس أحد الأطفال في شارع عام بوسط السليمانية ضمن مشروع الحلاق المتجول
سوران طاهر يحلق رأس أحد الأطفال في شارع عام وسط السليمانية ضمن مشروع "الحلاق المتجول" (الجزيرة)

بنك طعام وحلاق متجول

وقبل هذا المشروع، أطلق الباحث في علم النفس سوران طاهر عدة مبادرات اجتماعية معنية بالشؤون الإنسانية والشبابية، وأبرزها مشروع "بنك الطعام"، إذ يقوم من خلاله بجمع الطعام الزائد والخبز من المطاعم والأفران ويوزعه على طلبة الأقسام الداخلية في الجامعات وسُكان الأحياء الفقيرة.

وكذلك مشروع "الحلاق المتجوّل" الذي يقوم من خلاله بجمع الأطفال المشردين أو الفقراء في مكان عام ويحلق شعرهم بلا مقابل. إلى جانب مشاريع توعوية خاصة بتطوير قدرات المرأة والطفل، والعمل على تطويرهم نفسيا واجتماعيا وذاتيا.

مجتمع منهك متعب

زار ريباز صابر مع صديق طفولته سوران طاهر كثيرا من الأقضية والنواحي في كردستان، إلا أن ما يعدّه محل أسف وحسرة -كما يقول للجزيرة نت- أن المجتمع الكردي منهك ومتعب جدا، عازيا السبب في ذلك إلى غياب لغة التسامح بين أفراده، مع ظهور جيل جديد نشأ على التطور التكنولوجي بعيدا عن العادات والتقاليد الاجتماعية، ولا يتقبّل التسامح بسهولة مع انتشار الخصام بكثرة.

ورغم المعوقات والصعوبات التي تقف في طريقهما باستمرار، فإن صابر متفائل بأن مشروع "شجرة التسامح" يحقق هدفه بإصلاح ما فككته بعض الظواهر السلبية في المجتمع الكردي وتحديدا التكنولوجيا بين العائلات والأسرة الواحدة، خاصة الأزواج، إذ ما زالت الشجرة شاهدة على قصص مأساوية يومية وقعت بين الأزواج والأخوة والأصدقاء لأبسط الأمور.

ويُعاتب صابر -مثل طاهر- الجهات الحكومية والمنظمات المعنية بالأسرة والطفل والمجتمع لعدم تقديمها أي دعم لهما للاستمرار في تقديم المشاريع والمبادرات الشبابية، ومع ذلك يؤكد استمرارهما في الهدف الذي يطمحان إليه بنشر ثقافة الوعي وتقبّل الآخر في مجتمعهما.

الصحفي بشدار فرج 2
فرج أشاد بفكرة شجرة التسامح والمبادرات المجتمعية ولكنه طالب بمنهج متكامل تشرف عليها السلطات (الجزيرة)

أزمات وجراح

خلافا لرأي سوران وريباز، يرى الصحفي الكردي بشدار فرج أن فعاليات فردية شبابية مثل هذه مهمة جدا، إلا أنها لا تكفي، لأن الأزمات الأخيرة أكبر وأكثر بكثير من هذه الأنشطة.

ويقر فرج بصعوبة أن يتعلّم الفرد بشكل عام مبادئ التسامح وتقبل الآخر وحب الطبيعة والابتعاد عن العنف في الكِبر بمثل هذه الأنشطة والفعاليات الفردية أو الجماعية ما لم يتعلّم ذلك في صغره ووقت نشأته، ويُشير إلى أن غياب دور التربية والتعليم بالشكل الصحيح من أكبر المشاكل والظواهر السلبية التي يعاني منها المجتمع حاليا.

ويحمل الصحفي الكردي في حديثه للجزيرة نت قطاع التربية والتعليم جانبا كبيرا من المسؤولية، "وذلك لضعف المستوى الثقافي لدى جزء من الفرق التدريسية، بالإضافة إلى عدم معالجة بعض المشاكل فيه من قبل الجهات الحكومية، وفاقمت كل ذلك أزمة عدم تربية الأطفال بالشكل الصحيح".

ولم يبرّئ فرج العائلة -وتحديدا الأب والأم- من مسؤولية التراجع في المبادئ العامة لدى الفرد، عازيا الأمر إلى ضعف ثقافتهما؛ مما انعكس سلبا على تنشئة أطفال محبين للطبيعة وملتزمين بالأسس والمبادئ العامة.

وينتقد فرج أيضا الإعلام الذي يلعب دورا سلبيا -حسب ما يقول- في توعية الإنسان نحو الانفتاح الحضاري والإنساني لغياب الرقابة الحكومية عليه، بالإضافة إلى عدم وجود سلطة عليه من الجهات المعنية، وهذا مما زاد مساحة نشر مبادئ الشرّ والخذلان أكثر من الخير والتسامح.

وفي انتقاده لدور منظمات المجتمع المدني وتقصيرها في معالجة الظواهر السلبية في المجتمع الكردي، يستغرب الصحفي بشدار فرج من وجود كل هذه الأعداد من منظمات المجتمع المدني التي تُقيم مئات الفعاليات سنويا من دون جدوى، ويزيد من مساحة انتقاده بقوله إن بعض الأنشطة والفعاليات المنظماتية تُنظم لأغراض أخرى وليس من أجل توعية الفرد وخدمة المجتمع.

المصدر : الجزيرة