مصطفى تاج الدين الموسى أول سوري ينال جائزة "أرابليت ستوري" للقصة

أفاد مصطفى تاج الدين الموسى بأنه كان يقرأ تلك القصص للشباب الذين "كنا نختبئ معا في نفس المكتب" الواقع بسوق المدينة والمطل على الأزقة. وكان هذا المكتب مناسبا له ولرفاقه "لأنه في حال مداهمة الأمن المكان نستطيع الهرب منه بالقفز على أسطح بيوت الحارات القديمة"

صورة للقاص السوري مصطفى تاج الدين موسى :الجزيرة
الكاتب السوري مصطفى تاج الدين الموسى فاز بجائزة "أرابليت ستوري" للقصة العربية المترجمة إلى الإنجليزية لعام 2021 (الجزيرة)

نال القاص والمسرحي السوري مصطفى تاج الدين الموسى جائزة "أرابليت ستوري" (ArabLit Story) للقصة العربية المترجمة إلى الإنجليزية لعام 2021، وذلك عن قصته "كم هم لطفاء".

و"أرابليت ستوري" هي جائزة لأفضل القصص القصيرة، في أي نوع، مترجمة حديثا من العربية إلى الإنجليزية. وتشترط أن يملك المترجمون حقوق العمل وأن تكون الترجمات غير منشورة مسبقا. وهي مبادرة مستقلة من أدباء مهتمين بالقصة العربية، وبحسب موقعهم الإلكتروني يتم تمويل المبادرة من الجماهير ويدعمها المشتركون وبدرجة أقل المعلنون، وهي لا تتبع أي مؤسسة ولا تتلقى أي دعم مؤسسي.

وقالت السيدة ليري برايس، عضوة لجنة التحكيم بالجائزة، عن القصة الفائزة إنها "ببساطة تحفة فنية، وقطعة متقنة من السرد القصصي. عبثية، غريبة، ومثيرة للقلق، فهي تبقى معك، جاهزة في أيّ لحظة لجعلك تشعر بأن الأرضية الصلبة غير مستقرة وتتزعزع أكثر تحت قدميك".

خوف الاعتقال

هذه القصة كتبها الموسى، ضمن مجموعة من القصص، خلال إقامته القلقة في سوريا. وكان معرضا للاعتقال في أي وقت.

وقد قال للجزيرة نت حول هذه القصة التي فازت بالجائزة بأنها عزيزة عليه، مثلها مثل باقي القصص، فالكاتب "أشبه بالأم التي تحب أبناءها جميعا، كذلك يحب الكاتب نصوصه كلها" على حد تعبيره.

ArabLit Story Prize
جائزة أرابليت للقصة القصيرة المترجمة إلى الإنجليزية هي مبادرة مستقلة من أدباء مهتمين بالقصة العربية (مواقع إلكترونية)

ثم استطرد الموسى بأن لبعض النصوص ذكرى خاصة، كلما مر بها الكاتب تنهض الذكرى المحيطة بنص ما، وشرح ذلك بقوله: "يبدو لي الأمر أن الأم -بعد إنجاب الكثير من الأبناء- لن يغيب عن ذاكرتها تلك الولادة التي تمت على الرصيف في وقت متأخرٍ خلال الذهاب إلى المستشفى، وهذا ما يحدث مع بعض نصوص الكُتاب، وهذا ما حدث معي شخصيا مع بعض القصص التي كتبتها بشكلٍ مسرع من أواخر عام 2012 حتى مطلع عام 2014 قبل أن أغادر سوريا نهائيا إلى تركيا".

قصص مكتملة

واستفسرت الجزيرة نت عن الذكرى التي أحاطت كتابة القصة الفائزة بالذات، فقال الموسى "أتذكر أنه في شتاء 2013 كنت أعيش أيامي مختبئا عند المعارف في مدينة إدلب، متحاشيا الشوارع العامة وضوء النهار مثل الكثيرين. خلال تلك الأيام المريعة كتبت قصة (كم هم لطفاء) وقصصا أخرى".

أما ما يميز قصص تلك المرحلة فقد قال الموسى إن قصص تلك المرحلة كانت تأتي مكتملة تقريبا، على خلاف النصوص الأخرى التي تأتي فكرتها أو جزء منها ثم يشتغل الكاتب عليها.

وأوضح الموسى أنه كان يقرأ تلك القصص للشباب الذين كنا "نختبئ معا في نفس المكتب" الواقع في سوق المدينة والمطل على الأزقة. وكان هذا المكتب مناسبا له ولرفاقه "لأنه في حال مداهمة الأمن المكان نستطيع الهرب منه بالقفز على أسطح بيوت الحارات القديمة".

تأخذ هذه الجائزة، التي نالها بجدارة مصطفى تاج الدين الموسى وفق بيان لجنة التحكيم، قيمتها من الاحترام التي تحوز عليه هذه الجائزة، خاصة من قبل دور النشر، التي تنتظر نتائج هذه الجائزة لتتواصل مع الفائزين، وتوقع معهم عقودا للترجمة والنشر. بينما قيمة الجائزة ما زالت منخفضة، إذ تقدر بـ500 دولار أميركي فقط.

مصطفى تاج الدين - أغاني أخيينا الكبير
مختارات قصصية لمصطفى تاج الدين بعنوان "أغاني أخينا الكبير" (الجزيرة)

اللطف والعنف

وكان الموسى قد نشر قصته الفائزة "كم هم لطفاء" على الفيسبوك في شهر يونيو/حزيران من عام 2013، ولقيت تفاعلا كبيرا من القراء، حتى وقت حصولها على جائزة "أرابليت".

وطريقة مصطفى تاج الدين الموسى في الكتابة، تذهب إلى دواخل شخصياته، التي عادة ما تكون واقعة تحت عنف جسدي أو نفسي كبير، ويبرع الموسى في تقديم تلك المتضادات بشكل نثري لا يخلو من الشاعرية. وهذه المتضادات تتمحور حول ثنائيات مثل: العنف والرقة، الظلم والعدالة، الحق والفساد، العزلة وسوء التفاهم مع العالم، الحب والكراهية. وبعض قصصه تخرج عن الواقعية البسيطة لتذهب إلى الفانتازيا. بمعنى آخر، يستفيد الموسى من مدارس الكتابة كلها ليقدّم نصا غريبا وعنيفا ورقيقا في الوقت ذاته.

سيرة قاص شاب

يذكر أن القاص والمسرحي السوري -المقيم في تركيا- مصطفى تاج الدين الموسى، ولد في إدلب عام 1981، ودرس في مدارسها، قبل أن ينتقل إلى دمشق العاصمة ليتخرج من قسم الإعلام في جامعتها.

قبل خروجه من سوريا إلى تركيا في 20 أبريل/نيسان 2014، كان الموسى مسؤول المكتب الثقافي والإعلامي، ومدير النادي السينمائي في فرع اتحاد الشباب الديمقراطي (إشدس) التابع للحزب الشيوعي السوري الموحد (2007). وخلال وجوده في تركيا صار عضوا في رابطة الكُتاب السوريين المناهضة لنظام الأسد، وعمل محررًا في مجلة حنطة، ومحررًا للأخبار ومعدًّا لفقرات ثقافية وفنية تلفزيونية.

بعد مجموعته القصصية "قبو رطب لثلاثة رسامين"، التي صدرت في 3 طبعات، صدرت عن دار بيت المواطن مجموعته الثانية "مزهرية من مجزرة" عام 2014، في حين أصدرت دار المتوسط مجموعته القصصية الثالثة عام 2015 بعنوان "الخوف في منتصف حقل واسع"، التي تجري ترجمتها حاليا إلى اللغة اليونانية.

الخوف في منتصف حقل واسع
المجموعة القصصية الثالثة للكاتب بعنوان "الخوف في منتصف حقل واسع" تحتوي على 99 قصة (الجزيرة)

في عام 2016، صدرت مجموعته القصصية "نصف ساعة احتضار" عن دار روايات، ثم صدرت مجموعته القصصية "آخر الأصدقاء لامرأة جميلة" عام 2017.

في حين صدرت مجموعته القصصية السادسة "ساعدونا على التخلص من الشعراء" عن دار نون العام الماضي، في الوقت الذي أصدرت فيه دار خطوط وظلال هذا العام مختارات من مجموعاته القصصية بعنوان "أغاني أخينا الكبير". وفي هذا العام أيضا صدرت مختارات قصصية له باللغة الفرنسية عن دار "أكت سود" في باريس، وستصدر قريبًا مختارات من قصصه باللغات الإنجليزية والإيطالية واليابانية واليونانية.

بدأ الموسى إصداراته المسرحيّة كذلك مع فوز مسرحيته "صديقة النافذة" بجائزة الشارقة (2017)، لتتوالى إصداراته المسرحية "عندما توقف الزمن في القبو" (2016 – طبعة ثانية 2020)، و"رسائل إلى عامل المنجم"، و"الخادمة وعائلة الشعراء" اللتان صدرتا هذا العام عن دار نون في تركيا.

وفي نهاية حوارنا تذكر الموسى الأيام التي كان يختبئ فيها خوف الاعتقال، متابعا كتابة قصصه ونشرها، ويرى الآن أنه "لم يبق من تلك الأيام المريعة سوى هذه القصص، تذكرني دائما بحالات ومخاوف وليال وأناس اختفوا كلهم وتفرقوا في جهات الكوكب".

ووجّه الموسى رسالة شكر للذين تقاسموا معه مأساة تلك الأيام "أحياءً كانوا أم أمواتا"، وكذلك للمترجمة ميساء طنجور التي اشتغلت بعناء وصبر وهدوء، على ترجمة "كم هم لطفاء"، ليكون بإمكان شعب بعيد قراءة ذكرياتنا التي لم نستطع رغم مرور السنوات أن ننجو منها.

المصدر : الجزيرة