هل يحتاج العازفون إلى قائد؟ لماذا يشارك المايسترو الأوركسترا؟

حركات "المايسترو" بيديه أو بجسده وإيماءات وجهه قد تكون في بعض الأحيان قائدا موسيقيا للجمهور أيضا (بيكسلز)

عند مشاهدة عزف موسيقى كلاسيكية في الأوبرا تجد "المايسترو" أو قائد الفرقة الموسيقية منهمكا في الأداء والحركة بكلتا يديه وحركات جسده للإشارة إلى العازفين، لكنك إن دققت النظر تجد أن بعض العازفين لا ينظرون إلى "المايسترو"، وهذا يجعلك تتساءل بجدية؛ لماذا يشارك المايسترو في الأوركسترا؟ لا سيما أن العازفين يبدون مدربين جيدا ومرارا على العزف بآلاتهم الموسيقية.

لماذا يقود المايسترو الأوركسترا؟

وجود "المايسترو" أو "قائد الفرقة الموسيقية" ممارسة قديمة للغاية وتعود إلى قبل الميلاد، فقد سجلت الحضارة اليونانية مهنة "مانح الإيقاع" (Giver of Rhythm) بقيادته -عام 709 قبل الميلاد- لمجموعة من الموسيقيين وصل عددهم إلى 800 موسيقي، وكان يضرب بعصا ذهبية "صعودا وهبوطا في حركات متساوية بحيث يعزف الموسيقيون في وقت معين أو يعزفون معا"، كما أشار تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" (BBC).

وقد تغيرت طبيعة العزف على مدى مئات السنوات، لكن بقيت مهمة ذلك الشخص الذي يقف على المسرح ويلوح بيديه للعازفين غامضة بعض الشيء، خصوصا مع استغناء فرق أوركسترا عن وجود القائد أو "المايسترو".

"هذا الرجل مجرد قارع للوقت"، باختصار هذا هو عمله، كما وصفه قائد الأوركسترا الألماني فيلهلم فورتوانغلر بعد خروجه من حفلة موسيقية أقامها "المايسترو" الإيطالي الشهير أرتورو توسكانيني.

إذ تتمثل الوظيفة الرئيسية لعازف الأوركسترا بالإشارة إلى الإيقاع الصحيح في الوقت الصحيح لأعضاء فرقته الذين يتجاوزون العشرات وأحيانا المئات، وذلك بالإشارة بالعصا في يده اليمنى أو بيديه فقط كما يفضل بعض قادة الفرق الموسيقية أن يفعلوا.

بهذه الحركة يضمن القائد أداء سلسا لأصوات الآلات الموسيقية المختلفة، وإضفاء الحيوية على النوتة الموسيقية، خصوصا أن عددا من كبار الموسيقيين يملكون أسلوبهم الخاص في توصيل إحساسهم أو يستخدمون الإيماءات التي يعرفها أعضاء فرقتهم والمستمعون الجيدون لهم، مثل شدة حركات "المايسترو" الألماني فيلهلم فورتوانغلر، أو حركات الارتعاش الغريبة التي قام بها الروسي فاليري غيرغيف.

يعرف قائدو الفرق الموسيقي متى يشيرون بأيديهم، فإضافة إلى كونهم عازفين جيدين، هم مستمعون ماهرون أيضا، أو يجب أن يكونوا أفضل المستمعين الموسيقيين، لتلتقط آذانهم النشاز الموجود في أي وصلة موسيقية غير مناسبة ويحاولون استدراكها أثناء تدريبات الفرقة.

إذ يكون "المايسترو" بمثابة جمهور الفرقة في كل مرة تجتمع للتدريب فيها قبل الخروج على المسرح ليسمعهم الجمهور، فيلتقط إيقاع الكمان العالي، أو صوت البوق الطاغي على باقي الآلات، أو صوت عزف البيانو قبل توقيته المفترض، ويضبط كل هذه الآلات وارتفاع الصوت وانخفاضه وشدته أو حدته مع بعضها بعضا، كما شرح موقع "أوركسترا جاكسون السيمفوني" (Jackson Symphony Orchestra).

لهذا؛ فإن دور "المايسترو" أكثر من مجرد التلويح بيده في الحفلات الموسيقية أو الظهور فيها، بل في تدريب الفريق لصنع قطعة موسيقية خالدة بمزيج من أصوات الآلات الموسيقية المختلفة والممتزجة بشكل ساحر، وذلك خلال عشرات الساعات من التحضير والتدريب والتنسيق والتعديل، كما قد تكون حركتهم البسيطة بمثابة منقذ للفرقة من أي خطأ طارئ يحدث في الحفلات.

إشارة البدء

لكن الشيء البسيط والمهم الآخر لوجوده على خشبة المسرح مع الفرقة هو "إشارة البدء" التي يلوح بها للعازفين، فحتى حتى لو كانوا يعرفون القطعة جيدا بما يكفي لعدم حاجتهم إلى إشارات القائد، فإن البدء في الوقت المحدد مع بعضهم البعض هو الجزء الصعب، كما لفتت صحيفة "الغارديان" (The Guardian) البريطانية.

لكن كثيرا من الفرق الموسيقية في العصر الكلاسيكي (الفترة الكلاسيكية في الموسيقى الغربية تقع بين 1730 و1820م) عزفت دون قائد، إذ كان يقودها الكمان الأول أو العازف المنفرد. لكن مع بداية القرن الـ19 وزيادة أعداد العازفين في الأوركسترات؛ بات وجود "المايسترو" ضروريا، خصوصا أن الوقت الذي يستغرقه الصوت للانتقال من مقدمة الأوركسترا إلى الخلف طويل بما يكفي ليكون هناك فجوة بين ما تعزفه آلات الكمان والتيمباني (الدفية التي تشبه الطبول العسكرية) مثلا.

كذلك فإن حركات "المايسترو" بيديه أو بجسده وإيماءات وجهه قد تكون في بعض الأحيان قائدا موسيقيا للجمهور أيضا، فوجوده على المسرح يوجه الجمهور للتناغم مع إيقاع الموسيقى، ليكون بمثابة حلقة وصل بين الشعور بصوت الموسيقى ورؤية حركتها.

المصدر : مواقع إلكترونية