7 أعوام على سقوط ثاني أكبر مدن العراق بيد تنظيم الدولة.. كيف تبدو الموصل اليوم؟

منذ إعلان الحكومة العراقية إحكام سيطرتها على الموصل في يوليو/تموز 2017 بعد معارك عنيفة استمرت 9 أشهر؛ ما تزال مشاهد الدمار والخراب ماثلة في أرجائها.

آثار الدمار ما تزال ماثلة في أرجاء عديدة من الموصل جراء المعارك التي استمرت 9 أشهر (رويترز)

يستذكر العراقيون اليوم مرور 7 أعوام على سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على مدينة الموصل ثاني أكبر مدن البلاد، تلتها أحداث واضطرابات أمنية وعسكرية استمرت لأكثر من 3 أعوام.

ومنذ إعلان الحكومة العراقية إحكام سيطرتها على الموصل في 10 يوليو/تموز 2017 بعد معارك عنيفة استمرت 9 أشهر؛ ما تزال مشاهد الدمار والخراب ماثلة في أرجائها.

الدمار والخراب الذي حل بالموصل كبير جدا (رويترز-أرشيف)

أخطاء متكررة

ويتحدث الكاتب والمؤرخ معن آل زكريا عن الظروف التي سبقت سقوط الموصل، ويقول إن التوتر كان سيد الموقف لفترة زمنية سبقت سقوط المدينة بسنة ونصف، ولا سيما أن المسؤولين في الحكومة المحلية في محافظة نينوى (مركزها الموصل) آنذاك كانوا في حالة شبه مقاطعة مع الحكومة المركزية في بغداد.

ويضيف -للجزيرة نت- أن التصرفات الخاطئة للسياسيين انعكست سلبا على علاقة الأهالي بالجيش المتواجد في المحافظة من جهة، ومع بغداد من جهة أخرى، وهذا التوتر لم يأت من فراغ بل له أسبابه المعلنة والخفية.

آل زكريا أكد أن التوتر كان سيد الموقف لما قبل سقوط الموصل بسنة ونصف (مواقع التواصل)

وكان الجميع في الموصل -بحسب آل زكريا- في حالة هرج ومرج سياسي، ومن هنا ابتدأ العد التنازلي في معاكسة حكومة بغداد ورئيسها آنذاك نوري المالكي، واصفا إياه بـ"الرجل الصعب المهوس وغير الهين، ولا السهل في التعامل".

ويشير آل زكريا إلى أن الموصل صارت في حالة صعبة ومنفلتة، ولم يكن لمسؤولي المحافظة والأجهزة الأمنية أي دور يذكر في السيطرة على عمليات دفع الإتاوات، سواء من قبل الأهالي أو من دوائر الحكومة على حد سواء، أو تحديد جهات فاعليها ولو لمرة واحدة، الأمر الذي أدى بكل تراكماته إلى تدهور الحالة بشكل متواتر وسريع وبمتوالية مفجعة وعنيفة.

الكيكي: ملف التحقيق بأحداث سقوط الموصل معطل سياسيا (الجزيرة نت)

تحقيق معطل

وفتحت الحكومة العراقية تحقيقا بشأن المتورطين بسقوط الموصل، ويؤكد النائب عن محافظة نينوى بشار الكيكي -حول مصير هذه التحقيقات- على أن ملف التحقيق معطل سياسيا، والبرلمان في حينه أرسل إلى القضاء تقريره الصادر عن لجنة موسعة لتقصي الحقائق.

ويبين -للجزيرة نت- أنه تم اتخاذ إجراءات محددة بحق بعض العسكريين والضباط الهاربين من المعركة، ولكن الإجراءات بشكل عام لم ترتق إلى مستوى أو حجم الضرر الذي لحق بسكان الموصل ماديا ومعنويا، ولا يزال المواطنون يستغربون من ذلك.

ويعرب الكيكي عن اعتقاده بأنه من الممكن لاحقا -في ظروف أخرى- فتح ملف سقوط الموصل ومحاسبة جميع المقصرين.

وتطرق النائب العراقي إلى موضوع المغيبين أو المفقودين الذين أصبحت قضيتهم -إلى حد ما- قضية سياسية إضافة إلى كونها إنسانية، وتمت إثارتها بشكل واضح في أروقة البرلمان من منطلق تعويض ذويهم والكشف عن مصيرهم.

الدليمي يرى أن الصراعات السياسية لها دور كبير في عرقلة عمليات إعمار الموصل (الجزيرة نت)

عودة بطيئة

ورغم مضي 4 سنوات على إعلان تحرير الموصل؛ يظهر أن الحكومة العراقية غير جادة وغير مراعية للظروف التي مرت بها المدينة والدمار الذي لحق بها، ولم تتم معالجة آثار الماضي وتعويض المتضررين ومعالجة شرخ الهوية من خلال ذلك، بحسب الباحث والمحلل السياسي يزن خلوق الدليمي.

ويضيف -للجزيرة نت- أن سياسات الحكومة -نتيجة للسجال السياسي- أدت إلى تأخر إعمار المدينة وتعويض المتضررين، وكانت سببا كذلك في تفسخ الروابط بين الهويات وسيادة أجواء عدم الثقة بين المكونات والهويات المختلفة.

ويرى أن الجهود الحكومية قاصرة بشكل كبير في إعادة إعمار مدينة الموصل وعدم إدراكها لحجم الدمار الذي لحق بها، أو بالأحرى عدم اهتمامها؛ مما جعلها متغافلة عن متطلبات المدينة، وزيادة حصتها من الموازنة العامة لتتناسب مع حجم المأساة التي لحقت بها.

ويحذر الدليمي من أن التباطؤ في دفع التعويضات للمتضررين وعودة النازحين لمناطقهم وترك المناطق المنكوبة على حالها -لا سيما الموصل القديمة- يعكس عدم إدراك الحكومة لأهمية الوقت في معالجة دمار المدينة، وهذا يعني استمرار الآثار النفسية وآلام الماضي، وهذا من شأنه إضعاف الثقة في الحكومة وفي التعايش المشترك.

ويلفت الباحث السياسي والأستاذ في جامعة الموصل إلى نجاح الجهود الفردية لأبناء المدينة وبعض المساعدات المقدمة من المنظمات الإنسانية في إعمار جزء بسيط مما تهدم، للعودة للحياة فيها، فالعديد من العوائل ضاقت ذرعا بالحياة في مخيمات النزوح التي تركوها وعادوا إلى بيوتهم ليعمروا بأنفسهم بمساعدة عدد من منظمات المجتمع المدني والمنظمات الإنسانية، كما كان لتجار المدينة وأصحاب المحلات التجارية دور في إعادة الحياة الاقتصادية فيها عن طريق إعمار المحلات والأسواق الكبيرة والتي كانت تمثل مركزا تجاريا كبيرا.

عرقلة الإعمار

وللصراعات السياسية في نينوى دور كبير في عرقلة عمليات الإعمار، بحسب الدليمي الذي يؤكد أن ما تم إعماره شيء بسيط، فلا تزال المستشفيات خارج الخدمة وكثير من الأبنية والجسور كذلك، ويعود سبب ذلك -بالإضافة إلى ضعف الجهود الحكومية- إلى قضايا متعلقة بالصراع السياسي والذي أدى إلى تأجيل الإعمار أكثر من مرة.

وفيما يتعلق بأسباب تلكؤ ملفات التعويضات وأهمية ذلك في تسريع عجلة الحياة؛ يكشف الدليمي عن وجود أكثر من 70 ألف معاملة موزعة بين معاملة تعويض عن منازل وسيارات وأبنية تجارية، فضلا عن المصابين والقتلى، وقد تم إنجاز نسبة ليست بالقليلة فيما يتعلق بمعاملات القتلى والمصابين، لكن فيما يتعلق بالأبنية والمنازل والأمور المادية فلم يعوض سوى القليل جدا بما لا يتجاوز 3% فقط.

ويعتقد أن الفساد المستشري هو عائق آخر؛ خصوصا أن العراق يحتل المرتبة 160 من بين 179 دولة على لائحة البلدان الأكثر فسادا، بحسب مؤشر مدركات الفساد لعام 2020 لمنظمة الشفافية الدولية، فانتشار الفساد يؤثر سلبا على استقرار وملاءمة المناخ الاستثماري ويزيد من تكلفة المشاريع.

وفيما يتعلق بمبادرة بعض المنظمات الدولية لترميم المدينة؛ تحدث الدليمي عن مشاركة فاعلة للأمم المتحدة في إعادة إعمار الموصل عبر برنامجها الإنمائي (UNDP)، حيث كان مشروع إعادة الاستقرار التابع للبرنامج يتولى تنفيذ 1208 مشاريع في 23 مدينة، كان أكثر من ربعها في الموصل، ويعمل هذا المشروع -بالتعاون مع الحكومة العراقية- على وضع أولويات إعادة الاستقرار للمناطق المنكوبة، وركز في عمله على إعادة تشغيل الخدمات العامة وتهيئة الظروف للناس لكي يعودوا إلى ديارهم بكرامة.

الأعرجي يرجح حاجة الموصل إلى أكثر من 40 مليار دولار لإعادة بناء البنى التحتية (الجزيرة نت)

مستقبل المدينة

وهناك طموح كبير لدى أبناء الموصل والحكومة المحلية في إعادة الحياة الطبيعية، كما يقول قائم مقام الموصل زهير الأعرجي، فالوضع في نينوى اليوم استقر أمنيا وسياسيا، إضافة إلى حملة الإعمار الكبيرة التي تشهدها المحافظة، وتم إنجاز أكثر من 75% من البنى التحتية التي دمرت.

ويضيف -للجزيرة نت- أن العمل متواصل، وانطلقت مشاريع خدمية جديدة خصص لها نحو 55 مليار دينار عراقي (37.6 مليون دولار)، وستنطلق مشاريع أخرى تكلفتها نحو 100 مليار دينار عراقي (68.5 مليون دولار) من خلال الدوائر الخدمية، وتشمل جميع الأقضية والنواحي في نينوى.

وينوه الأعرجي إلى أنه تم توقيع عقود مع شركات فرنسية وتركية ومصرية لإعمار مطار مدينة الموصل وجسورها.

ويرجح حاجة الموصل إلى أكثر من 40 مليار دولار أميركي لإعادة البنى التحتية وخاصة الشوارع والجسور والمستشفيات، مشيرا إلى أن المدينة بحاجة إلى 20 مليار دولار كإجراء أولي لإعادة هيبتها، وهي التي تعتبر ثاني أكبر مدينة في العراق من حيث الكثافة السكانية بعد العاصمة بغداد، لافتا إلى أن الحكومة تعمل بالممكن حاليا بدعم المنظمات الدولية والقروض التي تمنح من خلال البنك الدولي، إضافة إلى ميزانية العراق التي تقدم للمحافظة.

ويختتم بالقول، نينوى كانت سلة خبز العراق ومركز اقتصادي مهم، كونها تقع على منافذ حدودية مهمة وتجاور إقليم كردستان، وهذه كلها ميزات تجعل مستقبلها زاهرا، وهناك توجه دولي للحضور من خلال زيارة السفراء المتكررة إلى هذه المدينة.

المصدر : الجزيرة