تعرف على قصة مقبرة اليهود في بغداد

المقبرة تضم جثامين لشخصيات كانت معروفة ومشهورة في زمانها، منهم حاخامات وتجار وأطباء.

قبور متضررة بفعل الظروف المناخية، الجزيرة نت.jpg
منظر عام لمقبرة اليهود في بغداد (الجزيرة نت)

على مساحة نحو 17 ألف كيلو مترا مربعا، تقع مقبرة الطائفة الموسوية التي يطلق عليها شعبيا مقبرة اليهود شرقي بغداد. تضم المقبرة رفات أكثر من 4 آلاف يهودي توفوا في أوقات مختلفة. وسيجت بسور يبلغ ارتفاعه نحو 3 أمتار، ولها 5 أضلاع، محاطة بأحياء سكنية غالبها عشوائية يسكنها مسلمون.

نقلت المقبرة أواخر ستينيات القرن الماضي من منطقة النهضة وسط بغداد إلى منطقة الحبيبية شرقي بغداد في مدينة الثورة (الصدر الآن)، وهي مملوكة للدولة بعد أن تبرع بها رجل الأعمال اليهودي العراقي الذي كان يملكها مناحيم دانيال، صاحب سوق الأقمشة المعروف في شارع النهر وسط بغداد والمعروف باسم (سوق دانيال) إلى يومنا هذا.

وبحسب مسؤول المقبرة وحارسها زياد البياتي، وهو عراقي مسلم، فإن نقل رفات الآلاف من النهضة إلى الحبيبية تم بإشراف دقيق من قبل السلطات المحلية ومن وزارة الأوقاف العراقية حينها ورجال دين من الطائفة الموسوية آنذاك.

وقال البياتي في حديث للجزيرة نت، إن المقبرة تضم جثامين لشخصيات كانت معروفة ومشهورة في زمانها، منهم حاخامات وتجار وأطباء، وتضم قبر الطبيبة فيوليت شاؤول طويق التي كانت مديرة مستشفى الواسطي الحكومي ببغداد، والتي توفيت عام 2008.

وأضاف أن آخر من دفن فيها قبل نحو شهرين هو ابن فيوليت الدكتور ظافر فؤاد الذي يلقب بطبيب الفقراء، فضلا عن ذلك فهي تضم قبر الحاخام ساسون خضوري ورجل الدين بليبل المعروف شعبيا بسيد بليبل، ورئيس الطائفة ناجي كبرائيل يعقوب الذي توفي عام 2012.

ويوضح البياتي الذي تولى حراسة المقبرة عام 1980 بعد أن ورث العمل فيها عن والده، أن طريقة الدفن في مقبرة اليهود تشبه إلى حد كبير طريقة دفن المسلمين، حيث يتم دفن اليهود من دون تابوت، وكفن بطول 18 مترا ولا تدفن مع المتوفى مقتنيات أو ما شابه، ويبنى القبر بعد مرور 7 أيام على الدفن، مشيرا إلى أن بعض القبور القديمة تضررت بفعل الظروف المناخية والبيئية.

وأوضح البياتي أن آخر ترميم شهدته المقبرة كان عام 2004، وكان الطبيب ظافر الذي توفي مؤخرا هو من يتولى عمليات الترميم كونه رئيس الطائفة في بغداد، وعلى نفقة بعض التجار من اليهود العراقيين في المهجر.

General view of a Jewish cemetery at Sadr City district of Baghdad
مقبرة اليهود في منطقة شعبية تحيط بها البيوت (رويترز)

لا وقف لليهود

رئيس ديوان الوقف المسيحي والديانات الأخرى في العراق أكد أن الطائفة الموسوية ليست ضمن وقفه، كون الديانة اليهودية لم تدرج ضمن الدستور العراقي كأقلية دينية.

وقال رئيس الديوان رعد الكه ججي للجزيرة نت إن "اليهود العراقيين غير مدرجين في الدستور العراقي، وبالتالي لم يتم إدراجهم في قانون الديوان رقم 85 لسنة 2012، كما المسيحيون والإيزيديون والصابئة".

غير أن مسؤول المقبرة وحارسها البياتي أكد أن الطائفة الموسوية هي التي تتولى الإنفاق على ترميم الشواهد، وهي المسؤولة أيضا عن دفع فواتير الماء والكهرباء، مشيرا إلى أن وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في العهد السابق هي التي كانت تتولى مسؤولية المقبرة، لكن بعد عام 2003 انتقلت مسؤوليتها إلى الطائفة الموسوية.

وتشير التقديرات إلى أن عدد أفراد الطائفة اليهودية في العراق عام 1947 كان نحو 150 ألفا، ويرجع تاريخ اليهود في العراق إلى نحو 4 آلاف عام وإلى أيام الملك نبوخذ نصر الذي حكم بابل. وبعد قيام إسرائيل في 1948 هاجر معظم اليهود العراقيين إليها.

وفي مكان معزول في مؤخرة المقبرة توجد 5 قبور تعود لعراقيين يهود اتهموا بالتجسس لصالح إسرائيل، وأعدموا في ساحة التحرير وسط بغداد شنقا منتصف العام 1969، وهم عزرا ناجي زلخا، وتشارلز رفائيل حوريش، وفؤاد غباي، ويحسقيل جورجي نميردي، وصباح حاييم ديان.

المحمدي اعتبر أن اليهود الذين غادروا العراق منهم من لا يزال يحن للعودة (الجزيرة نت)

قرار إجلاء اليهود

يقول الباحث في حوار الأديان والحضارات عبد السلام المحمدي للجزيرة نت إن اليهود العرب بصورة عامة والعراقيين منهم خاصة حالهم حال بقية المواطنين كان يعيشون متآلفين مع بقية الشعب، مشيرا إلى أن قرار إجلائهم كان جائرا وغير مدروس.

ويتابع القول "لم يجد يهود العراق غير التوجه إلى فلسطين فلاقوا هناك من يرحب بهم ويحولهم من يهود إلى صهاينة وربما يهود عرب درجة ثانية حسب الرؤية الإسرائيلية، وإلى اليوم منهم من يحن لوطنه الأصلي ويحب العودة إلى ذكريات طفولته ومنهم من أوغل في صهيونيته وعدائه وتنكر للعرب".

ويقول الناشط في مجال التراث الثقافي العراقي أمير دوشي إن يهود العراق كانوا يشكلون عنصرا فاعلا في الحياة الاجتماعية، ولهم 3 مقابر في العراق، اثنتان منها في بغداد، وأخرى في محافظة ديالى شمال شرق العاصمة وهم يهود ليسوا عراقيين، ولكن المقبرة الرئيسية هي الواقعة في منطقة الحبيبية في بغداد.

دوشي: يهود العراق كانوا يشكلون عنصرا فاعلا في الحياة الاجتماعية (الجزيرة نت)

ويوضح دوشي للجزيرة نت أن هناك مقبرة صغيرة تقع في محافظة ديالى قرب منطقة خانقين ويطلق عليها مقبرة الحرب فيها رفات جنود بولنديين ومنهم يهود، أما الثانية فتقع في منطقة الوزيرية وسط بغداد فيها قبور لجنود بريطانيين ومنهم يهود، وهي التي يطلق عليها مقبرة الإنجليز، والثالثة هي الأكبر وهي الرئيسية وتضم أكثر من 4 آلاف قبر ليهود جميعهم من العراقيين، نقلت من منطقة النهضة وسط بغداد إلى شرقها في مدينة الصدر حاليا.

ومقبرة البولنديين تضم رفات عسكريين ومدنيين من بينهم نساء وأطفال، وهم ممن نزحوا إلى العراق وإيران خلال الحرب العالمية الثانية، أما مقبرة الإنجليز فهي لجنود بريطانيين قضوا خلال الحرب العالمية الأولى واحتلال العراق وما تلاها من انتداب.

التراث العراقي

مسؤول إعلام هيئة التراث والآثار في وزارة الثقافة والسياحة العراقية حاكم الشمري أكد للجزيرة نت أن المقابر ترتبط بدواوين الأوقاف بالنسبة للمسلمين والديانات الأخرى، وأن التراث الذي يكون ضمن إدارة الوزارة وأي معلم آخر يجب أن يتجاوز عمره 200 عام، وأن مقبرة اليهود في بغداد لم يتجاوز عمرها 70 عاما، لذا فهي لا تدخل ضمن التراث العراقي.

وعن حضور الطائفة اليهودية في تاريخ العراق المعاصر يقول مؤسس معهد دراسات التنوع الديني والباحث في شؤون الأقليات الدكتور سعد سلوم للجزيرة نت، إن ليهود العراق دورا فاعلا كجزء أساس من الطبقة الوسطى والوسطى العليا التي تعد محركا اقتصاديا مهما، كما كان ساسون حسقيل وزير المالية في العهد الملكي أحد بناة الدولة العراقية المعاصرة.

وأشار سلوم إلى أن هذا الوجود الألفي الذي استمر قرابة 2500 عام انحسر منذ خمسينيات القرن الماضي ليقتصر على أفراد لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة اليوم.

يشار إلى أن أغلب العائلات اليهودية العراقية التي يقدر عددها بنحو 40 عائلة تسكن حاليا في إقليم كردستان العراق، يقومون بإدارة أملاكهم وعقاراتهم من هناك، عن طريق وسطاء أو وكلاء من المسلمين تخوفا من تعرضهم إلى مضايقات.

وكانت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في حكومة إقليم كردستان قد افتتحت مكتب وممثلية خاصة باليهود عام 2015، لتنضم إلى مكاتب أخرى يمثل كل منها أحد الأديان المعترف بها في الإقليم.

وحسب سلوم، فإن اليهود العراقيين يُعتبرون أقدم جالية يهودية في العالم، فهم في العراق في العام 586 قبل الميلاد، بعدما سباهم الملك البابلي نبوخذ نصر.

ويضيف أنه خلال العقود الأولى من القرن الماضي، شكّلت العائلات اليهودية عنصرا فاعلا في المجتمع، فلا يزال العراقيون يتذكرون ساسون حسقيل وزير مالية أول حكومة شكلت في عهد الانتداب البريطاني وأول من وضع أسس النظام المالي للبلاد.

المصدر : الجزيرة