ميديا بارت: أيام المجاعة المظلمة.. الكارثة تتجدد مرة أخرى في تيغراي

الناس يذهبون إلى الغابة لجمع أغصان وأوراق النباتات غير السامة من أجل الحصول على شيء يؤكل، وفي بعض الأماكن لا تتوفر لديهم حتى أعواد الثقاب لإشعال النار للطهو

لاجئون من التيغراي في السودان يبحثون عن الطعام (الفرنسية)

قال كاتب في موقع ميديا بارت (Mediapart) الفرنسي إن التحليلات وشهود العيان كلها تشير إلى أن إقليم تيغراي الإثيوبي يعود إلى أيام المجاعة المظلمة التي هي من صنع الإنسان، إضافة إلى جرائم الحرب والنهب المنهجي وإغلاق البنوك وانقطاع الاتصالات السلكية واللاسلكية.

وفي مقال بقسم المدونات في الصحيفة قال الدكتور جان نيسن -الذي شارك قبل 25 سنة في مكافحة المجاعة هناك- إن الصراع أثر على موسم الحصاد، كما أدى إلى عرقلة وصول المساعدات المحتملة والتمويل الحكومي في المنطقة، مشيرا إلى أنه لم يكن يتوقع المزيد من الكوارث، مثل جرائم الحرب التي لا حصر لها والنهب المنهجي وإغلاق البنوك وانقطاع الاتصالات.

وقال نيسن -وهو أستاذ للجغرافيا في جامعة غاند ببلجيكا- إن أكثر من نصف الأراضي التي تشهد حربا منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2020 هي في حالة "طوارئ" وفقا لنظام الإنذار المبكر للمجاعة، وإن البعض يموتون في تيغراي جوعا في الشوارع، وإن 80% من المنطقة قد لا تتلقى مساعدات حسب الصليب الأحمر الإثيوبي.

ونقل الكاتب عن مصدرين أن الناس يذهبون إلى الغابة لجمع أغصان وأوراق النباتات غير السامة من أجل الحصول على شيء يؤكل، وأنهم في بعض الأماكن لا تتوفر لديهم حتى أعواد الثقاب لإشعال النار للطهو.

أعمال انتقامية في الريف

ويقول الكاتب إن شاهدا في إحدى القرى ذكر له أسماء العديد من المزارعين القتلى الذين يعرفهم في المنطقة، مشيرا إلى أن الناس انتقلوا من القرية إلى الجبال عند بدء القتال في المنطقة، ولكنهم عادوا إلى مزارعهم ظنا منهم أن القتال قد انتهى، فقتلوا هناك.

ويقول شاهد العيان هذا إن والده وجد الجنود يذبحون ماشيته، وبدأ كلبه الذي كان معه في الجبل ينبح عليهم فقتلوه، ثم انهالوا على الأب بالضرب حتى فقد وعيه وتركوه، ولكن القرويين عالجوه فنجا من الموت.

وقال أحد هؤلاء القرويين إن "الجنود كان يطلبون منا معلومات مثل: أين هذه القرية أو تلك؟ وقد قتلوا منا حوالي 30 شخصا، بعضهم في الجبال وآخرون في الوادي، وتركوهم هناك، أرادوا أن تأكلهم الضباع".

ويقول أحد السكان إن الجنود الإثيوبيين والإريتريين يبحثون عن قادة إقليميين في الكهوف والغابات، وإنهم يحذرون الناس من أنهم "مقابل كل جندي يقتل على يد شخص "غير مخلص" (كناية عن أعضاء جبهة تحرير تيغراي أو قوات الدفاع عن تيغراي أو المقاومين التيغراي) سنقتل 5 أو 10 قرويين".

ويقول شهود عيان في أديغرات -حيث بات من الممكن الآن إجراء مكالمات هاتفية متقطعة- إن الرجال فروا إلى الجبال خوفا من التعرض للقتل، وهم يختبئون في الكهوف والوديان والغابات، ولكن لا أحد يحتمي في حظائر الكنائس لأنها لم تعد آمنة، ولذلك انضم الكثيرون إلى قوات الدفاع عن تيغراي.

تكلفة الحرب

ويقول أحد المقاومين التيغراي في بلجيكا إنه يتوقع مقتل العديد من الأصدقاء والأقارب، ولكن "الثقافة في المنطقة تمنع نقل خبر وفاة الأقارب إلى شخص في الخارج"، ومع ذلك يفضل البعض الآن إبلاغ من هم في الخارج حتى لا يواجه الناس منشورات مروعة على وسائل التواصل الاجتماعي.

ونبه الكاتب إلى أن آثار الحرب لا تقتصر على حالة تيغراي، لأن الحروب باهظة الثمن، ولا بد أن يدفع ثمنها شخص ما، ولذلك فرضت الحكومة -التي تفتقر إلى الموارد المالية- مساهمة "تطوعية" براتب شهر كامل من قبل موظفي الخدمة المدنية لتمويل الحرب.

هذه مجرد أخبار كاذبة

من جهة أخرى، أشار الكاتب إلى أن أنصار الحكومة الإثيوبية يميلون إلى التقليل من شأن ما يحدث، كالقول إن "عملية القانون والنظام هذه انتهت في نوفمبر/تشرين الثاني، وإن الحكومة فعلت ما يتعين عليها، وإن كل شيء على ما يرام الآن".

ويقول مسافر من رجال الأعمال كان في مهمة قصيرة في إثيوبيا "أخبرني سائق التاكسي أن الأمر انتهى الآن، هناك سلام تام في تيغراي، والجميع سعداء"، كما قال أستاذ في جامعة بحر دار للكاتب "لقد كنا ننتظر هذه الحرب منذ 48 عاما".

وأشار الكاتب إلى أن هذه التصريحات تعكس الرأي الرسمي للحكومة الفدرالية وليس الواقع، لأن الصراع والبؤس لا يزالان يضربان في تيغراي، بل إن الحرب لم تتسبب بالدمار فحسب، بل اتسمت بارتكاب "قوات الاحتلال" مذابح ونهبا وعنفا جنسيا، مما يعزل التيغراويين عن الدولة الإثيوبية، ويضع المزيد من العقبات أمام إنشاء الاتحاد المتناغم المعلن رسميا.

وفي هذا السياق -كما يقول الكاتب- يصبح الأمن سلعة نادرة في مناطق الحرب، حيث يتم إطلاق النار، ويقول صديق في اتصال وقد بدا مذعورا جدا إنه شاهد خارج باب بيته جنديين إريتريين يطلقان النار على شاب، ويقول أحدهما "أكمل"، فيرد الآخر "دعه يموت".

واحتجاجا على ما يجري، ذكرت عدة جهات اتصال في المدينة أن الرئيسة الإثيوبية سهلي ورق زودي عندما قامت بزيارة إلى ميكيلي عاصمة تيغراي لم تستقبل بشكل جيد، ربما لأن الجو كان شديد العدائية، رغم أن الدعاية الرسمية هي أن تيغراي بأكملها سعيدة بعد أن أعاد لها رئيس الوزراء آبي أحمد القانون والنظام.

المصدر : ميديابارت