سجال القاضي البيطار ينتقل للشارع بعد تعطيله الحكومة.. قتلى وجرحى في إطلاق نار ببيروت

A protest against the lead judge of the Beirut port blast investigation, in Beirut
السجال حول القاضي البيطار الذي أصدر مذكرات استدعاء لوزراء سابقين قفز من ساحات القضاء للشارع (رويترز)

بيروت – على وقع اعتصام بدأه أنصار حزب الله وحركة أمل وتيار المردة، صباح اليوم الخميس، أمام القصر العدلي وسط بيروت، ضد استمرار قاضي التحقيق بانفجار مرفأ بيروت طارق البيطار بمهامه، رفضت محكمة التمييز -أعلى هيئة قضائية في لبنان- كف يد البيطار، لتتطور الأمور لإطلاق نار أدى إلى مقتل ثلاثة أشخاص على الأقل وإصابة آخرين بجراح.

وجاءت هذه التطورات بعد يوم من فشل عقد جلسة حكومة نجيب ميقاتي بعد رفض الوزراء المحسوبين على حركة أمل وحزب الله حضورها إلا إذا تدخلت الحكومة لإقالة البيطار، فيما لا يخفي مراقبون أن تكون المواجهة في ملف التحقيق بانفجار المرفأ قد قفزت من التباينات القانونية إلى إشهار معركة سياسية.

وتتضاعف الخشية من انتقال المعركة للشارع الذي لا يخفي سياسيون ومراقبون من أن تستعيد البلاد مشهد الانقسام السياسي والطائفي حول المحكمة الدولية بقضية اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري عام 2005.

وكشف إرجاء جلسة الحكومة، التي كانت مقررة أمس، أحد أوجه المعركة السياسية، بعد اشتراط الوزراء المحسوبين على حزب الله وحركة أمل وتيار المردة اتخاذ قرار واضح بإقالة المحقق العدلي القاضي البيطار، وإلا فإنهم سيمتنعون عن المشاركة بجلسات الحكومة.

وعلق البيطار تحقيقاته للمرة الثالثة، بعد تبلغه دعوى قضائية جديدة تطالب بعزله، وسبقها بإصدار مذكرة توقيف بحق وزير المالية السابق والنائب الحالي علي حسن خليل، من بين وزراء سابقين ادعى القاضي عليهم ويرفضون المثول أمامه، وهم نهاد المشنوق وغازي زعيتر ويوسف فينيانوس.

أمين عام حزب الله حسن نصر الله طالب باستبدال القاضي البيطار واتهمه بتسييس التحقيق (أسوشيتد برس)

حزب الله وحلفاؤه إلى الشارع

ميدانيا، وجه أنصار حزب الله وحركة أمل وتيار المردة الدعوات الشعبية للاعتصام ضد قاضي التحقيق أمام قصر العدل اليوم، بعدما اتهمه الأمين العام لحزب الله بخدمة أهداف سياسية، وطالب بقاض "صادق وشفاف" بديل عنه.

وتشير مصادر، مطلعة على موقف حزب الله، أنه يخشى من حملة كبيرة ضده قبل الانتخابات البرلمانية المقررة الربيع المقبل، وتعتبر هذه المصادر أن الحزب يربط تحقيقات انفجار المرفأ بسياقات إقليمية، ويخشى أن تستخدمه واشنطن أداة لبنانية غير مباشرة لمواجهته بعد تراجعها خطوات بالمواجهة الإقليمية مع حليفته إيران.

وتفيد المصادر أن لدى حزب الله أسئلة مشروعة حول معايير عمل القاضي، كالتغاضي عن مسألة اليونيفيل لجهة مسؤوليتها على المياه الإقليمية لدى دخول شحنة نترات الأمونيوم البالغة نحو 2750 طنا إلى المرفأ عام 2014، إضافة إلى السؤال عن سبب عدم استدعائه قائد الجيش الحالي جوزيف عون، رغم مسؤوليته الأمنية عن المرفأ.

امتحان تعطيل الحكومة

ويتساءل كثيرون إن كانت حكومة نجيب ميقاتي، حديثة الولادة بعد أكثر من سنة من محاولات التشكيل، قد دخلت فعلا دوامة التعطيل، بعد أن طالبها أمين عام حزب الله بالتدخل لاستبدال القاضي، مادامت المحكمة ترفض البت بطلبات الرد وكف يده، وهو ما يضع الحكومة أمام أول امتحان لتماسكها أمام الرأي العام داخليا وخارجيا.

يقول الكاتب والمحلل السياسي علي شكر -للجزيرة نت- إن الحكومة تشكلت على أرضية هشة، ويعتبر أن إرجاء جلستها يترجم المفاعيل الإجرائية للانقسام السياسي الداخلي.

وبحسبه فإن الحكومة -التي جاءت لملء الفراغ بإدارة البلاد- باتت عاجزة حتى عن هذه المهمة، في ظل ضعف التفاهمات وغياب البرنامج الموحد بين أركانها.

ويضع شكر إرجاء جلسة الحكومة في خانة الصدام بعد طرح حزب الله استبدال القاضي واتهامه "مما يعني أن قضية البيطار قد تستثمر أداة لتعطيل البلد وتحقيق مكاسب سياسية".

كما أنه لا يستبعد افتعال القوى السياسية صدامات حكومية بقضايا أخرى، كالتفاوض مع صندوق النقد، كلما أرادوا تأجيج الأوضاع سياسيا وأمنيا واقتصادية، على حد وصفه.

هذا الحال، يؤكد -برأي شكر- أن ملف التحقيق بانفجار المرفأ لم يُدر بجدية قانونية وإدارية تقود لكشف الحقيقة، ويرى أن بقاء البيطار بات رهن التوازنات السياسية القابضة على مفاصل الحكومة.

مخاوف أهالي ضحايا مرفأ بيروت أن يؤدي السجال السياسي حول القاضي البيطار لمنع تحقيق العدالة لأبنائهم (رويترز)

أجواء ما بعد اغتيال الحريري

وفي السياق، يعتبر أستاذ العلوم السياسية والقانون الدولي، علي فضل الله، أن لدى حزب الله معطيات تفيد أن القاضي البيطار حدد نتيجة تحقيقاته سلفا، وأنه يخشى من إعادة تجربة التحقيقات بقضية اغتيال الحريري عام 2005، وأنه لن يسمح بتوريطه مرة أخرى داخليا ودوليا.

وقال فضل الله للجزيرة نت إن اسقاط الارتياب المشروع، وطلبات الرد للوزراء السابقين المستدعى عليهم، تثبت لحزب الله نظرية الحماية السياسية للقاضي، خصوصا بعد مواقف بعض نواب الكونغرس الأميركي الداعمة له.

ويقر لبنان دستوريا بوجوب فصل السلطات التنفيذية والقضائية، ومع ذلك يجد فضل الله أنه يمكن إصدار مرسوم حكومي لإقالة البيطار، مثلما صدر مرسوم لتعيينه محققا عدليا.

ويوضح فضل الله أن القاضي لم يستدع شخصيات من حزب الله، لكن الأخير يستبق توقعاته للتحقيقات التي قد تؤدي إلى اتهام شخصيات لديه بجريمة المرفأ.

ويقول أيضا إن الحزب يخشى أن تقود الحالة التحريضية ضده إلى مخاطر أمنية، مذكرا أن اغتيال الحريري والمحكمة الدولية أغرقت البلاد بالدماء، من يوليو/تموز 2006 إلى سلسلة الاغتيالات.

والمطلوب بالنسبة لحزب الله -وفق فضل الله- قاضٍ يعمل بوحدة معايير، كالاستدعاء على كل وزراء الأشغال والداخلية والمالية بعد وصول شحنة النترات وليس على واحد دون سواه، و"يفترض على مجلس القضاء الأعلى التحرك لتوفير الحاضنة القانونية لعزل القاضي".

تصعيد المواجهة

ويرى محللون أن رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه السياسي باتوا بموقف حرج للغاية مع حزب الله، فهم من جهة سبق أن طالبوا بفصل السلطات وإتاحة المجال للقاضي بالتحقيق، ومن جهة أخرى أنهم لم يعودوا قادرين على إثارة الخلاف مع حليفهم الوحيد (حزب الله) وشريكهم الأساسي بتشكيل الحكومة.

وكان لافتا دعوة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع كلا من عون ورئيس الحكومة والحكومة مجتمعة لأن "يتحملوا مسؤوليتهم في رفض الإذعان لترهيب حزب الله، وإذا أوقفوا التحقيقات بملف المرفأ خضوعا لهذا الترهيب فعليهم الاستقالة فورا، بدءا من رئيس الجمهورية وصولا إلى الحكومة ورئيسها".

ويؤيد وزير العدل السابق إبراهيم النجار دعوة جعجع، ويؤكد للجزيرة نت أن الحكومة ليست لديها الإمكانية القانونية لإقالة القاضي.

وقال أيضا إن المسألة تجاوزت القانون وصارت سياسية علنا، ودعا فريق عون السياسي لاتخاذ موقف صريح من حليفهم (حزب الله) وأن يفي بوعوده والتزاماته للمتضررين من الانفجار.

ويجد النجار أن قوى السلطة المناهضة للبيطار تسعى لتطييف القضية للدفع نحو مزيد من الضغط السياسي.

ومن وجهة نظره القانونية، يمكن للبيطار أن يصدر قراره الظني، حتى لو لم يحضر الوزراء المستدعى عليهم للاستجواب، و"لا يوجد أسباب لتنحيته أو رده أو كف يده، وإن إسقاط البيطار، إن نجح، سيكون سياسيا وليس قضائيا".

حيرة أهالي الضحايا

ويبدو أن الانقسام السياسي يصعّب مهمة أهالي ضحايا الانفجار الذين يطالبون بالعدالة لنحو 217 قتيلا وأكثر من 6 آلاف جريح، واحترام فصل السلطات، وعدم التدخل بعمل المحقق العدلي وعرقلة التحقيق.

ويشير المتحدث باسم أهالي ضحايا الانفجار، إبراهيم حطيط، إلى أنهم يرفضون زجهم في مواجهة شارع مقابل شارع "لأن جميعنا تضرر من الانفجار وندين إثارة النعرات كي لا تضيع معركة الحقيقة".

وقال حطيط للجزيرة نت إن الأهالي ليسوا طرفا بالمواجهة السياسية، ويدعمون القاضي البيطار، كما أنه آن الأوان -برأيه- للكشف عن معطيات متعلقة بمصدر الباخرة وطبيعة الحادث إن كان عرضيا أم مفتعلا "ونخشى الاستمرار باستثمار الملف على حساب آلامنا وأرواح أبنائنا".

المصدر : الجزيرة