بعد التعديل الدستوري.. أي شكل لنظام الحكم الجديد بسلطنة عُمان؟

Sultan Haitham bin Tariq al-Said gives a speech after being sworn in, in Muscat
سلطان عمان هيثم بن طارق (رويترز)

سمية اليعقوبي-مسقط

في ذكرى مرور عام على رحيل قابوس بن سعيد وتولي هيثم بن طارق مقاليد الحكم في سلطنة عُمان، أعلن التلفزيون الرسمي الاثنين الماضي عن استحداث تغييرات دستورية لأول مرة في تاريخ البلاد.

وشملت التعديلات وضع نظام أساسي جديد للدولة بمثابة الدستور بدلا من النظام السابق الذي أرساه السلطان الراحل عام 1996 وتبعه بتعديلات عام 2011.

وينتظر أن تشهد السلطنة لأول مرة في تاريخها تحديد آلية مستقرة لانتقال الحكم وتعيين ولي للعهد، في خطوة مشابهة لباقي دول مجلس التعاون الخليجي.

وبحسب النظام الجديد، فإن ولاية العهد تنتقل من السلطان إلى أكبر أبنائه سنا، ثم أكبر أبناء هذا الابن سنا بنظام الطبقة بعد الطبقة، فإذا توفي الابن الأكبر قبل أن تنتقل له ولاية الحكم انتقلت إلى أكبر أبنائه حتى وإن كان للمتوفى إخوة.

وبحسب النظام الجديد، فإن ولي العهد يحل محل السلطان بصورة مؤقتة في حالة تعذر على السلطان ممارسة صلاحياته.

وقد تناقلت وسائل إعلام محلية اسم "ذي يزن" الابن الأكبر للسلطان، ليصبح أول ولي للعهد في تاريخ البلاد وفق نصوص النظام الجديد.

ويشغل ذي يزن بن هيثم حاليا وزير الثقافة والرياضة والشباب، وهو المنصب الذي ناله بعد عدد من التغييرات الوزارية التي قام بها السلطان العام الماضي.

ذي يزن بن هيثم
ذي يزن الابن الأكبر للسلطان هيثم بن طارق (الجزيرة)

حضور كبير

وفي السياق، قال الباحث والأكاديمي ناصر السعدي حول النظام الأساسي الجديد إن هذه التعديلات تمنح حضورا كبيرا للأسرة الحاكمة، كما أنها تمنح مراجعة للتقاليد السياسية التي يمضي بها نظام الحكم، وهي رسالة للداخل والخارج تجعل السلطنة مماثلة لنظيراتها من دول مجلس التعاون.

في المقابل، يعارض الباحث والكاتب سعود الزدجالي هذا الرأي، معتبرا أن التعديلات الدستورية الجديدة لا ترتبط بمحاولة الائتلاف مع أنظمة الخليج السياسية الأخرى، لكنها خطوة استباقية يُراد لها أن تخفف وطأة أي نزاع محتمل داخل الأسرة الحاكمة حول ولاية الحكم.

وأشار إلى أن البنود الدستورية تؤكد حتمية انتقال الحكم بالوراثة، وبالتالي تساهم في انتقال الحكم بسلاسة، وفي ممارسة الصلاحيات عند غياب السلطان، إضافة إلى أهمية دور ولي العهد في مساعدة السلطان على أداء مهامه في ظل التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تواجهها البلاد.

وتكمن أبرز هذه التحديات -وفق محللين اقتصاديين- في انخفاض الطلب على النفط، وتأثر البلاد بتبعات انتشار جائحة كورونا، وارتفاع الدين العام، وانخفاض التصنيف السيادي، وتنامي أعداد الباحثين عن العمل في البلاد.

وشهد إعلان النظام الأساسي الجديد تفاعلا كبيرا عبر منصات التواصل، حيث غرد الباحث زكريا المحرمي عبر تويتر "كنا ننتظر النظام الأساسي للدولة على (أحر من الجمر) فالدستور هو المحدد لكل القوانين والتشريعات، وكنت أتمنى أن يكتب الدستور بطريقة توافقية مع ممثلي الشعب في مجلس عمان، ولكن نحن متفائلون عموما بحكمة السلطان هيثم في وضع نظام يؤكد على حق الشعب في المشاركة والمحاسبة".

بدوره، غرد الصحفي تركي البلوشي "مضى على النظام الأساسي للدولة الصادر عام 1996 ما يقارب من 24 عاما، لم ينتظر السلطان الجديد سوى 12 شهرا حتى يلغي النظام السابق ويأتي بنظام جديد، وكلاهما يطلق عليه (دستور المنحة) وهي الدساتير التي تصاغ من الحاكم مباشرة".

لجنة للرقابة

وفيما يتصل بالرقابة على أداء الحكومة، تم تأسيس لجنة تتبع السلطان مباشرة وتتولى متابعة وتقييم أداء الوزراء ووكلاء الوزارات ومن في حكمهم، كما تم إفراد نص خاص لجهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة لدعم دوره في حوكمة المؤسسات.

وأكد النظام الجديد على الإدارة المحلية للمحافظات، ودور مجلس عمان في تنمية البلاد عبر باب تشريعي خاص باختصاصاته وشروط عضويته وجميع حقوق وواجبات أعضائه.

وفي السياق، يرى خبير القانون والباحث فهد الأغبري أن النظام الأساسي للدولة لم يغير كثيرا من ملامح النظام السابق حيث إن النظام الأساسي القديم قد تأسس عام 1996، وهو حديث نسبيا حسب رأيه.

ويعتبر الأغبري أن هناك بعض التعديلات المحدودة التي شملها النظام الجديد مثل انتقال ولاية الحكم، واستحداث مواد تتصل بلجنة لتقييم كبار المسؤولين، والتأكيد على أهمية الإدارة المحلية للبلاد.

ويضيف أنه جرى رفع قيمة بعض النصوص القانونية النافذة في البلاد لتصبح دستورية من أجل التأكيد على أهميتها.

ومن الملاحظ أن هناك تقليصا في بعض النصوص الدستورية المتصلة باختصاصات مجلس عمان، والتي استحدثت عام 2011، حيث من المتوقع إرجاعها لقانون مجلس عمان الذي سينظم عمل هذا المجلس.

وتؤكد التعديلات الدستورية على كفالة المزيد من الحريات والحقوق للمواطنين، بينها المساواة بين الرجل والمرأة ورعاية الطفل والأشخاص ذوي الإعاقة، وإلزامية التعليم حتى نهاية التعليم الأساسي (12 عاما من التعليم) وتشجيع انتشار الجامعات والنهوض بالبحث العلمي ورعاية المبدعين والمبتكرين.

ويوضح الأغبري أن هناك مسألة مهمة للغاية فيما يتصل بالحقوق والحريات التي ينص عليها النظام الأساسي للدولة ولكنها تستدعي إصدار القوانين المنظمة لها، إذ إنه من الملاحظ تأخر إصدار مثل هذه القوانين مما يمثل تحديا في تنفيذ النص الدستوري، مؤكدا أنه كان من الضروري تفعيل الجهة القضائية التي تنظر في مستوى مطابقة القوانين للنظام الأساسي للدولة.

ومن المقرر أن يبدأ العمل بالنصوص الواردة في النظام الجديد خلال الأسبوع الحالي، وستعلن تفاصيل بعض القوانين الداعمة لتنفيذ النظام الجديد عبر وسائل الإعلام خلال الأسابيع القادمة.

المصدر : الجزيرة