إسرائيل تبتدع "محاكمات إلكترونية" للأسرى في "حضرة" كورونا

(فعاليات سابقة تضامنا مع الأسرى
فعالية سابقة تضامنا مع الأسرى (الجزيرة نت)

عوض الرجوب-الخليل

قبل أيام تقدم المعتقل الإداري "ي. ر" باستئناف لدى محكمة الاحتلال العسكرية في سجن عوفر المقام على أراضي بلدة بيتونيا غرب مدينة رام الله، طالبا تقليص مدة الأمر الإداري الأخير بحقه والبالغة أربعة شهور، وهي الثالثة منذ اعتقاله الحالي قبل أكثر من عام.

ومنذ أيام استُدعي الأسير لحضور المحكمة "الشكلية" حسب وصفه، فتم نقله من القسم الذي يقبع فيه إلى المحكمة في نفس السجن.

وحتى حلول موعد جلسته مكث الأسير في غرفة انتظار مع ستة أسرى آخرين من أقسام وسجون مختلفة، فكان محظوظا حسب وصفه لأن بعض الغرف بها أكثر من عشرين أسيرا فقط.

ومع ذلك قال الأسير الستيني إن اختلاطه مع أسرى آخرين لا يعرف وضعهم الصحي ولد لديه شعورا بالقلق سيما أنه يعاني من عدة أمراض وبجعبته كيس من الأدوية، خشية أن يكون أحدهم هؤلاء مصاب بفيروس كورونا وهو لا يدري.

‪أبو سنينة: عشرات الجلسات عقدت يوميا عبر هذه التقنية‬ (الجزيرة)
‪أبو سنينة: عشرات الجلسات عقدت يوميا عبر هذه التقنية‬ (الجزيرة)

تعليمات الوقاية
مكث الرجل بقاعة الانتظار أكثر من أربع ساعات في مخالفة واضحة لتعليمات الوقاية من الفيروس من حيث غياب إجراءات السلامة وطول مدة الاختلاط وكثرة عدد المجتمعين في نفس الغرفة.

وحين جاء دوره في المحاكمة وجد الأسير نفسه -على غير العادة- في غرفة صغيرة ليس بها سوى شاشة تلفزيونية تظهر عليها هيئة المحكمة وإلى جواره السجان، وما هي إلا دقائق حتى بدأت المحاكمة عن بعد وأنجزت على عجل دون اتخاذ أي قرار.

يوضح الأسير -الذي تحدث للجزيرة نت عبر هاتف مهرب ورفض التصريح باسمه- أنه نقل إلى المحكمة دون اتخاذ أي إجراء وقائي: لا كمامات ولا قفازات ولا معقمات، وفوق ذلك الاختلاط بجنود وأسرى لا تضمن سلامتهم.

وحسب الأسير فإن الإجراءات المتبعة تعزز القناعة لدى الأسرى بأن المقصود من المحاكمة الإلكترونية هو حماية القضاة والنيابة العسكرية وليس الأسرى.

قانون سكايب
وبدل الاستجابة لتوصيات ودعوات منظمات حقوقية دولية مرموقة بالإفراج عن الأسرى الفلسطينيين وخاصة الأكثر ضعفا وتضررا في ظل تفشي فيروس كورونا، بدأت سلطات الاحتلال منذ مارس/آذار الماضي بإجراء محاكمات عن بعد لكافة الأسرى الفلسطينيين عبر تقنية "سكايب في سي" وحظرت حضور ذويهم لمحاكمتهم.

وفيما يبدو الأمر للوهلة الأولى وكأنه إيجابي وضمن إجراءات احترازية لمنع تنقل الأسرى إلى المحاكم خشية تفشي كورونا، فإن خبراء أكدوا افتقارها لأبسط مقومات المحاكمة العادلة، فضلا عن المخالفة المتمثلة في نهج المحاكم العسكرية الذي يخدم السياسات الإسرائيلية القائمة على التمييز.

ووفق المحامي المقدسي أشرف أبو سنينة فإن "قانون سكايب" تم تفعيله مع تفعيل حالة الطوارئ لمواجهة كورونا، حيث بدأ تطبيقه بمنع الأهالي من حضور محاكمات ذويهم في مارس/آذار الماضي.

عشرات المحاكمات يوميا
وقال أبو سنينة في حديثه للجزيرة نت إن القانون تم تفعيله بعد محادثات طويلة بين قضاة محكمة عوفر العسكرية وقضاة المحاكم المدينة الإسرائيلية وقيادات بالجيش والشاباك ومصلحة السجون (الشاباص) وبعد توجه المحامين إلى رئيس محكمة عوفر والتعبير عن انزعاجهم من استهتار مصلحة السجون بالأسرى وذويهم.

وأضاف أن المحاكمات بداية كانت تتم في قاعات واسعة وبتحقيق شروط الوقاية وخاصة من حيث التباعد بين الأسرى والمحامين والقضاة والنيابة، ولما ازدادت الأوضاع سوءا تم التوجه إلى المحاكمات التلفزيونية.

وأشار أبو سنينة إلى عقد عشرات الجلسات يوميا عبر هذه التقنية، مستبعدا أن يتخذ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أي قرار بالعفو أو الإفراج عن الأسرى والمعتقلين أسوة بقرارات تتخذ بحق السجناء المدنيين، حتى لو انتشر الفيروس "وهذه حقيقة يعرفها الأسرى أنفسهم".

وكانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أوقفت مطلع مارس/آذار الماضي زيارات الأهالي للسجون، كما "نصحت" السلطات الإسرائيلية بتقليل عدد المحتجزين وإطلاق سراح الأكثر عرضة للخطر جراء تفشي المرض.

‪عابدين: الأصل العام في نهج المحاكم العسكرية هو خدمة السياسات الإسرائيلية القائمة على التمييز‬ عصام عابدين: الأصل العام في نهج المحاكم العسكرية هو خدمة السياسات الإسرائيلية القائمة على التمييز (مواقع التواصل)
‪عابدين: الأصل العام في نهج المحاكم العسكرية هو خدمة السياسات الإسرائيلية القائمة على التمييز‬ عصام عابدين: الأصل العام في نهج المحاكم العسكرية هو خدمة السياسات الإسرائيلية القائمة على التمييز (مواقع التواصل)

نهج التمييز
وبرأي الدكتور عصام عابدين المختص بالشؤون القانونية والحقوقية، فإن الأصل العام في نهج المحاكم العسكرية هو خدمة السياسات الإسرائيلية القائمة على التمييز والأبرتهايد، مشيرا هنا إلى الفرق القائم بين المحاكم المدنية للإسرائيليين والعسكرية للفلسطينيين.

وتحدث عن "انتهاكات خطيرة" قائمة أصلا في الوضع الطبيعي قبل الجائحة تغيب معها ضمانات المحاكمة العادلة من خلال الاعتقال الإداري والمحاكمة على ملفات سرية، وعدم تمكين الأسرى من حقهم في الدفاع عن أنفسهم ولقاء محاميهم بحرية.

وقال الدكتور عابدين إن الإجراءات التعسفية تأخذ في جانب منها أصلا شكل "النهج" مما يشكل جريمة حرب حسب نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية، مما يفاقم انتهاك ضمانات المحاكم العادلة.

وبدل المضي في مزيد من الانتهاكات، قال الدكتور عابدين إن على سلطات الاحتلال الاستجابة وتنفيذ توصيات منظمة الصحة ومفوضية حقوق الإنسان التي أكدت خطورة الوضع وطالبت بإخلاء سلبيهم لحمايتهم.

ولفت الدكتور عابدين إلى ما راء المحاكمة العسكرية من انتهاكات منها الاكتظاظ في غرف الانتظار، والاختلاط في البوسطة وشاحنات النقل الجماعي، ومع السجانين، مما يهدد بشكل أكبر المرضى والمسنين في ظل إهمال طبي مستفحل أصلا في سجون الاحتلال.

المصدر : الجزيرة