سيدنا رمضان بالجزائر.. أوان جديدة وعودة الفتاة إلى بيت أهلها

عادات جزائرية لاستقبال رمضان
تجتمع نساء العاصمة في الأحياء العريقة لتحضير ما يعرف بـ"راس الحانوت" أو "الفواح" وهو خلطة توابل خاصة بالمطبخ الجزائري (الجزيرة)

 فاطمة حمدي-الجزائر

روائح من هنا وعطور من هناك تفوح من بيوت اختارت استباق الاحتفال برمضان الكريم، يوما قبل قدومه، إذ تعيش الجزائر بمختلف مناطقها خلال الأيام الجارية أجواء خاصة للتحضير لشهر رمضان المبارك.

وقد توارثت العائلات عادات عديدة لا تزال طقوسها راسخة لعشرات ومئات السنين.

يشدّ انتباه المار من حي القصبة العريق بالعاصمة الجزائر حركة غير مألوفة، نساء يتنقّلن نحو أحد القصور بتلك الأزقة الضيقة، يحملن معهن أواني الفخّار المزخرفة بفسيفساء أندلسية في طريقهن نحو مقصدهن، حيث يجتمعن عند إحدى الجارات للتجهز لرمضان.

لمّة نساء العاصمة
تجتمع نساء العاصمة في الأحياء العريقة على الأسطح لتحضير ما يعرف بـ"راس الحانوت" أو ما يعرف في مناطق أخرى بـ"الفواح"، وهو خلطة توابل خاصة بالطبخ الجزائري، كما يحضّرن ما يعرف بـ"النّافخ"، وهو عبارة عن "فرن جمر يدوي" تجهزه النساء بأنفسهن.

يملأ "النّافخ" بالجمر لتشوى عليه الخضار للتحضير لما يعرف بـ"الحرور"، ويعرف في مناطق أخرى بـ"الحميص"، وفي مناطق ثالثة بـ"المدقوقة ".. وغيره والذي يعتبر أحد أبرز المقبلات بالمائدة الجزائرية.

تقول الخالة الزهرة "نشوي الخضر على النّافخ الذي نحضّره بأيدينا لنتذكّر أصولنا، ورغم أننا نملك كل الإمكانيات لنسهّل على أنفسنا عملية الشواء بطريقة عادية، فإننا لن نتخلى عن هذه العادة"، وتعتقد الخالة دوجة أن "النافخ يحمل إحدى قيم رمضان ويدل على الزّهد مهما كانت الرفاهية".

‪يخرج رجال المنطقة بعد صلاة الظهر في
‪يخرج رجال المنطقة بعد صلاة الظهر في "مسيرة إنسانية" لإعانة الأسر الميسورة‬ (الجزيرة)

مسيرة إنسانية لإعانة الأسر
تشتهر مناطق الشرق الجزائري بما يعرف بعادة "الوزيعة"، حيث يشترك سكان كل الحي لذبح عجول، حيث تُجمع في مكان واحد وتقطّع وتُوزع على العائلات المحتاجة بطريقة غير مباشرة، يخرج رجال المنطقة بعد صلاة الظهر في "مسيرة إنسانية" لإعانة الأسر الميسورة.

يحرص الرجال على أن يوزع لحم العجول المذبوحة يوما قبل رمضان، ومن المألوف أن يأخذ الجميع قسطا من الذبيحة دون أن يتم التمييز بين المحتاج والغني، يقول محند فرجاوي (67 عاما) إن التوزيع يتم بتلك الطريقة كي لا تجرح كرامة المعوزّين، وهو أمر يجسد إحدى القيم الروحية للشهر الفضيل.

‪الحمّام الجزائري من التقاليد التي تسير عليها بعض العائلات، ولا تكتفي بالاستحمام  بمنازلها بل تتوجّه نحو الحمامات العامة المعروفة‬ (الجزيرة)
‪الحمّام الجزائري من التقاليد التي تسير عليها بعض العائلات، ولا تكتفي بالاستحمام  بمنازلها بل تتوجّه نحو الحمامات العامة المعروفة‬ (الجزيرة)

التطهّر للطّاهر
كما يعتبر "الحمام الجزائري" واحدا من التقاليد التي تسير عليها بعض العائلات، حيث يعتقدون بـ"وجوب الدخول لرمضان بطهر روحي وجسدي كبيرين"، لا يكتفي الجزائريون بالاستحمام في منازلهم، بل يتوجّهون نحو الحمامات المعروفة في مختلف المناطق.

البيوت تستقبل رمضان بالأبيض
ومن العادات الجزائرية أنه على كل عائلة أن تشتري أطقم "أوان جديدة"، فحسبهم "لا يجب أن يتذكّر هذا الشهر أوانيهم القديمة"، يتعامل الجزائريون مع رمضان كـ"إنسان" يعرف بـ"سيدنا رمضان"، لا يدخل هذا الشّهر دون أن تدهن باحات البيوت باللّون الأبيض.

تلجأ معظم الأسر الجزائرية في مختلف الولايات إلى إعادة صبغ منازلها بالأبيض، الذي يدل على الطهر، حيث يستحي الجزائريون من الشهر الفضيل، حسب تعبيرهم، تقول الخالة دوجة "نعتقد أنه يجب أن نكرم الشّهر كي يكرمنا".

‪يعتقد ممارسو
‪يعتقد ممارسو "الشعبانية" أن الفتاة تعود لأهلها ليمدّ الله في عمرها وتصوم رمضانا جديدا معهم‬ (الجزيرة)

آخر يوم في شهر شعبان
كما تعتبر "الشّعبانيةّ" في منطقة الشرق الجزائري من أبرز التقاليد، وقوام هذه العادة أن "تعود كل فتاة متزوجة إلى بيت أهلها ليلة قبل رمضان، تمضي اليوم مع أهلها ويعرف ذلك بالشعبانية"، أي آخر يوم في شهر شعبان.

ويعتقد ممارسو "الشعبانية" أن الفتاة تعود لأهلها ليمدّ الله في عمرها وتعاود رمضانا جديدا معهم، تقول جبالية عزيزي (82 عاما) للجزيرة نت "تعود بناتنا لعوائلها كما يعيدنا رمضان لأصلنا الطيب، حيث يسترجع الإنسان قيمه في هذا الشهر، يجب أن تتذكّر كل فتاة منبتها وعائلتها".

تتوارث الأسر بالجزائر عادات تتماشى وقناعات روحية ومجتمعية، ويحرص الجميع على توريثها للجيل اللاحق، تقول دوجة "من يتنكّر لأصوله ماذا ينتظر من حاضره؟"، ويعتقد من يمارس هذه الطقوس أنها تحاكي روحانيات الشهر الفضيل.

المصدر : الجزيرة