شركات ناشئة نعم.. ولكن أعينها على الفضاء

حاملات صواريخ خلال التصنيع في مصنع أسترا في كاليفورنيا (نيويورك تايمز)

عندما أجرت ليزا ريتش مكالمة مع المستثمرين في مارس/آذار لجمع الأموال لشركة أورفندل أكوزشن (Aurvandil Acquisition)، وهي شركة تشتري الشركات الناشئة التي تركز على تكنولوجيا الفضاء، كان هدفها هو جلب عدة ملايين من الدولارات.

ووصلت ريتش، عضوة مجلس إدارة أورفندل إلى هدفها تقريبا في غضون ساعة واحدة، وقالت ضاحكة "هذا لا يحدث عادة".

وقد سافر ريتشارد برانسون إلى الفضاء يوم الأحد على متن سفينة بنتها شركته فيرجن غالاكتيك (Virgin Galactic). أما جيف بيزوس، الذي استقال من منصبه كرئيس تنفيذي لشركة أمازون (Amazon) يوم الاثنين، فمن المقرر أن يقوم برحلة فضائية بعد عدة أيام في مركبة فضائية بنتها شركته بلو أورجن.

كما أبرمت شركة سبيس إكس (SpaceX) التابعة لايلون ماسك صفقة مع الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء لإنزال الأميركيين على سطح القمر.

لكن أباطرة المال هؤلاء ليسوا هم الأشخاص الوحيدين الذين تنظر أعينهم إلى السماء.

بيتر فوربس أثناء عمله في مصنع أسترا بكاليفورنيا (نيويورك تايمز)

حيث يخصص المستثمرون أموالاً أكثر من أي وقت مضى في تكنولوجيا الفضاء. وقد جمعت الشركات الناشئة في مجال الفضاء أكثر من 7 مليارات دولار في عام 2020، أي ضعف المبلغ الذي جمعته قبل عامين فقط، وفقًا لشركة تحليلات الفضاء برايس تك (BryceTech). وقالت كاريسا كريستنسن، الرئيسة التنفيذية لشركة برايس تك، إن هذا الاتجاه سيستمر هذا العام كذلك.

وتذهب أكبر الصفقات إلى الشركات التي تطلق صواريخ في الفضاء، مثل سبيس إكس وريليتفتي سبيس (Relativity Space)، اللتين أعلنتا الشهر الماضي عن 650 مليون دولار من الأموال الجديدة، بعد يوم واحد من إعلان بيزوس أنه سيطير إلى الفضاء.

لكن الشركات الناشئة في كل قطاع من قطاعات صناعة الفضاء، بما في ذلك الإطلاق والاتصالات عبر الأقمار الصناعية ودعم الحياة البشرية وسلاسل التوريد والطاقة، تحظى باهتمام المستثمرين.

فقد أبرمت أسترانيس (Astranis)، وهي شركة إنترنت عبر الأقمار الصناعية، صفقة بقيمة 280 مليون دولار في أبريل/نيسان، وجمعت أكسيوم سبيس (Axiom Space)، التي تهدف إلى بناء أول محطة فضاء تجارية، 130 مليون دولار في فبراير/شباط.

وقال غابي دومينونتشيلو، الشريك المؤسس لشركة أومبرا (Umbra)، وهي شركة ناشئة تطور أقمارًا صناعية مصممة لالتقاط الصور بغض النظر عن الطقس أو ظروف الإضاءة "لم أر سوقًا مثل هذه مطلقًا".

وتابع "منذ العام الماضي، تلقيت عددا من المكالمات الهاتفية، فعادةً ما تقوم الشركة الناشئة بإجراء مكالمة هاتفية مع المستثمرين. الآن الأمر عكس ذلك تمامًا".

مصنع أسترا في كاليفورنيا (نيويورك تايمز)

ويقول العديد من المديرين التنفيذيين والمحللين والمستثمرين إن الازدهار الحالي هو مدفوع جزئيًا بالتطورات التي جعلت من السهل على الشركات الخاصة، وليس الدول فقط، تطوير تكنولوجيا الفضاء وإطلاق المنتجات إلى الفضاء.

أما أسترا (Astra)، وهي شركة ناشئة تأسست في عام 2016، فتريد أن تجعل الانتقال إلى الفضاء أمرا أكثر يسرا من خلال تقديم عمليات إطلاق أصغر وأكثر تواترًا، ووضع نفسها كحجر بناء في صناعة الفضاء على غرار دور الحوسبة السحابية في تمكين الشركات الناشئة على شبكة الانترنت.

وتتنافس الشركة فيما يسمى بسوق الإطلاق الصغير مع شركات ناشئة أخرى أو شركات أكثر رسوخًا مثل روكيت لاب، ولكنها تأمل في التميز من خلال استهداف عمليات إطلاق أصغر وأرخص.

وقد حددت أسترا أول عملية إطلاق لها بحمولة هذا الصيف ولديها 50 عملية إطلاق بموجب عقد، بما في ذلك لمصلحة شركة بلانيت ولمصلحة ناسا.

وقال كريس كيمب، الرئيس التنفيذي لشركة أسترا، إن الشركة تسد هذه الفجوة في السوق حيث لديك المئات من هذه الشركات، ولديها جميعًا تقنيات جديدة تطورها، ولا ترغب في الانتظار حتى العام المقبل حتى تتمكن سبيس إكس من نقلك إلى هناك".

وتابع "حتى لو كان الأمر مجانيًا، وحتى لو دفعت لي سبيس إكس المال للانتظار لمدة عام، فإن قيمة التمكن من الوصول إلى الفضاء الشهر المقبل مباشرة أمر له قيمة لا تُصدق بالنسبة لشركة ناشئة تنفق ملايين الدولارات شهريًا".

كريس كيمب، الرئيس التنفيذي لأسترا في أنفاق الاختبار في القاعدة الجوية السابقة في ألاميدا بولاية كاليفورنيا (نيويورك تايمز)

وأما سبيس إكس فهي أيضًا تعمل على تحقيق إنجاز مهم آخر، صواريخ مثل "فالكون 9″، التي تحتوي على معزز قابل لإعادة الاستخدام، ومثل "ستارشيب" (Starship)، مصممة لتكون قابلة لإعادة الاستخدام بالكامل. وفي مايو/أيار، أطلقت سبيس إكس أحدث وآخر نموذج من صاروخ "ستارشيب" الذي هبط بنجاح للمرة الأولى.

وقال ريتش، وهو أيضًا مؤسس شركة هميسفير فينتشرز (Hemisphere Ventures)، التي استثمرت في شركات الفضاء منذ عام 2014، وهو رئيس العمليات في شركة إكسبلور (Xplore)، الشركة التي تصمم البعثات المدارية، "إن القدرة على إعادة استخدام شيء ما وجعله استمراريا وموثوقًا به هو تحول جذري في صناعة الفضاء".

وكانت الموجة الأخيرة من الصفقات مدفوعة جزئيًا بمجموعة من شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة مثل شركة أورفانديل التابعة لريتش. والغرض الوحيد من هذه الشركات الوهمية المتداولة علنًا، والمعروفة باسم "سباكس" (SPACs)، هو شراء واحدة أو أكثر من الشركات الخاصة. ولقد كانت واحدة من أهم الاتجاهات في عالم المال خلال العام الماضي.

ومن وجهة نظر الشركة الناشئة، يعد الدمج مع أي شركة سباكس طريقة فعالة لجمع مبالغ كبيرة في مرحلة مبكرة، كما أنه يغير حسابات المستثمرين.

وابتعد بعض المستثمرين عن الشركات الناشئة في مجال الفضاء في الماضي لأن التكنولوجيا غالبًا ما تستغرق وقتًا أطول بكثير للتطوير ولتحقيق الإيرادات عن البرمجيات مثل خدمة وسائل التواصل الاجتماعي أو أحد التطبيقات.

وقال دومينوتشيلو من أمبرا "إذا كنت تعمل في شركة برمجيات ونشرت تطبيقًا ولكنه لم ينجح، فما عليك سوى إنشاء تطبيق جديد. وقد يكلف هذا الفشل شهرًا أو شهرين من الوقت". وتابع "أما إذا كان لديك قمر صناعي، فأنت تنفق ملايين الدولارات فقط، وإذا فشل هذا القمر الصناعي، فقد خسرت سنوات".

كريس كيمب أثناء وجوده في أنفاق الاختبار بالقاعدة الجوية السابقة والتي أعيد تأهيلها لتناسب شركته (نيويورك تايمز)

لكن شركات الاستحواذ الخاصة تسمح للشركات بالاكتتاب العام في وقت أبكر من الطرح العام الأولي التقليدي، مما يمنح المستثمرين فرصة للاستفادة ماليا في وقت مبكر. وغالبًا ما تستند قيمة الشركة المدرجة جزئيًا على توقعات النمو لا على الإيرادات الفعلية.

وأعلنت 10 شركات في صناعة الفضاء عن خطط لدمج مع شركات استحواذ خاصة، 7 منها في عام 2021 وحده. وشركة بلانيت (Planet ) وأسترا من بين الشركات السبع.

ومطلع الشهر، أعلنت شركة بلانيت عن اندماجها مع "دي إم واي تكنولوجي غروب آي في" (dMY Technology Group IV) والتي من المتوقع أن تجمع 434 مليون دولار.

وسيؤدي الاندماج مع هوليسيتي (Holicity) إلى تزويد أسترا بحوالي 489 مليون دولار نقدًا، مما يسمح لها بالتوسع بسرعة كافية لمواكبة ما تسميه كيمب طلبًا "لا يشبع على الإطلاق".

وقال "عندما تصل إلى النقطة التي تحتاج فيها إلى نصف مليار دولار من رأس المال لبناء مصنع للصواريخ، فعليك الدخول في الاكتتاب لأنك قد تجاوزت مرحلة تمويل المشروع". وتابع "هذه هي المنطقة التي تلعب فيها شركات الاستحواذ بشكل جيد حقًا".

وقد بدأت أسترا عملية الاندماج في ديسمبر/كانون الأول وتم طرحها للاكتتاب العام في بورصة ناسداك أول الشهر.

وفي الإجمالي، تم جمع 3.9 مليارات دولار من خلال 9 صفقات لشركات الاستحواذ الخاصة، وبلغت قيمة الشركات المجمعة 20 مليار دولار، وفقًا لكريستنسن من برايستك.

ويتوقع المستثمرون والمؤسسون والمحللون أن تستمر صناعة الفضاء في التوسع بسرعة. وقدّر مورغان ستانلي (Morgan Stanley) أن الفضاء سيكون صناعة بقيمة تريليون دولار بحلول عام 2040، ارتفاعًا من 350 مليار دولار في عام 2020.

© مؤسسة نيويورك تايمز 2021

نقلتها للعربية صفحة ريادة-الجزيرة نت

المصدر : نيويورك تايمز