تطوير اتفاقيات الغاز بين مصر وإسرائيل.. من يتضرر ومن المستفيد؟

اتفاق مصري إسرائيلي لربط حقل غاز "ليڤياثان" بوحدات إسالة الغاز الطبيعي بمصر

الغاز الإسرائيلي يتدفق في السوق المحلي المصري المتشبع بالغاز ليحل أزمة فائض الإنتاج الإسرائيلي تصوير خاص لمواطنين مصريين يحملون اسطوانات الغاز ـ أرشيف ـ مصر
الغاز الإسرائيلي يتدفق بالسوق المحلي المصري المتشبع بالغاز ليحل أزمة فائض إنتاج تل أبيب (الجزيرة-أرشيف)

أكد مختصون بشؤون الطاقة أن تطوير التعاون بين مصر وإسرائيل حول غاز المتوسط لفائدة إسرائيل في المقام الأول، في وقت تسعى مصر من وراء الاتفاق إلى التحول إلى مركز إقليمي للغاز المسال، وينال قطاع غزة الفلسطيني بعض المكاسب من الاتفاق بشروط.

واتفق وزير البترول المصري طارق الملا مع وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتس، خلال لقائه الأحد الماضي في تل أبيب، على العمل حول اتفاقية حكومية لربط حقل غاز "ليڤياثان" في إسرائيل بوحدات إسالة الغاز الطبيعي بمصر عن طريق خط الأنابيب البحري.

وأكد بيان لوزارة البترول المصرية أن لقاء الملا شتاينتس شهد محادثات حول "دعم التعاون المشترك في مجال الطاقة" لإنشاء بنية تحتية للطاقة مترابطة وقوية في منطقة شرق المتوسط بهدف "تعظيم موارد واحتياطيات الغاز الطبيعي في المنطقة".

وناقش الوزيران عددا من الفرص المختلفة لاستقلال الطاقة للفلسطينيين من خلال عدة مشروعات مثل تنمية حقل غزة البحري، وإنشاء محطة للطاقة الكهربائية في مدينة جنين، وإمداد الغاز الطبيعي للفلسطينيين.

نتنياهو على الخط

أشارت صفحة إسرائيل بالعربي على فيسبوك إلى استقبال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في مقر رئاسة الوزراء الوزير المصري.

ورحب نتنياهو في مستهل اللقاء بالملا قائلا "الرجاء نقل تحياتي الحارة إلى صديقي فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، هذا هو يوم مهم يمثل التعاون المتواصل بيننا في مجال الطاقة وفي مجالات كثيرة أخرى".

وأضاف "نعتقد أن عصرا جديدا من السلام والازدهار يسود حاليا (…) هذا بدأ بطبيعة الحال باتفاقية السلام التاريخية التي وقعت بين مصر وإسرائيل، ولكن هذا يتحول الآن إلى ما يمكن له أن يحسن الأوضاع الاقتصادية عند جميع شعوب المنطقة".

وتابع رئيس الوزراء "نعتقد أن هذه فرصة هائلة لتحقيق تعاون إقليمي بين مصر وإسرائيل والدول الأخرى، نحن نشكل مركزا إقليميا للطاقة، معا سنستطيع توفير ليس احتياجاتنا فحسب وإنما احتياجات دول كثيرة أخرى أيضا".

ورد عليه الوزير المصري "سيدي دولة رئيس الوزراء نتنياهو، شكرا لكم على استقبالنا وعلى الدعوة، نحن مع الوزير شتاينتس شرعنا قبل عدة سنوات بتوسيع رقعة التعاون في مجال الطاقة، الذي تعزز عبر تشكيل منتدى غاز شرق المتوسط".

تقول الصحفية المختصة بالشؤون العبرية سارة شريف إن تقارير تحدثت قبل أسابيع عن "زيارة نتنياهو لمصر" ثم لم يحدث شيء، حيث كان مقرراً إجراء زيارة بالفعل، وطلب نتنياهو زيارة مصر، على أن تكون قبل الانتخابات المقررة بإسرائيل في مارس/آذار المقبل، ودفع لها بقوة لمساعدته في كسب أصوات بالانتخابات.

وتابعت: أما الحديث في الكواليس فكان يدور حول أن السيسي وضع شرطًا لاستقبال نتنياهو وهو "تقديم شيء للقضية الفلسطينية" مثل إعلان الالتزام بالدولتين، ورفضت مصادر مقربة من نتنياهو التعليق على صحة ما قيل.

وأكدت الصحفية -في صفحتها على فيسبوك- أن زيارة وزير الطاقة المصري الأحد لإسرائيل لا يمكن فصلها عن هذا السياق.

لمصلحة إسرائيل

يقول خالد فؤاد الباحث السياسي والمتخصص في شؤون الطاقة وقضايا الشرق الأوسط إن التعاون المصري الإسرائيلي في مجال الطاقة قديم ويعود لصفقة تصدير الغاز المصري في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك في 2005، مؤكداً أن التعاون الحالي يخدم المصالح الإسرائيلية بدرجة كبيرة ولا يخدم مصر على المدى البعيد.

وتابع -بحديثه للجزيرة نت- أنه من المتوقع، الرغم من اكتشافات الغاز المصرية، أن ينتهي الاكتفاء الذاتي المصري من الغاز في غضون سنوات، وهذا يعني اعتماد مصر في جزء من استهلاكها المحلي على واردات الغاز القادمة من إسرائيل، مما يمثل تهديداً للأمن القومي المصري نظراً لطبيعة العلاقات بين الجانبين.

ومصر منذ مارس/آذار وحتى أكتوبر/تشرين الأول الماضي لم تصدر للخارج سوى شحنتين فقط في يوليو/تموز وأكتوبر/تشرين الأول الماضيين، وبالتالي تدفقت معظم كميات الغاز الإسرائيلي (المخصصة للتصدير العام الماضي) للسوق المحلي مما يعني خسائر اقتصادية لمصر -بحسب المتحدث- في ظل حقيقة أن اكتشاف حقل "ظهر" حقق لمصر الاكتفاء الذاتي وأصبح لديها فائض يمكن تصديره عن طريق محطات التسييل في "إدكو ودمياط" شمالاً.

ولفت الباحث إلى أن الهدف المعلن لمنتدى غاز شرق المتوسط هو التعاون والتنسيق بين دول شرق المتوسط في تصدير واستيراد الغاز، والواقع أن المستفيد الأول من المنتدى هو إسرائيل الساعية لتصدير ما لديها من غاز عبر فتح مسارات مع دول المنتدى ومنها مصر والأردن، كما أن لدى تل أبيب شراكة مع قبرص في بعض الحقول وتسعى لإنشاء خط "East Med" مع اليونان وإيطاليا.

وأكد أن إسرائيل تجني أرباحاً اقتصادية وجيوسياسية على حساب مصر ودول المنطقة باستقبال النفط الإماراتي عبر خط إيلات عسقلان، مما يؤثر على عائدات قناة السويس ويقلل أهمية القناة وينعكس مباشرة على أمن مصر القومي وأهميتها، إذ تمر 10% من تجارة النفط والغاز العالمية عبر هذه القناة.

وقال الباحث إن السعي الجاد لإنشاء خط "East Med" ينعكس مباشرة على تموضع مصر كمنصة إقليمية لتصدير الغاز، ويقدم الخط في حال إنشائه فرصة لإمداد إسرائيل بجزء من احتياجات أوروبا من الغاز بطريقة أسهل وأسرع وأرخص من محطات التسييل المصرية.

 تركيا وفلسطين

أوضح الباحث السياسي والمتخصص في شؤون الطاقة وقضايا الشرق الأوسط أن مساحة التعاون بين مصر وإسرائيل لا تؤثر بشكل مباشر على تركيا، لكن منتدى غاز شرق المتوسط -الذي يجمع عدة دول شرق المتوسط من بينها مصر وإسرائيل وليس من ضمنها تركيا- يبدو وكأنه تحالف لمواجهة أنقرة.

والمشكلة الرئيسية لدى أنقرة متعلقة بترسيم الحدود البحرية، وتعيين المناطق الاقتصادية الخالصة مع اليونان وقبرص. والخلاف هنا على مساحات شاسعة ترى تركيا أنها ضمن حدودها البحرية، وبالتالي من حقها الاستكشاف واستخراج النفط والغاز منها -برأي الباحث- وبالتالي فإن المنتدى بشكله الحالي يساهم في تعميق الأزمة بين تركيا من جهة وبين اليونان وقبرص من جهة أخرى.

أما بالنسبة لحقل غاز "غزة مارين" المكتشف منذ عقدين، فلم يتم تطويره لاستخراج احتياطات الغاز التي تزيد قليلاً على تريليون قدم مكعب بسبب الصعوبات والعراقيل التي تفرضها سلطة الاحتلال، وفق الباحث.

وبطبيعة الحال فإن استغلال وتطوير حقل "غزة مارين" يمكن أن يسهم في زيادة دخل السلطة الفلسطينية وحل مشاكل الكهرباء في قطاع غزة والضفة الغربية، غير أن الباحث يستدرك بالقول إن هذا الأمر يظل دوما مرتبطاً بالحالة السياسية وبرغبات الاحتلال في استمرار الوضع الحالي واستخدام ورقة الحقل بالمفاوضات مع الفلسطينيين.

وأعرب الباحث المتخصص في شؤون الطاقة وقضايا الشرق الأوسط عن توقعه ألا يشهد تطوير الحقل تقدماً دون تحسن ملف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

وقد وقعت مصر والسلطة الفلسطينية، مؤخراً، على مذكرة تفاهم بشأن تطوير حقل الغاز الطبيعي في نطاق قطاع غزة.

المصدر : الجزيرة