أكبر مستورد في العالم.. هل ستواجه مصر أزمة في توفير القمح؟

تعوّل الحكومة المصرية على الاحتياطي الموجود لديها لحين انخفاض الأسعار، حيث كشف وزير التموين المصري أن احتياطي البلاد الإستراتيجي من القمح يكفي لمدة 5.5 أشهر فقط.

مصر أكبر مستورد للقمح في العالم
تستورد مصر نحو 12 مليون طن سنويا من القمح بنحو 3 مليارات دولار (الجزيرة)

واصلت أسعار الدقيق ارتفاعها في مصر -أكبر مستورد للقمح في العالم- بسبب ارتفاع أسعار القمح، ترافقا مع أزمة الطاقة التي ألقت بظلالها على سلاسل إمدادات السلع حول العالم.

وتحت ضغط نقص المعروض وارتفاع الأسعار بشكل "غير عادي"، اضطرت الحكومة المصرية إلى إلغاء مناقصة لشراء القمح، قبل أيام، للمرة الرابعة خلال العام الجاري، طبقا لوكالة بلومبيرغ (Bloomberg) الأميركية.

وأضافت الوكالة -نقلا عن الهيئة العامة للسلع التموينية في مصر- أنها ألغت مناقصة الثلاثاء الماضي، حيث جاءت العروض أعلى من المتوقع، مشيرة إلى أن المشتريات متأخرة بالفعل بشكل كبير عن وتيرة العام الماضي.

وانعكس ارتفاع أسعار السلع الغذائية على معدلات التضخم في مصر، التي تستورد أكثر من 60% من احتياجاتها، وسط توقعات بزيادة أسعار جميع السلع الغذائية المرتبطة بالقمح مثل الخبز والمخبوزات بأنواعها، والمعكرونة بأنواعها، والحلوى.

وزاد معدل التضخم السنوي لإجمالي الجمهورية بنسبة 8% لشهر سبتمبر/أيلول الماضي مقابل 3.3% للشهر ذاته من العام السابق 2020، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

وأضاف الجهاز (حكومي) أن معدل التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن المصرية قد ارتفع إلى 6.6% في سبتمبر/أيلول من 5.7% في أغسطس/آب الماضيين.

ارتفع سعر الدقيق بشكل كبير بالتزامن مع بدء الموسم الدراسي - تستورد مصر نحو 12 مليون طن سنويا من القمح بنحو 3 مليارات دولار
ارتفع سعر الدقيق ارتفاعا كبيرا بالتزامن مع بدء الموسم الدراسي (الجزيرة)

وقال وكلاء لعدد من شركات مطاحن الحبوب في مصر للجزيرة نت إن أسعار الدقيق في ارتفاع مستمر بشكل ملحوظ منذ أغسطس/آب الماضي، وقد زادت بالتزامن مع ارتفاع الطلب المحلي بسبب بدء الموسم الدراسي.

وقفزت الأسعار منذ ذلك التاريخ بأكثر من 25%، ويتراوح سعر الطن ما بين 7 آلاف جنيه و9 آلاف جنيه (الدولار يساوي 15.7 جنيها) للطن الواحد ارتفاعا من 5500 جنيه و7 آلاف جنيه للطن بحسب النوع والجودة.

وبحسب بلومبيرغ، ارتفع متوسط السعر الذي تدفعه الحكومة المصرية منذ بدء عمليات الشراء لهذا الموسم بنحو مئة دولار، بالإضافة إلى مشكلة ارتفاع تكاليف الشحن، في وقت يواجه فيه العالم أسوأ أزمة جوع منذ 15 عامًا وأزمة طاقة تهدد بجعل الأمور أسوأ.

وتبلغ فاتورة استيراد القمح نحو 3 مليارات دولار سنويا، وتستورد مصر نحو 12 مليون طن سنويا (حكومي وخاص)، وتستهلك قرابة 20 مليون طن من القمح سنويا من بينها نحو 9 ملايين طن لإنتاج الخبز المدعوم الذي يُصرف على البطاقات التموينية لإنتاج ما يقرب من 270 مليون رغيف يوميا.

خيارات الحكومة

يقول الدكتور عبد التواب بركات مستشار وزير التموين المصري الأسبق إن ارتفاع أسعار القمح في السوق الدولية يتزامن مع موجة الأسعار العالية وتراجع الكميات المتاحة للتصدير لمجموعة السلع الأساسية التي تشتريها دول المنطقة من الخارج، وعلى رأسها قمح الخبز وزيوت الطعام الذي تستورده مصر بنسبة 90% والذرة الصفراء المستخدمة في إنتاج العلف الحيواني، والدجاج.

وتوقع في حديثه للجزيرة نت أن ينعكس ارتفاع أسعار القمح في السوق الدولية بالسلب على حجم وسعر "الفينو" (رغيف الخبز)، حيث يستورد القطاع الخاص أكثر من 5 ملايين طن بالدولار، مشيرا إلى أن الحكومة تتغلب على المشكلة من خلال شراء قمح أقل جودة، لكنه حذر من تأثيره السيئ على الصحة العامة.

ولم يستبعد عبد التواب -وهو خبير في الاقتصاد الزراعي- أن تعمل الحكومة على تخفيض دعم الخبز بطرق ملتوية وغير مباشرة مثل حرمان المواليد الجدد والأطفال بعد طفلين من عدم أسرهم، وحذف عدد إضافي من المستفيدين، وخفض وزن رغيف الخبز.

وفي أغسطس/آب الماضي، رصد مقال للكاتبة كلار ويليو -مراسلة صحيفة "لاكروا" (la croix) الفرنسية في القاهرة- تأثير ارتفاع سعر طن الدقيق -الذي سجل 6 آلاف جنيه للطن حينها بعد أن كان 4 آلاف جنيه- سلبا على المصريين باعتباره السلعة الإستراتيجية في البلاد.

 

مشكلة مزدوجة

واعتبر الخبير الاقتصادي أحمد ذكر الله أن ما يجري يكشف مساوئ الاعتماد على الاستيراد لتغطية الاحتياجات الأساسية من السلع الإستراتيجية، وقال إن "القمح يشكل نسبة لا يستهان بها من الواردات المصرية، ومن نفقات الموزانة العامة للدولة".

وأوضح في تصريحات للجزيرة نت أن ارتفاع أسعار القمح جاء بسبب تأثر سلاسل الإمداد والتوريد العالمية بأزمة الطاقة، وتراجع الإنتاج الزراعي في العديد من الدول المنتجة مثل روسيا والولايات المتحدة نتيجة التغيرات المناخية الأخيرة.

ورأى أن مصر تواجه مشكلة مزودجة، الأولى تتعلق بتوفير المنتج، والثانية متصلة بارتفاع سعره، مما يشكل ضغوطا كبيرة على الموازنة التي تعاني من العجز المستمر، وستنعكس بالسلب على أسعار الغذاء في مصر وارتفاع التضخم.

وقال محمد فوزي، عضو مجلس إدارة غرفة الدقهلية ورئيس أصحاب المخابز البلدية والإفرنجية، في تصريحات صحفية إن زيادة أسعار طن الدقيق منذ مطلع الشهر الحالي ستؤثر سلبا على طريقة تسعير ووزن المنتجات والمخبوزات الإفرنجية المختلفة وفي مقدمتها "فينو" خبز المدارس والسندويتشات.

وتعوّل الحكومة المصرية على الاحتياطي الموجود لديها لحين انخفاض الأسعار، حيث كشف وزير التموين المصري علي المصيلحي أن احتياطي البلاد الإستراتيجي من القمح يكفي لمدة 5.5 أشهر فقط.

المصدر : الجزيرة