في ذكراها العاشرة.. هذا ما تحقق من المطالب الاقتصادية لثورة يناير بمصر

ارتفاع معدلات الفقر في مصر عما كانت عليه قبل الثورة-تصوير زميل مصور صحفي ومسموح باستخدام الصورة
ارتفاع معدلات الفقر في مصر عما كانت عليه قبل ثورة يناير (الجزيرة)

إلى جانب الحرية، كان مطلب تحسين الأوضاع الاقتصادية حاضرا في الهتاف الأبرز لثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011: "عيش، حرية، عدالة اجتماعية"، وبعد 10 سنوات من ثورة المصريين، ظل المطلب كما هو محصورا في إطار الهتاف الذي لا يقدر أحد الآن على مجرد ترديده.

لم تقف الأمور عند حد الجمود على ما كان قبل عقد من الزمن، بل ساءت الأوضاع الاقتصادية مقارنة بعهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، وفق الإحصاءات الرسمية، رغم تبني الرئيس عبد الفتاح السيسي عددا ضخما من المشروعات التي وصفها بالتنموية منذ توليه حكم البلاد قبل 8 سنوات.

والتناقض بين المضي في طريق المشروعات وازدياد المعاناة المعيشية للمواطنين، يطرح تساؤلات حول مسار أهداف  ثورة يناير الاقتصادية، والأسباب التي صنعت ألما جديدا للفقراء.

اقتصاد مبارك

كان الملف الاقتصادي من أسوأ الملفات التي أدارها نظام الرئيس الراحل حسني مبارك، والتصق بذلك العهد الاتجاه بقوة ناحية بيع الشركات والمصانع المملوكة للقطاع العام، فيما عُرف بالخصخصة.

وبحسب الإحصاءات الرسمية في عام 2010، بلغ معدل النمو نحو 5%، ووصل الناتج الإجمالي إلى 187.3 مليار دولار، بينما كان الدين الخارجي حوالي 33.6 مليار دولار، وهو ما يقترب من قيمة الاحتياطي النقدي في ذلك الوقت، ووصل الدين المحلي 888.7 مليار جنيه، ليترفع الدين العام إلى نحو 80% من الناتج المحلي.

ورغم ما تبدو عليه الأرقام من تماسك اقتصادي إلى حد ما، إلا أن المواطنين لم يشعروا بذلك التماسك في حياتهم العادية، وبحسب بيانات رسمية فقد وصلت نسبة المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر إلى 25%.

وفي تقرير لمعهد كارنيغي عام 2012 عن "اقتصاد مصر قبل ثورة يناير"، فإن ثمار ذلك النمو لم تتسرّب إلى المجموعات ذات الدخل الأدنى، فبلغ المتوسط السنوي لنصيب الفرد الواحد من الناتج المحلي الإجمالي عام 2010 نحو دولارين بأسعار ذلك الوقت.

كما لم توفر معدلات النمو فرص العمل المطلوبة، إذ بلغ متوسط معدل البطالة نحو 12% في الفترة من عام 2009 وحتى عام 2016، وأرجع متخصصون اقتصاديون ذلك إلى أن النمو لم يرتبط بأنشطة كثيفة العمل، ولم يتزامن مع تغيرات هيكلية في سوق العمل.

وارتفع معدل التضخم إلى 10% في عام 2010، وأكد تقرير لغرفة الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات في ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، استمرار ارتفاع  أسعار السلع الأساسية مثل السكر والقمح والأرز.

التوسع الاقتصادي في مصر لصالح الأغنياء وليس الفقراء حسب مراقبين-تصوير زميل مصور صحفي ومسموح باستخدام الصورة
بحسب مراقبين، فإن التوسع الاقتصادي في مصر جاء لصالح الأغنياء لا الفقراء (الجزيرة)

بعد الثورة

مع مسار طويل من التقلبات السياسية في البلاد والتي انعكست بدورها على المناخ الاقتصادي، أصبحت مصر بعد 10 سنوات من ثورة يناير، تعاني اقتصاديا -وفق خبراء- بشكل مضاعف مقارنة بعهد مبارك.

هذا التدهور الاقتصادي يمكن لمسه في تفاقم الديون الخارجية التي وصت إلى 125 مليار دولار، والديون الداخلية التي بلغت أكثر من 4 تريليونات جنيه مصري، بينما سجلت معدلات النمو نسبة 3.5% في عام 2019-2020.

وعلى إثر المعاناة الاقتصادية، اضطرت مصر في منتصف عام 2016 إلى الدخول في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار، ووافق الصندوق بشروط اعتُبرت مجحفة بحق الطبقات الفقيرة في مصر، حيث تضمنت تحرير سعر صرف العملة المحلية وتطبيق سياسات تقشفية منها رفع الدعم عن الطاقة وتقليص العمالة الحكومية.

اللافت أن الديون التي تعبّر عن مأساة يعيشها الاقتصادي المصري، يقابلها مجهود من قبل الحكومة المصرية في إقامة مشروعات يقول عنها المسؤولون إنها بوابة العبور إلى التنمية المستدامة.

ومن تلك المشروعات: مشروع تفريعة قناة السويس الذي كلّف 8 مليارات دولار، والعاصمة الإدارية الجديدة التي وصلت تكلفة الإنشاءات فيها إلى نحو 60 مليار دولار، فضلا عن المشروع القومي للطرق والكباري (الجسور) بأطوال بلغت 7 آلاف كيلومتر، وبتكلفة 175 مليار جنيه (ما يزيد على 11 مليار دولار).

وتوقعت دراسة أعدها المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في يوليو/تموز 2018، بعنوان: "هل التنمية في مصر محض سراب؟"، عدم تعافي الاقتصاد المصري مع غياب أي إصلاحات هيكلية للاقتصاد، وفي ظل ما وصفته بالانتهاكات الواسعة النطاق لحقوق الإنسان في البلاد.

أرقام متناقضة

وبينما كانت الخصخصة هي الملف الأبرز في اقتصاد مبارك، فإن اقتصاد ما بعد الثورة كانت سمته الرئيسية هي تدخل الجيش فيه بشكل اعتبرته تقارير اقتصادية لمنظمات دولية يعوق أي جهد لتطوير سوق فعال.

وبات الجيش يشارك من خلال قطاعاته المتنوعة في العديد من الأسواق المدنية، مثل البناء والإنتاج الغذائي والطاقة، مع غياب أي دور للمنافسة الحقيقية بينه والقطاع الخاص، حيث يستفيد الأول من الإعفاء من الضرائب وتشغيل المجندين بأجر زهيد ومنحه أفضلية الحصول على التوريدات العامة.

ورغم المعاناة الاقتصادية التي يراها الكثيرون، توقع صندوق النقد الدولي حدوث انتعاش قوي للاقتصاد المصري عام 2021-2022، ليصل معدل النمو الاقتصادي إلى 5.6% عام 2024-2025.

صورة2 انتهاكات حقوق الانسان تعيق التنمية في مصر وفق تقارير دولية- قوات أمن بمحيط ميدان التحرير مصر- تصوير زميل مصور صحفي ومسموح باستخدام الصورة
وفق تقارير دولية، فإن انتهاكات حقوق الإنسان أعاقت التنمية في مصر (الجزيرة)

ذلك التناقض بين معدلات النمو المرتفعة وارتفاع نسب الفقر، برره أمين سر لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب عبد المنعم إمام، بإشكالية المنظومة المتوارثة منذ عقود طويلة والخاصة بالعدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة في مصر.

عبد المنعم إمام أشار -في تصريح صحفي- إلى القرارات الاقتصادية التي اتخذتها القيادة السياسية لترسخ النجاح الملفت والمثير لسياسات الدولة التي بدأت منذ 4 سنوات عبر برنامج الإصلاح الاقتصادي الشامل، بحسب وصفه.

ورغم التوقعات العالمية بتعافي اقتصاد مصر، رأى إمام أن هناك أزمة حقيقة بخصوص كيفية شعور المواطن المصري بعوائد التقدم الاقتصادي، مؤكدا ضرورة الانتقال إلى الاقتصاد الحقيقي والجزئي عبر العمل على زيادة الاستثمار، وتنفيذ المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر والمتوسطة لتوفير فرص العمل لفئة متوسطي ومحدودي الدخل.

وتمنى النائب البرلماني أن ينجح البرلمان الجديد في عرض التشريعات المتعلقة بهذا الشأن، بحيث يشعر المواطن المصري بعوائد التقدم الاقتصادي بما يفيد خطط الدولة للتنمية.

لصالح الأغنياء

من جهته، رأى أستاذ الاقتصاد في جامعة أوكلاند الأميركية الدكتور مصطفى شاهين، أن الإنفاق في ظل النظام الحالي يرتبط بالتوسع الاقتصادي لصالح الأغنياء لا الفقراء.

وأضاف -في حديثه للجزيرة نت- أن التوسع لصالح الأغنياء يتم من خلال الإنفاق على مشروعات تخدم هذه الفئة، مثل المدن الكبرى كمدينة العلمين الجديدة والعاصمة الإدارية والطرق الواصلة بينهما، وهو ما يفسر التوقعات بتسارع معدلات النمو.

وأوضح أن المشروعات التي يتم العمل عليها تصب في قطاع واحد، وهو البنية التحتية، مع ثبات الإنفاق على قطاعي الصحة والتعليم مما أدى إلى تدهور حاد في هذين القطاعين.

بدوره رأى الخبير الاقتصادي الدكتور عبد النبي عبد المطلب، أن ثورة يناير لم تحقق أهدافها سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي.

وأوضح -للجزيرة نت- أن مؤشرات الاقتصاد المصري تتراجع، سواء في معدلات النمو أو الدين الخارجي أو نسب الفقر أو هيكل الأسعار، مشيرا إلى ارتفاع الأسعار بنسب تقترب من 200% لبعض السلع الأساسية مثل الأرز والسكر والزيت والأدوية والأجهزة الكهربائية.

كما ارتفعت أسعار الخدمات كالكهرباء والمياه والاتصالات والمواصلات بنسب تتراوح بين 50% و200%.

وقال عبد المطلب "صحيح أن جائحة كورونا ساهمت في منع الاقتصاد المصري من تحقيق انطلاقة عام 2020، إلا أن مقارنة بيانات الفترة من عام 2005 إلى 2010، توضح أن مؤشراتها الاقتصادية كانت أفضل من مؤشرات الفترة 2015-2020".

وبالنسبة للمشروعات التي نفذتها الحكومة ويفترض أنها تنموية ولكنها لم تلق بظلالها على معدلات الاقتصاد، أكد الخبير الاقتصادي أن تلك المشروعات توظف عمالة مؤقتة وغير مستديمة، كما أنها تستهدف إعداد البنية الأساسية لجذب الاستثمار الأجنبي وتشجيع الاستثمار المحلي على التوسع.

وأضاف أن الاستثمار الذي يخلق فرص عمل دائمة ويزيد الدخول هو ما يؤدي إلى تقليل أعداد الفقراء.

المصدر : الجزيرة