إيران.. تنامي اقتصاد الظل مع إجراءات الإغلاق للحد من كورونا

إيران بدأت تطبيق خطة الإغلاق الشامل في 21 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري للحد من انتشار فيروس كورونا (مواقع التواصل الاجتماعي)

في الشارع الرئيسي بحي "دولت آباد" العربي جنوبي العاصمة الإيرانية طهران، يركن "جاسم" سيارته أمام إحدى صالات الحلاقة المغلقة أبوابها، وبعد مكالمة قصيرة یجريها، تفتح الأبواب ليدخل المحل بعد خروج زبون آخر، هكذا تبدو الحركة التجارية عقب دخول إيران فترة الإغلاق العام.

الجزيرة نت قامت بجولة ميدانية في العاصمة طهران، بدءا من منطقة "شهر ري" وحي "دولت آباد" جنوبا، مرورا بمنطقة "نواب صفوي" غربا، ومنها إلى شارع "الثورة" وساحة "فردوسي" وسط المدينة، وختاما بشارع "وليعصر" وساحة "تجريش" شمالها.

نشاط خفي

علی الرغم من أن سوق طهران الكبير (البازار) ومراكز التبضع الكبيرة ولا سيما في وسط وشمالي طهران ومعارض بيع الكتب غربها سجلت التزاما كبيرا بتعليمات الإغلاق العام، فإن الحركة التجارية في الأحياء الشعبية والشوارع الفرعية لم تختلف عن الفترات السابقة؛ إذ إن أغلب المحالّ التجارية كانت تزاول نشاطها بشكل اعتيادي.

وقال الشاب مهرداد (28 عاما) بائع الفلافل في شارع "ديلمان" بمنطقة شهر ري، "تضررنا كثيرا خلال الأشهر الماضية دون تلقي أي دعم حكومي يذكر، وإن الإغلاق من جديد يساوي الإفلاس، حيث لم يعد لدينا شيء لتسديد مبالغ الإيجار نهاية الشهر".

وعلى وقع الأصوات المتعالية من خلف الأبواب المغلقة لورش صناعة الأحذية في حي فردوسي وسط طهران، قال العم منوجهر صاحب مقهى للنارجيلة -بعد دخولنا المقهى برفقة أحد زبائنه فور فتح بابه- إن زبائن المقهى يترددون عليه طيلة السنة وإنه اضطر للعمل سرا بعد تلقيه العديد من الاتصالات المطالبة بعودة نشاطه.

المحالّ التجارية في بازار طهران تغلق أبوابها تماشيا مع خطة الإغلاق إلا أن بعضها تستقبل الزبائن خفية (الصحافة الإيرانية)

إغلاق ومساعدات

بدأت إيران تطبيق خطة الإغلاق الشامل السبت الماضي 21 نوفمبر/تشرين الثاني لمدة أسبوعين في 160 مدينة، والإغلاق الجزئي في 288 مدينة أخرى بهدف احتواء الموجة الثالثة من جائحة كورونا.

ويستثني الإغلاق المراكز الصحية، ومحلات توزيع وبيع المواد الغذائية، ووسائل النقل العام، كما تفرض الخطة قيودا على تنقل السيارات الخاصة بين المدن نهارا وبعد التاسعة مساء حتى الرابعة فجرا في طهران، مع فرض غرامات مالية على منتهكي القرار.

كما أقرت اللجنة الوطنية لمكافحة فيروس كورونا، مساعدة الفئات المتضررة جراء الإغلاق بمبلغ مليون ريال إيراني (يعادل نحو 4 دولارات) شهريا أو منحهم قرضا بمبلغ 10 ملايين ريال (يعادل نحو 40 دولارا).

غير أن مراقبين للشأن الإيراني اعتبروا المبالغ ضئيلة جدا ولا تفي بالغرض المنشود، بل تساهم في تنامي اقتصاد الظل الذي سينعكس سلبا على احتواء الوباء.

التزام نسبي

اعتبر النائب في البرلمان الإيراني أستاذ الاقتصاد جعفر قادري، أن نسبة كبيرة من أصحاب المشاغل أبدت التزاما جيدا بتعليمات الإغلاق، معتبرا عدم التزام نسبة وصفها بأنها صغيرة أمرا طبيعيا ولاسيما من قبل أولئك المتضررين الذين يرون أن المبالغ المقدمة لا تعوض نفقاتهم.

وشدد قادري في حديث للجزيرة نت، على أن جائحة كورونا خلفت أضرارا اقتصادية كبيرة جدا، وأن الحكومة تبذل قصارى جهودها للحد من هذه الأضرار على المواطن، مشيرا إلى أن المبالغ المخصصة تشمل شريحة كبيرة جدا من أبناء الشعب وأنها تتطلب ميزانية كبيرة.

وأضاف أن الجهات القائمة على تطبيق إجراءات خطة الإغلاق العام يتعاملون برأفة مع الشرائح المتضررة، ما ساهم في إعادة فتح المحال التجارية التي أغلقت خلال الأيام الأولى من سريان خطة الإغلاق، مؤكدا أن البرلمان وضع معيشة الشعب على رأس سلم أولوياته وأنه ينسق مع الحكومة لاحتواء الأضرار الناجمة عن جائحة كورونا.

وخلافا للمشهد النهاري الذي امتاز بتنامي اقتصاد الظل، فإن شوارع طهران تمسي شبه خالية بعد حلول الساعة التاسعة مساء، حيث يبدأ الحظر على تنقل السيارات الشخصية ويتم إصدار غرامات مالية على منتهكي القرار.

شوارع طهران تمسي شبه خالية خلال ساعات الحظر على تنقل السيارات الخاصة ليلا (مواقع التواصل الاجتماعي)

كاميرات مراقبة

في غضون ذلك، اعتبرت الأكاديمية الباحثة في الشؤون الاجتماعية فرناز ملا محمد، أن سبب التناقض في المشهدين النهاري والليلي يعود لإصدار الغرامات المالية آليا على تنقل السيارات عبر رصدها بواسطة كاميرات مراقبة المرور في الطرق السريعة وبعض الشوارع.

وأشارت إلى اتساع الفجوة بين الشعب والسلطات الإيرانية وانعدام الثقة بينهما خلال السنوات الماضية، على حد قولها.

وأوضحت في تصريح للجزيرة نت، أن المبالغ التي تتحدث عنها الحكومة لمساعدة المتضررين لا تشمل جميع شرائح الشعب، فضلا عن أنها لا تزيد على سعر شراء دجاجة واحدة تقريبا في ظل التضخم وفقدان العملة الوطنية قيمتها.

وخلصت فرناز إلى أن خطة الإغلاق ليست سوى جرعة مهدئة ولن تجدي في الحد من تفشي فيروس كورونا، ولاسيما أن القرار جاء متأخرا وأنها لا ترى التزاما حقيقيا بالتعليمات الصادرة من اللجنة الوطنية لمكافحة الوباء.

ونصحت السلطات المعنية بفرض إغلاق شامل في ربوع البلاد وليس في بعض المناطق دون غيرها، مؤكدة أنه لا يمكن إقناع عامة الناس بتعطيل مصادر رزقها دون تقديم مساعدات تغنيهم عن الاستمرار بالعمل.

المصدر : الجزيرة