الموسيقى الإيرانية.. مقامات الروح في الحرب والسلم

طهران-خاص

"روح الشرق الساحرة".. بهذا عرفت الموسيقى الفارسية الضاربة في جذور التاريخ، وما المنحوتات والرسومات القديمة المتعلقة بحضارات متعددة إلا دليل دامغ على ذلك.

كانت الموسيقى في إيران وما زالت أحد الروافد الأساسية في ثقافة الشعب، ولجأ إليها الزرادشتيون مثلا للتعبير عن طقوسهم الدينية، وكانت نوعا من السلاح المعنوي في ميادين المعركة، وفي قصور الملوك وحفلاتهم الغنائية كانت تعبيرا عن الفرح والانتصار.

تاريخيًا مرت الموسيقى الإيرانية بثلاث مراحل: قبل الإسلام، وبعد الإسلام، والزمن المعاصر (من عهد القاجاريين حتى الآن).

لقد وصلنا القليل عن تاريخ الموسيقى في إيران خلال العصور الماضية حتى عهد الساساني، بخلاف العهد الإسلامي الذي ألّف فيه الكتّاب المسلمون عدة مؤلفات في مجالات مختلفة ومنها الموسيقى.

أبرز مؤلفي ذاك العصر هم أبو نصر الفارابي مع كتاب "الموسیقی الكبیر"، وأبو الفرج الأصفهاني وكتابه "الأغاني"، وصفي الدین أرموي وكتابه "رسالة شرفية"، وعبد القادر المراغي وكتابه "مقاصد الألحان" وقطب الدین شیرازي وكتابه "درة التاج".

أما حالياً فتنقسم الموسيقى الإيرانية إلى نوعين يُعرف الأول بالموسيقى التقليدية أو "سنتي"، وهي قالب من الموسيقى الأصيلة تعزف بآلات تقليدية إيرانية الأصل. أما الثاني فموسيقى البوب التي إما تكون كل آلاتها ذات نمط غربي أو مزيجا من الآلات الغربية والتقليدية.

وفنيا تقوم الموسيقى الفارسية على سبع مقامات أصيلة هي "شور"، "سه كاه"، "جهار كاه"، "همايون"، "ماهور"، "نوا" و"راست بنجكاه"، يثير كل واحد منها لدى المستمع شغفا ممزوجا بالفرح والحزن والتأمل.

للموسيقى الفارسية خمس نغمات أصلية أيضا وهي: "أبو عطا"، "بيات ترك"، "بيات إصفهان"، "أفشاري" و"دشتي". وتم ذكر 280 زاوية لكل هذه المقامات والنغمات في الكتب القديمة، إلا أنه لا يستخدم حاليا منها إلا القليل. كل هذه التقسيمات والقواعد المعاصرة نشأت في عهد القاجاريين (1794- 1925).

تطلبت الموسيقى الفارسية آلات مختلفة ومتنوعة، من أشهرها: نِي، تار، دَف، دو تار، سه تار، كمانجه، تمبك، قانون، سنتور، رباب، طنبور، عود، سرنا، نِي إنبان، دهل، نقارة، طبل، كرنا، وتشنك، التي تستخدم حتى يومنا هذا.

تتهادى الموسيقى الفارسية بين الكثير من الثقافات التي تجمعها حضارة واحدة، وكل منها تستخدم هذه الآلات في الأغاني الفلكلورية الخاصة، ولدى الجميع إيقاعه الخاص في الاستخدام للتعبير عن مشاعره وتاريخه وثقافته العريقة.

ومنها: موسيقي كيلان وتالش في الشمال، والكردية في الغرب، والعربية في الجنوب الغربي، والبندرية عند الساحل الجنوبي، واللورية والبختيارية في الوسط، والبلوشية في الجنوب الشرقي، والخراسانية والتركمانية في الشمال الشرقي، والأذرية في الشمال الغربي.

يقول جان دورينغ المستشرق الفرنسي والباحث في الأدب الفارسي وصاحب كتاب "السنة والتحول في الموسيقى الإيرانية"، إن "الحرية في الإجراء والارتجال، وهما ميزتان يستمتع الملحن والمغني الفارسي في صنعهما، إذ بإمكانهما نقل الأحاسيس والتعابير الشخصية إلى الموسيقى، بالإضافة إلى أن طريقة اللحن والغناء لطيفة وسلسة.. بل هي ميزات لا نراها إلا في الموسيقى الإيرانية".

ويتيح هذا التنوع الموسيقي في إيران لغالبية الشعب أن يستمتع أو يقرأ من الأبيات الشعرية ما يلبي حاجاته للوصول إلى مقصوده الروحي والمادي، والتعبير عما يعجز اللسان عن التعبير عنه.

الموسيقي والأدب نسيج مهم في السياق الثقافي للمجتمع الإيراني يحظى بشعبية أكبر من أي وقت مضى، لكن القيود القانونية والاجتماعية والسياسية في إيران أجبرت البعض على الخروج من البلد والبقاء في الخارج لمتابعة أعمالهم الاحترافية في هذا المجال.

أما النساء في إيران فلا يمكنهنّ الغناء وإقامة الحفلات أمام الرجال، والأمر نفسه مع أولئك الذين ينتقدون الحكومة سياسيا واجتماعيا في أغانيهم، أو ممن يخالفون المعايير السارية في البلد.

في هذه الظروف، يضطر العديد منهم إلى المشي على خيط رفيع بين النقد والرقابة، إلا أن هذه التدابير لم تمنع هذا الجيل من متابعة الموسيقى والموسيقيين وحفلاتهم حتى لو كانوا خارج البلاد.

المصدر : الجزيرة