شعار قسم مدونات

الانتخابات البلدية التركية.. صدمات ومفاجآت

إسطنبول.. كلمة السر في الانتخابات البلدية بتركيا
الحديث عن أفول شمس العدالة والتنمية مرهون بعوامل أخرى غير نتائج الانتخابات البلدية (الجزيرة)

رآها البعض بداية أفول شمس حزب العدالة والتنمية بعد اثنين وعشرين عاما من النجاحات والإنجازات، فحزب العدالة والتنمية الذي بدأ حياته السياسية بالبلدية، وقدم نفسه على أنه خادم الشعب وراعي مصالحه، وتقدم بخطوات ثابتة من خلال تحسين الحياة اليومية للمواطنين، عبر الخدمات المقدمة من خلال البلديات، وألتصق بمخيلة الناخب هذه النجاحات، وقارنها بإخفاقات الاقتصاد، فعاقبه على الإخفاقات الاقتصاد، حتى وهو يعلم أن هناك عوامل خارجية تؤثر في هذا الملف.

الرجل الذي صنع الشعار كسره العام الماضي، بعد أن فاز رغم اقتناص إمام أوغلو بلدية إسطنبول، لذا فإن الحديث عن أن فوز أكرم إمام أغلو بولاية ثانية لا يعني أن خطوته القادمة ستكون في قصر "بشتبيه"

نتائج الانتخابات البلدية مؤشرة وليست مغيرة

على الرغم من أن الانتخابات البلدية لن تسقط الحكومة، ولن ترفع المعارضة، إلا أن لها مؤشرات تؤخذ بعين الاعتبار لا شك، أما مقولة: (من يفوز بإسطنبول يحكم تركيا) فهي مقولة أطلقت بعد أن فاز أردوغان بالبلدية ثم صار رئيسا لوزراء البلاد، فالرجل الذي صنع الشعار كسره العام الماضي، بعد أن فاز رغم اقتناص إمام أوغلو بلدية إسطنبول، لذا فإن الحديث عن أن فوز أكرم إمام أغلو بولاية ثانية لا يعني أن خطوته القادمة ستكون في قصر "بشتبيه" فالحديث عن أفول شمس العدالة والتنمية مرهون بعوامل أخرى غير نتائج الانتخابات البلدية، وإن كانت، تمثل مؤشرات.

صدمات نتائج البلديات

نتائج انتخابات البلدية لهذا الدورة كانت بالفعل صادمة، كما حملت مع صدماتها مفاجآت، أما المفاجآت فكانت خسارة حزب العدالة والتنمية في بلديات كبرى لم يكن ليخسرها مثل ولاية بورصة وولاية كلس وغيرهم، وبلديات صغرى ومنها إسكودار، شاطلجا، أيوب سلطان، والصدمة الأخرى في نتائج حزب الحركة القومية الذي حل خامسا في هذه الانتخابات في ترجع غير مسبوق، ثم كانت الصدمة قاسية على حزبي المستقبل وحزب الديمقراطية والتقدم، بعد أن ظهر الثقل الحقيقي لهما، ما يؤكد نظرة ميرال أكشنار عندما واجهتهم بحقيقة أوزانهما في الشارع أثناء التنسيق في الانتخابات البرلمانية والرئاسية، لكن ميرال نفسها وحزبها صدمت بنتائج الانتخابات، إذ لم تكن أحسن حظا ممن تنمرت عليهما.

مزاج الناخب التركي هذا هو ما وضع نتائج الانتخابات على طاولة كل الأحزاب، ولعل أهم من سيولي هذا المزاج أهمية، هو الحزب الحاكم، والذي يرى التصويت العقابي له، فالحالة الاقتصادية كانت مرهقة

مهرجان المفاجآت في نتائج الانتخابات

حملت الانتخابات البلدية عدة مفاجآت، منها التي عملت عليها المعارضة طوال العام الماضي لإسقاط حزب العدالة والتنمية، فيما تسمى بالطاولة السداسية، ولم ينجحوا جميعا في إسقاط العدالة والتنمية، لكن ما فاجأهم هذه المرة أن الهدف تحقق من دون تنسيق كامل، وإن ظل التنسيق بين حزب الشعب الجمهوري والأكراد ممثلا في حزب الديمقراطية ومساواة الشعوب، الذي أثمر إلى حد بعيد، وأثر في نتائج حزب الشعب الجمهوري، وهو ما عبرت عنه مرشحة الديمقراطية والمساواة في إسطنبول ميرال دانيش بيشتاش، حين صرحت بأن (على إمام أوغلو ألا يظن أن جميع تلك الأصوات كانت له، فهذا ليس صحيحاً، فناخبونا قد أعطوه أصواتهم عقاباً لحزب العدالة والتنمية)، لذا فإن حديث أوزغور أوزيل عن الإنجاز، تحطم على صخرة تصريحات بيشتاش، ومن المفاجآت هي فوز، زينب تشيليك، التي صاحبة الــ 22 عاماً، في ولاية تشناق قلعة، وهو ما يعكس المزاج العام للناخب التركي الذي بدأ يتغير، أما المفاجأة الكبرى فكانت في حزب الرفاة من جديد ونتائجه، وسنفرد له مقال خاص بعون الله.

التصويت العقابي

مزاج الناخب التركي هذا هو ما وضع نتائج الانتخابات على طاولة كل الأحزاب، ولعل أهم من سيولي هذا المزاج أهمية، هو الحزب الحاكم، والذي يرى التصويت العقابي له، فالحالة الاقتصادية كانت مرهقة فعلى الرغم من شكوى الناخب في إسطنبول من أداء رئيسها، مع ذلك صوت لصالحه، فأكرم إمام أوغلو الذي وعد في عام 2019 بأن يخفض سعر مياه المساكن نكس بوعده، ومن ثم أخلف بوعود أخرى مثل ببناء 20 مركزا للأطفال وصحة المرأة، وتعهد بتوزيع الطعام على المدارس والحليب على المدارس الابتدائية مجانا وغيرها من الوعود، كما زاد على نكوصه سوء إدارته للمرافق، وعلى رأسها المواصلات، وعدم وجوده في أغلب ملمات الولاية، مع ذلك عاقب الناخب حزب العدالة في إسطنبول وصوت للمعارضة، وكان رد المواطن في الصندوق.

تراجع الإسلاميين، شريحة حزب العدالة والتنمية الداعمة منذ نشأته الأولى، بنسبة ليست قليلة في تأييد العدالة والتنمية، فزيارة الرئيس أردوغان لجماعة محمود أفندي، لم تشفع للحزب، أمام بعض مآخذ الجماعات الدينية

أسباب تراجع حزب العدالة والتنمية

العامل الاقتصادي، كما ذكرنا، هو أول أسباب تراجع نتائج حزب العدالة والتنمية في هذه الانتخابات، فالناخب التركي الذي يكوى منذ أكثر من عامين بأسعار السلع الأساسية والخدمات وإيجارات المساكن، قرر أن ينتقم، ورغم المحاولات الإصلاحية للعدال والتنمية، فجر الناخب غضبه في وجه الحزب في صندوق الانتخابات.

العامل الثاني هو الشباب الذي لم يستطع الحزب احتواؤه بخطاب مقبول، حتى مع جهود الرئيس في الفترة الماضية، لكن هذه الجهود ذهبت هباء، لأن أحدا لم يستثمر فيها، ويكفي أن نذكر أن سبعة ملايين شاب يمثلون أحد عشرة في المئة صوتوا في هذه الانتخابات.

العامل الثالث أصحاب المعاشات حوالي 12 مليون متقاعد يمثلون ما يزيد على السبعة في المئة، وهي شريحة غاضبة تطالب بزيادة معاشاتها تأسيا بأصحاب الأجور والعاملين، إذ يتقاضى المتقاعد وفق أخر زيادة في 2023 ما إجماليه 5500 ليرة تركية بما يعادل بقمة الدولار في حينها 293.45 دولارا أميركيا، انخفضت هذه القيمة مع انخفاض الليرة وزيادة الأسعار.

العامل الرابع تصويت الأكراد لحزب الشعب الجمهوري في الولايات التي بها الحزب يشكل قوة يمكن الاستفادة من أصوات الأكراد فيها للتغلب على الحزب الحاكم، وهو ما حصل، وقد أوردنا تصريح مرشحة حزب الديمقراطية ومساواة الشعوب في إسطنبول ميرال دانيش بيشتاش في هذا الشأن.

العامل الخامس هو سوء اختيار مرشحي حزب العدالة والتنمية، ولو ضربنا مثلا بإسطنبول، فإن اختيار مراد كروم أمام أكرم إمام أوغلو كان خطأ فادحاً، فكروم رجل تكنوقراط لا يمتلك "كرزمة" مثل سليمان صويلو وزير الداخلية السابق أو علي احسان يووز المحامي والنائب عن ولاية سكريا لدورتين متتاليتين، ونائب رئيس الشؤون الانتخابية، وعلى ذلك قس في أنقرة وإزمير..

العامل السادس هو سوء إدارة الحملة الانتخابية، لاسيما وأن كوادر الحزب لم ترتاح منذ أشهر، حتى أن اختيار الفكرة التي يتجمع عليها الناخبين، وحديثي هنا عن إسطنبول، لم تكن ألمعية، فاللعب على تخويف الناس من الزلزال المدمر الذي ينتظر الولاية مستندا على كارثة فبراير من العام الماضي فهي فكرة مبتذلة، أظنها أتت بنتائج عكسية.

العامل السابع هو تراجع الإسلاميين، شريحة حزب العدالة والتنمية الداعمة منذ نشأته الأولى، بنسبة ليست قليلة في تأييد العدالة والتنمية، فزيارة الرئيس أردوغان لجماعة محمود أفندي، لم تشفع للحزب، أمام بعض مآخذ الجماعات الدينية، سواء على المستوى الداخلي أو على مستوى التحالفات أو على مستوى السياسات وأهمها مسألة الفائدة البنكية.

العامل الثامن هو لعب المعارضة وحلفاء الأمس على وتر خذلان تركيا لفلسطينيين في غزة، فلم يشفع لأردوغان تحركاته السياسية وصدامه المباشر مع رئيس حكومة الاحتلال ودعمه الإنساني للفلسطينيين ومحاولة إدخال المساعدات، فدست المعارضة أكاذيب عن بضائع غذائية وأخرى عسكرية تصدر للاحتلال وزايد البعض عل أن على تركيا أن تحرك جيشها لإنقاذ غزة، متناسين كل المحاذير الدولية والمواجهة المحتملة فيما لو تحركت تركيا في غير ما هو متاح.

العامل التاسع هو سوء أداء إعلام الحزب سواء على مستوى الإعلام التقليدي أو على مستوى الإعلام الجديد فكانت دوما الجولات تنتهي لصالح إعلام المعارضة، وهي حالة مستعصية لم يتجاوزها الحزب منذ سنوات.

العامل العاشر هو تصويت المجنسين المعاكس، فلطالما ناكفت المعارضة في ملف المواطنون الجدد، وأن الهدف من تجنيسهم هو كسب أصوات للعدالة والتنمية، لكن ما حدث منذ 2019 هو العكس، فشريحة ليست بالقلية صوتت بالضد، سواء عقابا لعدم حماية اخوانهم الذين لم يجنسوا من حملات التحريض، أو لترحيل أخرين، ولعل العملية الإرهابية في إعزاز كان لها دور إذ يحمل المجنسين مسئولية أمن المناطق "المحررة" لتركيا، فأرادوا أن يعاقبوا الحزب الحاكم.

الديمقراطية فازت في النهاية ولكن!

في خطاب الشرفة أكد أردوغان على احترام إرادة الناخب التركي، وأن الديمقراطية هي الفائز الحقيقي في هذه الانتخابات، لكن اللافت أن أول من هنئ المعارضة هو وزير خارجية الاحتلال، يسرائيل كاتس، وقال:- (انتهت الانتخابات بهزيمة مرشحي أردوغان، نبارك لأكرم إمام أوغلو في إسطنبول ومنصور ياواش في أنقرة.. نتائج الانتخابات رسالة واضحة لأردوغان.. الهجوم على "إسرائيل" لا ينفع) هذه هي ولكن التي قصدتها وعليك أن تفكر عزيزي القارئ من يريد لشمس العدالة والتنمية أن تأفل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.