شعار قسم مدونات

"سنة رابعة".. غربة

مدونات - الغربة
عدّ السنون في الغربة لم يعد بالأمر الصعب فهنا السنوات تتزاحم سريعًا (مواقع التواصل الاجتماعي)

كعقارب الساعة؛ تحديدًا عقرب الثواني لأنه الأسرع، هكذا تمر السنون من دون تريث أو انتظار، لا تقف لأحدٍ أو عند أحد.

لست بصدد عدِّ السنوات، فمرور الأعوام من دون تغير ما هو إلا تغير في رقم السنة، لهذا لا بدَّ من التجديد.

سبحان الله؛ كيف الله يغير حالنا! 4 سنوات طرقتها أحداثٌ ومتغيرات كثيرة؛ كيف كنتَ منذ أعوام وكيف أنت الآن؟ إن سعيت واجتهدت أن تتغير للأفضل فستحصد ذلك، ومن لم يكن في زيادة فهو في نقصان. اليوم وغدًا، بعد شهر وشهرين؛ هكذا تمرّ الأيام، حتى أسرع من ذلك. نحن الآن في عام 2022، دائمًا أدخل في غفوة وأصحو ولا أستطيع إلا أن أصدق أننا ما زلنا في عام (2018)؛ أتسأل دومًا في أيّ عام نحن؟ لا يزال عام (2018) ثابتا في مخيلتي رغم ثقل الأرقام التي أمامه إلا أن الذكريات قبل ذاك العام أقوى وأثقل من تلك الأرقام.

(2018) كانت سنة تهجيري من بلدي، كنت أعتقد أن كل شيء سيقف حتى أعود وإن لم يقف فسيمشي ببطء، رغم أن ثمة ساعات حَرِجة من الصعب أن تمر بسرعة إلا أنها مرّت كغيرها ولم نشعر بقصرها إلا بعد انتهائها، الآن أشعر بأن الأيام تتسابق مع طرفة العين، والعين لا تكاد تسترق النظرات من الزمان إلا أن يمر شهرًا، الجفون لا تستطيع أن تصمد دومًا وصحراء أعيننا تكاد تصبح قاحلة رغم فيضانها بين حين وآخر، الأهداب تتبلل بفيضان الدموع وبعضها يشيخ وبعضها يتساقط، إطباق الجفون على بعضها بتروّ خوفًا من نزول دموع على الوجه، لكن هيهات فإن لم تخنك الدموع خانك بريق العيون، لا ينتهي الحديث عن العيون وتنتهي السنون.

أودّ أن اعترف بتقصيري في شغفي ضمن إطار الكتابة، فإني أشعر بركود وصدأ في قلمي، لربما لأن الأيام هنا روتينية فجُلّها يشبه بعضه، لا أعرف إن كان سببًا مقنعًا لكي أرمي تقاعسي عن الكتابة لكني لم أجد مبررا آخر.

لطالما كنت أحبس جلّ الكلمات التي أريد أن أفرغها هنا في ذهني، لكن التسويف يسرقها مني ويرمي بها عرض الحائط.

اليوم لملمتُ بعضًا مما حبست، ها أنا أخرج زفيرا بشدة وتخونني الكلمات من جديد، ها أنا درست فرعًا جامعيا جديدًا، ولو كنت في بلدي لم أستطع أن أفعل ذلك، حتى أمي التي كانت تطالبني بالعودة دائمًا الآن تهنئني وتردد "من الجيد أنك خارج الوطن، أكمل إلى الأمام من دون النظر إلى الوطن"، المفارقات بين تلك الأعوام التي مرت غريبة جدا؛ فالتغيير كان يتزامن مع سرعتها ولو كان هذا على حساب العاطفة.

تدور السنوات كعجلة حافلة في منحدر ولا يمكن أن يكبحها أحد؛ كذلك الأحداث.

مواقف وأحداث متنوعة كمقاطع الفيديو التي تتصفحها على الإنترنت، منها تراجيدي واجتماعي وكوميدي وأيديولوجي، هي ليست ثابتة بل في تغير دائم، لذا عليك أن تتعلم منها.

مؤلمة تلك هي المواقف التي تحدث في الغربة، أن تسمع شتمك أمامك بلغة مختلفة بحجة أنك الآن تجلس في مكان أحدهم في تلك الحافلة المزدحمة، والأثقل من ذلك أنك لا تستطيع أن تشرح لكل شخص سبب وجودك هنا وهو لا يريد أن يفهم، وليس لك إلا أن تظهر امتعاضا خفيفا على وجهك ونصف ابتسامة على جانب فمك وتخرج بأقل الأضرار.

ها قد أتممت السنة الرابعة في الغربة، لم يعد عدّ السنون بالأمر الصعب فهنا السنوات تتزاحم سريعًا، لا أعرف إن كانت سرعة السنوات في الوطن بالوتيرة نفسها أيضًا.

في الحقيقة، لم أتخلّ عن تتبع نفسي بالمرآة وتحسس شعر رأسي مع التمحيص في الشيب، لم أكفّ عن وضع أناملي على رأسي متجهًا نحو هامتي تمامًا كما كان يفعل والدي.

  • لم أصمت عن ترديد كلمة ماما وبابا ولو قلتها تمتمة.
  • لم أغض النظر عن مشاهد صور العائلة مع التكبير على وجه أحبتي.
  • لم أتوقف عن إيماني برب العالمين متيقنًا أنه لن يتركنا (وما كان ربك نسيا) [سورة مريم:64].
  • ولم أبرح عن الشوق لمن سكن الديار في موطني الأصلي.

ختامًا: اسع أن تتعلم من كل ما يحيط بك ولو كان حائطًا؛

تعلم منه كيف ظل قائمًا إلى الآن.

  • تعلم من أشعة الشمس كيف تعطيك الدفء، ومن الظل كيف يحميك.
  • تعلم من تصفحك للهاتف، لا تدع وقتك يذهب سدى، خذ فسحة وتعلم، (وقل رب زدني علما) [سورة طه: 14].
  • تعلم من وقوفك أمام المرآة، وسل نفسك ماذا تعلمت.

تذكر أن الله خلقك لا لتكن كغيرك، أضف إلى الحياة بهاراتك الخاصة

واصبر على كل ما يصيبك؛ فإن الله مع الصابرين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.