شعار قسم مدونات

كيف تؤثر شبكات التواصل الاجتماعي على قراراتنا؟

blogs لابتوب

تقوم شبكات التواصل الاجتماعي كفيسبوك وتويتر ومحركات البحث مثل غوغل وبينغ وغيرها من المواقع التجارية كأمازون أو مواقع المراجعات مثل تريب أدفايزر بتوجيه المحتوى الذي يظهر لنا بناءً على الكثير من المعطيات منها سجل البحث والمشاركات التي قمنا بالتفاعل معها ونوعية الجهاز الذي نستخدمه وموقعنا الجغرافي وغيرها من المعلومات.

 

يسمى توجيه أو حصر المحتوى الذي نشاهده بفُقاعة التّرشيح، حيث تقوم أنظمة التوصية التي تحوي على خوارزميات الذكاء الصناعي في هذه الشبكات والمواقع بتخمين المعلومات التي قد يفضل المستخدم رؤيتها. يدّعي ايلي باريسر مؤلف كتاب "فقاعة الترشيح: ماذا تخفي عنك الإنترنت" أن المستخدم أصبح محصوراً ضمن إطار ضيِّق لا يمكنه من الوصول لأفكار أو معلومات جديدة، فعلى سبيل المثال لن تصلك أفكار سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو إنسانية خارج هذه الفقاعة التي صنعتها لك تلك الشبكات والمواقع.

 

فالمعلومات التي تظهر لك على فيسبوك هي أشياء قام أصدقاؤك بمشاركتها أو أصدقائهم، والأخبار التي تظهر لك هي من المصادر التي قمت بالإعجاب بها، وبهذا يتم حصر مصادر معلومات المستخدم، حتى الإعلانات التي تظهر لك فهي تتعلق بأشياء قمت بالبحث عنها أو تتناسب مع ذوقك وأفكارك أو لها ارتباط بمنطقتك الجغرافية.

نوايا شبكات التواصل ومواقع الإنترنت من وراء فقاعة الترشيح هو مادي بحت، حيث أن طبيعة البشر تميل إلى التقرب من الذين يحملون نفس الميول ووجهات النظر وبهذا يقضي المستخدم وقتاً أطول في تصفح الأخبار

ومن أبسط الأمثلة على ما سبق هو محاولة قمت بها مع صديقين عبر الولوج لمحرك بحث غوغل والبحث عن كلمة "تونس"، بعد مقارنة النتائج وجدت أن هناك فرقاً واضحاً، فمحرك البحث لكلا الصديقين أعاد نتائج تتوافق مع المواقع التي يزورانها أو مواقع تتوافق مع وجهات نظرهم. لو قمت أنت بالبحث عن كلمة أو عبارة من خلال متصفح يعرف هويتك ومتصفح آخر في حالة الخصوصية (أي بدون تعريف عن الهوية) ستجد نتائج مختلفة. غوغل تعرف الكثير عنا خاصةً إذا كنا من مستخدمي الأندرويد ويوتيوب ومن منا لا يستخدم اليوتيوب، وبهذا قامت غوغل يخلق فقاعة ترشيح لمجموعة من النتائج مختلفة بناءً على مشاهداتنا وتصفحاتنا السابقة.

وقد ذكر مركز بو الأمريكي للدراسات في بحث له في منتصف العام 2015 أن 61 في المائة مِن الذين تقل أعمارهم عن الثلاثين عاماً يستخدمون الفيسبوك كمصدر حصري لحصولهم على الأخبار، وهذه النسبة تشكل 1.7 مليار مستخدم حول العالم. وقد ذكر نفس مركز الدراسات أنه في العام 2014 كانت نسبة المستخدمين الذين يعتقدون ان الأخبار التي يشاهدونها تنساق مع أفكارهم وميولهم ضعف من لم يعتقد ذلك، ولكن مع تطور خوارزميات الشبكات الاجتماعية وكم المعلومات الهائل الذي يصل تلك المواقع يومياً باتوا أكثر قدرة على تحديد المحتوي الذي يصل المستخدمين.

أكاد أجزم أنّ نوايا شبكات التواصل ومواقع الإنترنت من وراء فقاعة الترشيح هو مادي بحت، حيث أن طبيعة البشر تميل إلى التقرب من الذين يحملون نفس الميول ووجهات النظر وبهذا يقضي المستخدم وقتاً أطول في تصفح الأخبار والمشاركات التي يحب أن يتابعها في تلك المواقع حتى ولو كانت مزيفة أو كاذبة. ولكن نتيجة تلك السياسات التي بنيت عليها خوارزميات فقاعات الترشيح تبدوا واضحة. فالآلة لا تحمل العواطف ومن التحديات الكبرى التي بدأت تواجه شبكات التواصل الاجتماعي ومواقع البحث وغيرها هو كيفية الحد من انتشار الأفكار والأخبار الكاذبة والمزيفة.

ففي مقالٍ لها نشر في شهر تشرين الثاني من العام 2017 اتهمت صحيفة الإيكونيميست البريطانية مواقع التواصل الاجتماعي بفرض سطوة توجيهية على المستخدمين تؤثر في قراراتهم الانتخابية. وذكر التقرير أن مواقع التواصل الاجتماعي نشرت أخبار ملفقة ومضللة. فيسبوك اعترفت بأن 146 مليون من مستخدميها ربما قرؤوا أخبارا مسممة بين شهري كانون الثاني وآب من العام 2015 نشرتها أطراف روسية. فيما اعترفت يوتيوب بانتشار 1108 فيديو مرتبط بروسيا شاهدها مستخدموها، بينما تم نشر 36746 تغريده مرتبطة بالروس على موقع تويتر. بينما كانت شبكات التواصل الاجتماعي سابقاً تقوم بنشر قيم التسامح وفرض بيئة نظيفة تلاحق المجرمين والأفكار الهدامة، تجد أن مستخدميها وقعوا ضحية أفكارٍ مسمومة. انحصار الأخبار التي وردت المستخدمين بمصار مكرّره سمح لهذه الأخبار تحديد وجهة صوت الناخب ولم تسمح هذه المواقع للمستخدم بمشاهدة رأي مختلف قد يغير وجهة نظره.

حين نتلقى معلومات تعزز قناعات نميل لها فإنها ستترسخ في عقولنا وقلوبنا ونصبح أقرب لرفض أي فكرة لا تندمج مع ما ننحاز له من أفكار وقناعات، وبهذا يصبح المستخدمون كمن يسمع صدى صوته في غرفةٍ فارغة
حين نتلقى معلومات تعزز قناعات نميل لها فإنها ستترسخ في عقولنا وقلوبنا ونصبح أقرب لرفض أي فكرة لا تندمج مع ما ننحاز له من أفكار وقناعات، وبهذا يصبح المستخدمون كمن يسمع صدى صوته في غرفةٍ فارغة
 

ذكر الأخوين هيث في كتاب "الحسم" عن تجربة قام بها أحد الباحثين، حيث عرض على المشاركين في البحث جمل ليست معتادة مثل "سحّاب الملابس صنع في النرويج" وقد أُخبر المشاركون بأن هذه الجمل ربما تكون صحيحة وربما تكون خاطئة. خلال التجربة تم تكرار عينة من الجمل لثلاث مرات في نصوص مختلفة ومن ثم طلب من المشاركين تقييم صحة الجمل. وجدوا أن الجمل المكررة جعلت المشاركين يؤيدون صحتها أكثر من الجمل التي لم تتكرر.

وفي دراسةٍ أخرى أجريت على مجموعة من مستخدمي تويتر، وجد أنّ أكثر المستخدمين الذين ينتمون لحزب سياسي يقومون بإعادة تغريدات تدعم حزبهم. ويقوم هؤلاء المستخدمون في الغالب بنشر تغريدات لمقالات في صحف تميل لحزبهم السياسي. هذه التغريدات تضع هؤلاء المستخدمين ومتابعيهم في دائرة الأفكار المكررة.

هذه الأفكار المكررة التي تصلنا تعزز انحيازنا الذاتي، فحين نتلقى معلومات تعزز قناعات نميل لها فإنها ستترسخ في عقولنا وقلوبنا ونصبح أقرب لرفض أي فكرة لا تندمج مع ما ننحاز له من أفكار وقناعات، وبهذا يصبح المستخدمون كمن يسمع صدى صوته في غرفةٍ فارغة فيخسرون قدراتهم على الحصول على الرأي الآخر الذي ربما يكون على صواب أو أقرب إلى الصواب.

إذن كيف نخدع تلك الخوارزميات حتى نخرج من فقاعات الترشيح والأفكار المكررة، الجواب بسيط علينا تصفح مواقع لا توافق أفكارنا، فإذا كنا نميل إلى الأفكار اليسارية لم لا نقرأ بعض ما يكتبه اليمين فمثلاً لو تفاعلت مع مقالات أو مشاركات لا توافق أفكارك من وقتٍ لآخر فأنت حتماً تخدع خوارزميات فقاعات الترشيح وتقلل من تأثيرها عليك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.