شعار قسم مدونات

"سناب شات" وسيكولوجية المراهقين

blogs - سناب شات

لم تستطع أي من شبكات التواصل الاجتماعي جذب النشء وصغار السن من الشباب كما فعلت "سناب شات". هناك أسباب عدة تتمثل بتقديم خصائص تدغدغ مشاعر المراهقين وتجذبهم تُجاهها. إذا كنت قد حاولت سابقا معاقبة أحد المراهقين بإبعاده عن هاتفه الذكي فستفهم ما أعنيه جيدا. قد يواجه الأبناء آباءهم بنظرة عدائية، ويدخلون في حالة انعزال وكآبة، سيشعر المراهقون بأن انقطاعهم عن "سناب شات" هو انتحار اجتماعي.

 

ما السبب يا ترى؟

إنها خاصية الأثر "Streak" التي تمثل ظاهرة "سناب شات" حيث ميَّزتها عن منافساتها من شبكات التواصل الاجتماعي وهي تعبّر عن عمق الصداقة.  خاصية الأثر هي كأنك تبني جدارا بوضع حجر فوق حجر يوميا. وإذا مر يوم ولم تضع حجرا سيتداعى الجدار وعليك البدء بالبناء مرة أخرى. تمثل خاصية "الأثر" في "سناب شات" قمة تفهُّم الشركة لسيكولوجية المراهقين. فإذا تبادل المستخدم وأصدقاؤه الصور يوميا دون انقطاع يبدأ بالظهور بجانب اسم المستخدم عدّاد يزداد يوميا كلما زاد تبادل الرسائل الشخصية من صور وتعابير وفيديوهات، ثم يظهر رمز تعبيري بجانب اسم المستخدم يضاف إلى العداد، وإذا لم يقم المستخدم بتبادل الرسائل لمدة من الزمن يبدأ هذا الأثر بالاختفاء.

صغار السن والمراهقون يشكلون فئة تغافلت عنها شبكات التواصل الاجتماعي سابقا، واستهدفها مؤسسو شركة "سناب". حيث إن المراهقين وطلاب الجامعات يمثلون فئة مهمة في قائمة المتسوقين

فعليا يكافئ "سناب شات" المستخدم كلما ازداد عدد أيّام التواصل المستمر مع الأصدقاء بعدّاد أعلى مع رمز تعبيري، فمثلا بعد مائة يوم من المراسلات اليومية مع صديق معين، سيظهر بجانب اسم المستخدم رمز تعبيري ورقم 100، لكنّ المستخدم يخسر الرمز التعبيري ويبدأ العداد من الصفر لو انقطع في اليوم التالي عن مراسلة هذا الصديق. يبذل المراهقون جهدا كبيرا لإبقاء بل ولزيادة "الأثر" مع الأصدقاء وكأنها لعبة تحد، ويتفاخرون في ما بينهم بالأرقام القياسية التي يحققونها مع الأصدقاء، وقد يصاب بعضهم بالاكتئاب إذا فقد أثر أحد الأصدقاء بعد أن عمل شهورا لبناء هذا الأثر وتقويته. بهذا يدخل المراهق في دوامة الإدمان اليومي على استخدام "سناب شات" وهذا أمر جدُّ خطير.

جمع شعارات الأثر الملاصق لاسم المستخدم يذكرني بجمع طوابع البريد أو صور نجوم كرة القدم، حين كنت مراهقا كنت أشعر بالسعادة للحصول على صورة جديدة أضمها لألبومي، ولكن لم يكن الألبوم ليحترق إذا لم أستطع الحصول على صورة أو طابع جديد كل يوم. الرموز التعبيرية في خاصية الأثر متسلسلة تصاعديا، فمع مرور الزمن تصبح الصداقة أقوى مع استمرار المستخدم بمراسلة الأصدقاء يوميا، حيث يتغير الرمز التعبيري لقلبين متلاصقين ليمثل هذا الرمز أعز صديقين، ثم يصبح قلبا ذهبيا وهكذا، أما البقية فتعتبر من المعارف فقط.

إتقان فن التعامل مع المراهقين مبني على أبحاث مستفيضة وموظفين مختصين مهمتهم ابتكار طرق لجذب هذه الفئة من المستخدمين، وتعزيز انجذابهم لـ"سناب شات". بالإضافة إلى ميزة الأثر يشعر المستخدم أنه في عالم له خصوصية كبيرة حيث تختفي المشاركات بعد مرور 24 ساعة. إضافة إلى تعديلات (فلاتر) الصور المضحكة التي قلّدتها "فيسبوك" و"إنستغرام".

لماذا المراهقون وصغار السن؟

صغار السن والمراهقون يشكلون فئة تغافلت عنها شبكات التواصل الاجتماعي سابقا، واستهدفها مؤسسو شركة "سناب"، حيث إن المراهقين وطلاب الجامعات يمثلون فئة مهمة في قائمة المتسوقين، فعلى سبيل المثال يتأثر الفتيان والفتيات الصغار بأزياء المشاهير في عالم التمثيل والموضة، فكل شخص له هوسه الخاص الذي تستطيع استغلاله تجاريا شركات الإعلانات وبيع التجزئة المتحالفة مع "سناب شات". لقد سوقت "سناب شات" لفكرة الأثر جيدا واستخدمت مواد دعائية وإعلانية مستغلة صورا وفيديوهات للمشاهير، وعززت فكرة كون الأثر دليلا على قوة الصداقة.

أعي جيدا أنّ الكثير منا لن يفكر جديا بالحصول على حساب في
أعي جيدا أنّ الكثير منا لن يفكر جديا بالحصول على حساب في "سناب شات"، ولكن رسالتنا في تربية أبنائنا والحفاظ على مستقبلهم تحفزنا أن نقرأ ونحصل على الثقافة الكافية في هذا الموضوع حتى نواكب ونجاري هذا الجيل
 
دور الأهل التوجيهي

لا يستطيع الأهل من آباء وأمهات منع أبنائهم من استخدام "سناب شات" وليس لزاما عليهم ذلك. هناك قواعد على الأهل اتباعها للسيطرة على تفاعلات أبنائهم في "سناب شات". أولا على الأهل معرفة كلمة المرور للوصول للتطبيق على هواتف أبنائهم متى أرادوا لفرض سطوة تُشعر الأبناء أنهم تحت طائلة المساءلة. ثانيا يجب تقنين استخدام الهاتف مثلا أثناء القيام بالواجبات الدراسية وفي ساعات المساء والجلوس مع العائلة. ثالثا ومن المهم أن يعلم الأبناء أن آباءهم على دراية بماهية هذا التطبيق مما يسهل ويدعم عنصر المناقشة والنصيحة عند اللزوم.

هذا العالم الجديد غامض بالنسبة للكثير منا، يجب علينا استكشافه والتعامل معه من أجل توجيه أبنائنا في مراحل مبكرّه. أعي جيدا أنّ الكثير منا لن يفكر جديا بالحصول على حساب في "سناب شات"، ولكن رسالتنا في تربية أبنائنا والحفاظ على مستقبلهم تحفزنا أن نقرأ ونحصل على الثقافة الكافية في هذا الموضوع حتى نواكب ونجاري هذا الجيل الذي يختلف عنا تماما. سيكبرُ المراهقون وربما ينظرون إلى ميزة الأثر على أنها شيء تافه كان مسليا في يوم من الأيام، ولكن لكلّ مقام مقال. حفظ الله أبناءنا جميعا من كلّ سوء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.