شعار قسم مدونات

يعرف عنك أكثر من نفسك.. هل يتحكم "غوغل" باختياراتنا؟

blogs جوجل

بدأت الكثير من الشركات الكبرى مرحلة جديدة من السباق على المستخدمين عبر المساعد الذاتي أو المنزلي، فقد بدأت أمازون منذ حوالي الثلاث سنوات بإطلاق المساعد المنزلي إيكو الذي تحول فيما بعد إلى أليكسا، ومن ثم تبعها واتسون من آي بي أم ومساعد غوغل المنزلي غوغل هوم وغيرها الكثير. لمن لا يعرف المساعد المنزلي أو الشخصي فهو إلى حد بعيد يشبه المساعد الصوتي في أجهزة آي فون أو أندرويد. جزء من هذا السباق يتعلق بالسيطرة على البيانات الشخصية للمستخدمين الذين يبحثون عن المعلومات عبر المحادثات الصوتية مع المساعدات المنزلية أو الشخصية. لعل الكثير من الصحفيين بدأ يتساءل عن الخصوصية وأين تذهب معلوماتنا الشخصية التي تكتنزها هذه الشركات.

القصة ليست جديدة فمسار بحث غوغل الأكثر شهرة يبني ملف شخصي للمستخدمين ويقدم للمُسوقين الكثير من المعلومات الشخصية التي تمكنهم من بناء استنتاجات عن رغبات المستخدمين. اليوم وفي كل ثانية يمر إلى مسار بحث غوغل ما يزيد على 40 ألف عملية بحث في الثانية، أي حوالي 3.5 مليار عملية في اليوم وبمعدل 1.2 ترليون عملية في العام. حين يقوم المستخدم بالبحث عبر محرك غوغل أو مساعد غوغل المنزلي فإن عبارة البحث تذهب إلى أحد مراكز غوغل للبيانات وهو مبني على حوالي 1000 من الحواسيب العملاقة تسمى المُخدمات التي تعمل معاً من أجل إيجاد البيانات التي يبحث المستخدم عنها بسرعة فائقة تصل إلى خمس الثانية. معظم المستخدمين لا يعرفون أنه وأثناء قيام محرك غوغل باسترجاع البيانات، أن هناك عملية أخرى تتم خلف الكواليس بين غوغل وشركائه التجاريين.

بناء ملف المواطنة
غوغل تعرف أننا تسوقنا من أماكن معينة عبر تتبع موقعنا الجغرافي ومن أي نقطة اتصلنا بالإنترنت، لكن بما أن عملية الشراء لم تتم إلكترونياً فمن الصعب أن تتنبأ غوغل بمشتريات المستخدمين

كلما استخدمت غوغل، كلما تم إضافة بيانات جديدة إلى ملفك الشخصي الذي يمكن غوغل من فهم رغباتك وميولك والتغيرات في متطلباتك. على سبيل المثال حين تقوم بإدخال عبارة بحث إلى محرك غوغل، يقوم محرك البحث بتحليل كلمات البحث وربطها بالمُعلنين، الذين بدورهم يتسابقون من سيحصل على زيارتك لموقعه أولاً. وبهذا ترى الإعلانات التجارية تظهر لك بترتيب معين في أعلى صفحة البحث. فأول أربع نتائج تكون ممولة من شركات تجارية. الكثير من المستخدمين لا يعرفون أنهم يزورون مواقع لإعلانات مدفوعة، فقد أشارت دراسات أن أكثر من 50 في المائة من المستخدمين لم يستطيعوا التمييز بين نتائج البحث المدفوعة والحقيقية. والسبب في عدم قدرة المستخدمين على التمييز هو أن غوغل تحاول جعل الإعلانات التجارية مشابهة إلى حد بعيد النتائج الحقيقية.

لكن ما خفي أعظم، فالملف الشخصي في غوغل يحتوي على معلومات أكثر بكثير من عبارات البحث والمواقع التي يقوم المستخدم بزيارتها، حيث أنّ غوغل تزودك بمتصفح كروم المجاني ونظام أندرويد لهاتفك المحمول، وموقع تصفح الفيديوهات يوتيوب، وبريد جي ميل المجاني وغيرها الكثير. وبهذا تجمع غوغل قاعدة بينات واسعة عن المستخدمين، إليك بعضها: العمر، الدخل، الجنس، العلاقات الأسرية والاجتماعية، نوعية الأجهزة التي يمتلكها المستخدم، موقعه الجغرافي، بيانات أبنائه، تحصيله العلمي، معدلاته الدراسية، أملاكه يسكن بالإيجار أم منزل يملكه، الشركة التي تزوده بخدمات الهاتف المحمول والمنزلي والإنترنت، المنتجات التي يشتريها، سرعة الانترنت، التطبيقات التي يحملها إلى هاتفه والتي قام بحذفها، المناطق التي زارها، والفنادق، قائمة الطعام، البريد الإلكتروني، الفيديوهات التي شاهدها، الصور التي خزنها المستخدم على خدمة التخزين السحابية جي درايف، بصمة الصوت وغيرها الكثير.

ملف المستخدم في غوغل يحتوي على معلومات لا يعرفها المستخدم عن نفسه. فالناس يخبرون غوغل أشياء لا يعترفون بها لأحد. إضافةً إلى ذلك، غوغل تعرف من يتطفل علينا عبر البحث أو البريد الإلكتروني، تعلم ما يفكر به الأزواج والأبناء لأنهم يستخدمون محركه للبحث عن استفسارات أو أفكار تراودهم.

كيف يستفيد المسوقون من بيانات المستخدمين الشخصية؟

طبعاً لا يتوقف الموضوع عند استخدام كلمات استخدمها الباحثون عبر غوغل لعرض الإعلانات، فكما أشرت سابقاً هناك كم هائل من المعلومات المخزنة في ملفات المستخدمين. على سبيل المثال يعرف غوغل معلومات عن تحركاتنا اليومية عبر خدمة الموقع الجغرافي والخرائط، ويعرف أيضاً مكان عملنا ونوع الموصلات التي نستخدمها، يشارك غوغل مثل هذه المعلومات مع المسوقين، فإذا كنت من مستخدمي المواصلات العامة يومياً، يبدأ المسوقون بعرض إعلانات مثل سماعات أذن، حقائب للحاسب المحمول وغيرها من منتجات تحتاجها هذه الفئة من الناس.

ليست غوغل الوحيدة التي تمتلك كنز معلومات عن مليار مواطن في شبكتها، فالكثير من الشبكات الأخرى تمتلك الكثير من المعلومات عن المستخدمين وتستهدف شرائح مجتمعية معينة تخدم أهدافها التجارية
ليست غوغل الوحيدة التي تمتلك كنز معلومات عن مليار مواطن في شبكتها، فالكثير من الشبكات الأخرى تمتلك الكثير من المعلومات عن المستخدمين وتستهدف شرائح مجتمعية معينة تخدم أهدافها التجارية
 
الجانب المظلم في تتبع الجمهور

يبدو أن كل هذه المعلومات لم تكن كافية، فغوغل تعرف أننا تسوقنا من أماكن معينة عبر تتبع موقعنا الجغرافي ومن أي نقطة اتصلنا بالإنترنت، لكن بما أن عملية الشراء لم تتم إلكترونياً ولم تتم ملاحقة المستخدم عن طريق ملفات تعريف الارتباط –كوكيز من الصعب أن تتنبأ غوغل بمشتريات المستخدمين. ولهذا قامت غوغل بشراء قائمة مشتريات مستخدميها من شركة ماستركارد مقابل ملايين الدولارات، كل هذا من أجل خدمة شبكة المُعلنين على شبكتها.

التصميم الأخلاقي

نتيجةً لجهود غوغل الجمًة في سبيل فهم وإدراك رغبات المستخدمين أصبح من السهل تلبية وأحياناً ترويض هذه الرغبات خدمةً للمسوقين والمعلنين على شبكاتها.قامت غوغل منذ بضع سنوات بإنشاء إدارة تعنى بكيفية تصميم الخدمات بطريقة تمنع التلاعب بعقول أكثر من مليار مستخدم في شبكتها. يُعنى التصميم الأخلاقي باسترجاع المعلومات بناءً على الملف الشخصي ولكن بطريقة تخدم المستخدم بدلاً من أن تستغله. فمثلاً لو قام مستخدم بالغ بسؤال مساعد غوغل المنزلي كم تبعد الأرض عن القمر؟ سيجيب غوغل بـ 384.400 كم. ولكن لو سأل طفل في الخامسة من عمره غوغل نفس السؤال سيجيبه أن القمر يبعد كثيراً عن الأرض ولن يعطيه مسافات لا يفهمها.

ليست غوغل الوحيدة التي تمتلك كنز معلومات عن مليار مواطن في شبكتها، فالكثير من الشبكات الأخرى تمتلك الكثير من المعلومات عن المستخدمين وتستهدف شرائح مجتمعية معينة تخدم أهدافها التجارية مثل فيسبوك وسناب شات وغيرها. الحرية تبدأُ من عقلٍ حُر، ونحن بحاجة إلى التكنولوجيا في حياتنا لتساعدنا في المعرفة والتفكير والاختيار والعمل بحرية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.